سامي خليفة
تحاول إسرائيل جاهدةً التعويض عما حصل في السنوات الماضية، من تدهور في صورتها العسكرية. وقد عبر رئيس أركان جيشها الجديد، الجنرال أفيف كوخافي، عن قرار إسرائيلي بالمواجهة حتى النهاية. وهي رسالة استراتيجية للحزب وإيران، مفادها أن الدولة العبرية “لن تتنازل عن أمنها”.
توقيت الغارات
في معرض شرحها للاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة، تشير صحيفة “جيروزاليم بوست”، أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة المكثفة في سوريا، مرتبطة بمحاولات تهريب أسلحة، على متن طائرات مدنية، من طهران إلى دمشق وبيروت. وتأتي هذه الهجمات، في إطار الجهود الإسرائيلية المستمرة، لمنع تفريغ هذه الأسلحة وتسليمها إلى حزب الله.
وتكشف الصحيفة، أنه أثناء الهجوم الذي نفذته المقاتلات الإسرائيلية، في 20 كانون الثاني 2019، على سوريا، كانت طائرة مدنية إيرانية يُشتبه في أنها تحمل أسلحة، في طريقها إلى مطار دمشق، واضطرت بسبب غارات المقاتلات الإسرائيلية المكثفة، إلى تغيير مسارها والعودة إلى طهران.
استراتيجية مختلفة
لكن تهريب الأسلحة ليس هو السبب الكامن خلف التصعيد الأخير. إذ أن إسرائيل بدأت، كما تكشف الصحيفة، باتباع استراتجية جديدة ضد إيران وحزب الله، مدفوعة بعوامل عديدة، تبدأ بسحب الولايات المتحدة لقواتها من سوريا، ما أضعف موقف حلفائها. لذا ومن خلال إنهاء سياسة الغموض، أجبرت إسرائيل الولايات المتحدة على دعم أفعالها، “في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الوشيكة لسيادتها”. وهذا سوف يعيد، وفق الصحيفة، تأهيل صورة الولايات المتحدة كحليف استباقي لإسرائيل.
ثانياً، إن هجمات إسرائيل الكبيرة ضد أهداف إيرانية في سوريا ترسل رسائل لا تتعلق فقط بشمال إسرائيل. فكشف الأنفاق على الحدود اللبنانية ساعد على إعادة تأسيس الردع الإسرائيلي، في الوقت الذي نُفذت فيه هجمات واسعة ضد إيران في سوريا.
ثالثاً، ترسل الهجمات، حسب الصحيفة، رسالة إلى إيران وحزب الله، بأن إسرائيل نجحت في إيجاد طريقة لتجديد الحوار مع الروس. فبعد أن وضع الروس نظام S-300 المضاد للطائرات المتطور في سوريا، والذي أضعف حرية التحرك الإسرائيلي، كجزء من الأزمة في العلاقات الإسرائيلية- الروسية، التي جاءت بعد عدة سنوات من التنسيق الأمني الناجح. توضح التصعيدات الأخيرة أنه على الرغم من هيمنتها في سوريا، فإن قدرة روسيا على إملاء رغباتها على الجانبين محدودة، فقد تم إطلاق الصاروخ الإيراني من جنوب سوريا، وهي منطقة وعد الروس إسرائيل بأنهم سيستأصلون الوجود الإيراني منها.
أما السبب الرابع والأهم، وفق الصحيفة، هو تكثيف الحزب وإيران جهودهما، لإقامة معقل في جنوب غرب سوريا. وقيامهما بتجنيد السكان المحليين، ونشر عناصر الحزب على طول الشريط الحدودي.
إنهاء سياسة الغموض
لم تعد سياسة الغموض، التي تنتهجها إسرائيل، حسب الصحيفة، تخدم حاجات وأهداف الدولة العبرية التشغيلية، لمنع إيران من تهديد إسرائيل من داخل سوريا ولبنان. ففي لبنان وحده، يمتلك الحزب حوالي مئة ألف صاروخ، 40 في المئة منها في مناطق تخضع لإشراف الأمم المتحدة، مخبأة داخل أو تحت بنى تحتية مدنية، بطريقة تجعل من سكان جنوب لبنان دروعاً بشرية. وعلاوةً على ذلك، فإن إيران مصممة على مساعدة الحزب في تحسين ترسانته الصاروخية.
لذلك، تكشف الصحيفة، بأن القرار الإسرائيلي بإنهاء سياسة الغموض، يبعث برسالة واضحة، مفادها أن إسرائيل لن تتنازل عن أمنها، وستعترف بكل العمليات الأمنية خارج الحدود، وستركز بشكل متزايد على الحدود الشمالية، التي تعتبرها الأكثر خطورة وتحدياً لأمنها.
توصيات الحرب
على صعيدٍ متصل، قدم معهد “أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي، للرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين تقريراً استراتيجياً منذ أيام، عن احتمال التصعيد العسكري، والذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى حرب على ثلاث جبهات، هذا العام.
وأوصى المعهد الأمني، بضرورة استمرار العمل لمنع نقل سلاح نوعي جديد لحزب الله، قادر على كسر التوازن والتفوق العسكري الإسرائيلي، مشدداً على الاستعداد التام للعمل ضد الصواريخ الدقيقة، القادرة على إصابة الأهداف بدقة عالية. وأشار التقرير الذي شارك في إعداده العديد من الجنرالات والوزراء والضباط الإسرائيليين إلى أن “معظم الجبهات المحيطة بإسرائيل باتت شبه متفجرة، بانتظار الصاعق الذي قد يشعلها”.
وأكد المعهد على ضرورة الاستمرار في إطلاق الحملة، لمنع إيران من إقامة وجود عسكري في سوريا، وبأنه يجب على إسرائيل أن تكون مستعدة، لإمكانية توسيعها غاراتها وضرباتها إلى لبنان، أو حتى مباشرةً إلى إيران.
وطلب المعهد من القيادة العسكرية، منع نقل الأسلحة ذات الدقة العالية إلى حزب الله بشكل منتظم في لبنان، طالما أن الظروف الاستراتيجية تسمح بذلك. كما أوصى بالاستعداد لاتخاذ إجراءات ضد منشآت الأسلحة الدقيقة للحزب في لبنان. وبما أن مثل هذا الهجوم سيؤدي، بالتأكيد، إلى مواجهة عسكرية طويلة مع المجموعة اللبنانية، فيجب على إسرائيل أيضاً، أن تعد الجبهة الداخلية لحرب واسعة النطاق في الشمال.
رجل صواريخ حزب الله
قبل تسلمه رسمياً لمنصبه، تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية بإسهاب عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد الجنرال أفيف كوخافي، وعزمه على اتباع سياسات عسكرية جديدة، وحازمة ضد الحزب، واصفةً إياه بأنه رجل صواريخ حزب الله.
تشكل الاستراتيجية العسكرية الجديدة، والتصعيد الذي نتوقع أن يستمر لعدة أشهر، تحدياً، يريد من خلاله كوخافي إثبات النفس وصوابية خياراته العسكرية، مقارنةً بخيارات سلفه غادي أيزنكوت. وهي فرصة لتوجيه الرسائل إلى رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان لاعتبارات شخصية رافضاً قرار تعيينه، مفضلاً سكرتيره العسكري السابق اللواء ألون زمير، الذي يفتقر لأي تجارب حربية ميدانية.
المصدر: المدن