أحمد مظهر سعدو
أشارت وزارة الخارجية البريطانية إلى أنها لا تعتزم إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية. وقالت الخارجية في تغريدة عبر حسابها الرسمي: إن نظام الأسد فقد شرعيته بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري، مشيرة إلى أنها لا تنوي إعادة فتح السفارة. ويأتي إعلان الخارجية البريطانية بالتزامن مع تأكيد فرنسا أنها لا تعتزم أيضًا فتح سفارتها في دمشق. حيث أشارت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، أغنيس فون دير موهل، في مؤتمر صحفي، إلى أن إعادة فتح سفارة باريس في دمشق ” غير مطروح على جدول أعمال الخارجية”.
وهذا ما يدعونا إلى طرح السؤال إذا كانت الدول الأوربية (الأهم) لا تنوي فتح سفاراتها، كيف يستقيم الوضع مع هرولة غير دولة عربية لفتح سفاراتها في دمشق؟ وهل يمكن فصل ذلك عن بعضه؟ وهل يعني أن للدول الأوربية موقفًا متميزًا عن الموقف الأميركي الذي يبدو لا يعترض على فتح هذه السفارات؟
الباحث السوري باسل حفار مدير مركز إدراك للدراسات والاستشارات أكد لجيرون أنه ” لم يأت فتح السفارات بضوء أخضر، ولم يكن إغلاقها بضوء أخضر، لكن فتح السفارات من عدمه هو محض اجتهاد عربي خالص، ولا أعتقد أن الولايات المتحدة معنية كثيرًا بفتح هذه السفارات أو إغلاقها، لأن تأثير الوجود العربي في سورية بهذا الشكل الدبلوماسي ليس ذي أثر على المعادلة ولا على التحركات الأميركية، ولا على التحركات الدولية والإقليمية في سورية.
بالتالي هو ليس أمرًا مرتبطًا بتوجهات أميركية أو يؤثر على مصالح أميركية بشكل أو بآخر، لكن هذا لا يمنع أن الولايات المتحدة يمكن أن تستثمر ذلك في المستقبل، أو يمكن أن تكون قد تناقشت مع هذه الدول بشأنه، لكنه ليس أمرًا مرتبطًا بشكل وثيق مع مصالح الولايات المتحدة أو توجهاتها في المنطقة، ولا أعتقد أنها قد وجهت هذه الدول بهذا التوجه”. وأردف قائلًا ” ربما يكون هذا الأمر أقرب إلى الجانب الروسي فالروس حريصون على إضفاء شرعية على النظام السوري، ونعرف أن السودان التي بدأت هذا المسار، حيث البشير جاء إلى سورية على متن طائرة روسية، وبترتيب روسي، وسبقتها زيارات لدول أخرى، وأيضًا كانت بترتيب روسي وعلى متن طائرات روسية. إذًا المسالة الأهم هي الرغبة الروسية في فتح هذه السفارات والمساحة التي ستعطيها روسيا وإيران لهذه الدول، لدى تواجدها في سورية بخصوص ملف الاعمار، وبخصوص التمثيل الدبلوماسي وطريقة تعبير النظام في المحافل العربية في المستقبل، وإلى أي حد سيتم السماح لهذا النظام بأخذ موقع من جديد في المنظومة العربية، علمًا أن المنظومة العربية في الفترة الحالية تمر بأسوأ مراحل تفككها، وبالتالي فإن وجود النظام فيها أو إضافته إليها، ليس بالضرورة أن يشكل أي إضافة، بل هو عبء أكثر منه إضافة.” ونبه حفار إلى أنه يثار الكثير من أن ” رغبة الدول العربية أو بعضها في إعادة النظام إلى المنظومة وإعادة تمثيله الدبلوماسي والسياسي تأتي في إطار منع هذا النظام من الانجرار للمزيد من العلاقة مع إيران إو إنحيازه أكثر إلى المنظومة الإيرانية، وطبعًا النظام خلال الفترة الماضية كان جزءً من المنظومة العربية بشكل أو بآخر وتواجد فيها، وكان له تمثيله وكان ينظر له على أنه إحدى الدول المركزية أو الأساسية في هذه المنظومة، لكن كل هذا ثبت أنه كان شكليًا وإن النظام في لحظة ما عندما أراد أن يستقوي بأحد، وعندما أراد أن يستمع لأحد، وعندما أراد أن يخضع لأحد لم يتعامل إلا مع الإيرانيين، ثم الروس، وقد حاول المسؤولون العرب في بداية الثورة السورية كثيرًا ثني النظام عن طريقة تعامله مع شعبه، وحاولوا دفع النظام إلى التصرف بطريقة مختلفة، واتصل به مسؤولون من مختلف الدول من السعودية وقطر والكويت، ودولًا أخرى، لكن النظام لم يسمع في النهاية إلا لصوت واحد هو الصوت الإيراني وتبين أنه ليس إلا من عملاء وأذرع إيران في المنطقة، وهذا يجري ترتيبه منذ فترة طويلة وليس وليد اللحظة الحالية. وفي الوقت الذي كان فيه النظام يتغنى بالعروبة والقومية العربية ويحاول أن يمثل دور المقاومة كان يعزز أواصر العلاقة مع إيران ويسمح لها بالتمدد أكثر داخل الدولة السورية وحوَّل الدولة السورية إلى كيان رهين للمنظومة الإيرانية”.
أما حازم لطفي دبلوماسي سوري ونائب السفير السوري في الدوحة فقال لجيرون ” يبدو أنه من الصعوبة بمكان إلى الآن ونحن في القرن الواحد والعشرين القبول الدولي بتحرير شعوب المنطقة العربية والسماح بانتقال ديمقراطي حقيقي في دول الربيع العربي، وخصوصًا من قبل الأنظمة الديكتاتورية والمستبدة في الإقليم. وللإجابة على السؤال لابد من فهم التحركات الدولية الأخيرة في هذا السياق، حيث لم يعد خافيًا ما نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني عن الاجتماع الأمني الرباعي الذي جمع رئيس الاستخبارات الاسرائيلي يوسي كوهين مع قادة الاستخبارات في كل من السعودية والإمارات ومصر والذي ناقش سبل تقليص النفوذ التركي الإيراني في الإقليم، مع ادعاء عربي أن المستهدف من العملية هي إيران لكن يبدو أن التحرك الرئيسي باتجاه تركية، حيث أن عملية تعويم النظام ستصب بشكل مباشر في تقليص النفوذ التركي بحسب ما نلتمسه من آثار الخطة التراتبية التي تعمل عليها هذه الدول وبنسق متسارع لإعادة انتاج الأسد المسؤول عن قتل وتهجير آلاف السوريين، ابتداءً من زيارة علي مملوك إلى القاهرة ثم البشير إلى دمشق، انتقالًا إلى استقبال أول طائرة مدنية من تونس، وافتتاح سفارة أبو ظبي واستئناف عمل سفارة المنامة”. وأضاف لطفي ” كل ذلك سعيًا إلى استرداد النظام مقعد جامعة الدول العربية، وإعادة تعويمه. وكل ما يحدث يصب بشكل مباشر بمصلحة روسيا التي أصبحت محتلة لمفاصل سورية، ويأتي بموافقة ورعاية أميركية على الرغم من التخبط الظاهري الحاصل في إدارتها، وفي سياق دعم العدو الإسرائيلي ربيبها في المنطقة. وبالعودة إلى الدول الأوربية التي أعلنت عدم نيتها في فتح سفاراتها، وبالرغم من تأثير القيم الديمقراطية التي تحملها هذه الدول في مساندة دول الربيع العربي على التحول الديمقراطي، إلا أن القرارات تتم فيها أيضًا ضمن خطة المصالح والتوازنات، وتأتي المصلحة الأوربية أولًا في ملف المهجّرين والصعوبات الداخلية التي يعيشها الإتحاد الأوربي والتي تهدد بانفراط عقد اندماجه الذي حصل في معاهدة ماستريخت ومازال مستمرًا إلى الآن.” ثم أشار إلى أن دول الإتحاد الأوربي ” تُمسك بملف إعادة الاعمار نظرًا للدعم الذي يمكن أن تقدمه في سبيل ذلك، حيث تقدر كلفة إعادة الإعمار في سوريا ب400 مليار دولار، وكان الإتحاد الأوربي ومازال يصرح بأن دعم إعادة الإعمار مشروط بعملية الانتقال الديمقراطي السياسي في سورية، لذلك بدأ بوتين ومنذ آب 2018 بإدارة وتسويق خطة حثيثة لمحاولة إعادة اللاجئين السوريين دون انتقال سياسي وضمن خطة تعويم نظام الأسد، ويبدو أن خطته في هذا الشأن لم تنجح، بالرغم من إعلان شويغو وزير الدفاع الروسي أن أعداد اللاجئين العائدين 1.5 مليون لاجئ سوري، الأمر الذي نفته العديد من المصادر الأخرى. ما أعلنته الخارجية البريطانية والفرنسية عن عدم وجود نية لديها في فتح سفاراتها في سورية يأتي باعتقادي ضمن سياق عدم قناعة الإتحاد الأوربي بإمكانية الاستقرار وعودة اللاجئين إلى سورية إلا بوجود انتقال سياسي ديمقراطي حقيقي. وأعتقد أن محاولات تعويم النظام وإعادة تأهيله ستستمر خلال الفترة القادمة بإدارة الإمارات والعدو الإسرائيلي وبموافقة أميركية روسية لتغليب الثورات المضادة على ثورات الربيع العربي، ولكن عجلة التاريخ لا يمكن أن تعود إلى الوراء، ويبقى التعويل الرئيسي على قدرة الشعوب الحرة على الصبر والمصابرة والتضحية لأجل الحصول على الحرية المنشودة، والتي لابد وأنها ستسهم بالقضاء على الاستبداد والاستعمار والجهل والفساد. وستبشر بعودة شعوب ودول المنطقة إلى سياق التنافس الحضاري بعد تغريبة طويلة.”
أما الطبيب السوري تغلب الرحبي ابن الثورة السورية فقال لجيرون ” الدول الغربية كلها تواطأت لسحق الثورة السورية، أو خذلانها أو حتى دعم النظام المجرم، بشكل غير مباشر، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن مساعدات الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين كان يذهب نصيب هام منها للنظام بأرقام تجاوزت المليار دولار (و كلنا يعلم وهم يعلمون أنه لم يصل إلى المتضررين أكثر من ٥٪ من هذه المساعدات ) و القرار الجائر بعدم تسليح الجيش الحر بمضادات الطيران وهي أسلحة دفاعية، وكذلك منع الأسلحة النوعية للجيش الحر وغض النظر أو توجيه الدول الإقليمية لدعم الفصائل المتأسلمة والقاعدة وداعش “. وأضاف الرحبي بقوله ” أما إعادة العلاقات الدبلوماسية التي تستطيع أنظمة عربية قمعية لا قيمة لرأي الشعب عندها أن تعيدها بكل بساطة، فإن الموضوع في بريطانيا و فرنسا ليس سهلًا بسبب وجود معارضة تترصد لأخطاء الحكومة، ويمكنها استخدام ورقة إعادة العلاقات مع نظام مجرم ضد الحكومة لا حبًا بالشعب السوري، ولكن حبًا بالفوز بالانتخابات القادمة بالإضافة لوجود رأي عام قوي وقضاء مستقل وكذلك لوبي معاد لبشار الأسد في البرلمان، يجعل هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر ويجب حسابها بدقة ولن تجازف أي حكومة بإعادة العلاقات مع النظام السوري باي حال “.
موسى الهايس رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان في الخارج قال لجيرون “تعد بريطانيا وفرنسا الدولتين الأوربيتين اللتين لم تنقطع اتصالاتهما مع النظام السوري (أمنيًا) بحجة محاربة الارهاب بالرغم من الموقف المتشدد من رأس النظام في المحافل الدولية والاعلام. وقد حرصتا كلتاهما على أن تبقى شعرة معاوية الأمنية معه بسبب وجود الكثير من مواطني تلك الدولتين وحملة جنسيتها بين صفوف التنظيمات الارهابية الناشطة على الأرض السورية خاصة تنظيمي (النصرة وداعش) ومن المعلوم أن ذلك تم بشكل مباشر وعن قصد أحيانًا ولغايات استخباراتية أو بشكل غير مباشر من خلال الاستجابة لدعوات الجهاد في سورية التي تم ترويجها اعلاميًا بعد انطلاق الثورة السورية، وتلقفتها معظم الدول ووجدت فيها فرصة للتخلص من مواطنيها معتنقي الأفكار المتشددة وعلى رأسها انكلترا وفرنسا. ولاشك أن كلا الدولتين إضافة إلى تعاملهما الأمني مع النظام فإن لهما تواجد عسكري على الأراضي السورية على أمل الفوز بنصيب من كعكة إعمار سورية، ما بعد الحرب فالقوات البريطانية منذ عام 2016 أقامت قاعدة لها بالقرب من التنف على الحدود العراقية الأردنية بحجة تدريب (جيش سورية الجديد ) أحد فصائل الجيش الحر ، وتقديم الدعم اللوجستي له لتمكينه من قتال تنظيم الدولة .كما تتواجد القوات الفرنسية شرق الفرات في عين عرب وعين عيسى و شمال شرق سورية في إطار إتفاق أميركي فرنسي لدعم قوات الحماية الكردية التي تسيطر على المنطقة.”. ثم قال ” إلا أن التفرد الأميركي في القرار بتقسيم مناطق النفوذ وتوزيع الحصص في سورية خاصة تغريدات الرئيس الأميركي الأخيرة بضرورة أن تتحمل السعودية النصيب الأكبر من الإعمار أربك الجميع وأثار حفيظتهم خاصة الأوربيون حيث أن الاميركيون عندما يقولون ذلك فهذا يعني أن ما تقدمه السعودية من رأس مال في إعمار سورية يناسبهم وحدهم أو بالأصح تقوم به نيابة عنهم ويحقق لهم رأس مال سياسي في المستقبل السوري ما يمكنها من السيطرة والتفرد على الاقتصاد السوري، في الوقت الذي ينظر الجميع إلى المشاركة في نصيب من الإعمار للفوز بنصيب من المستقبل السياسي .الأمر الذي دفع الفرنسيين والبريطانيين للتغريد خارج السرب الأميركي والوقوف بوجه محاولاته تسويق النظام وإعادته للمجتمع الدولي من خلال حلفاء أميركا من الدول العربية، لما لمسوه من استبعادهم وحرمانهم من أي مكسب مستقبلي في حال تم ترميم النظام المتهالك، وربما تتبعهم دول أخرى في هذا الموقف وتؤيدهم”.
المصدر: جيرون