زين الحلبي
يتواصل تمدد الفصائل المحلية المعروفة بـ”شريان الكرامة”، المناوئة لعودة سلطة النظام في السويداء، بالتزامن مع تحركها بشكل فعلي لإطلاق سراح موقوفين قبل سوقهم للخدمة العسكرية، وقبضها على متهمين بجرائم قتل وسرقة وخطف.
“قوات فرسان الكرامة” و”قوات عتيل الكرامة” في بلدتي أم الرمان وعتيل، انخرطت مؤخراً في “الشريان”، متوعدة النظام من ضريح سلطان باشا الأطرش في بلدة القريا، بالتصدي له إذا ما حاول زج أبناء المحافظة عنوة في آتون حربه على الشعب السوري. “لا اعتقالات تعسفية ولا سياسية في الجبل بعد اليوم”، بحسب ما جاء في بيانات تشكيل الفصائل الجديدة الصغيرة. وتعتمد الفصائل على ما يعرف بـ”نظام البيارق” في تنظيم أفرادها وتعين قائداً لكل بيرق، وهو نظام حربي تقليدي في السويداء، اتبعه أهالي المحافظة سابقاً خلال حروبهم مع العثمانيين والفرنسيين.
“قوات الفهد”، أكثر الفصائل نشاطاً في الآونة الأخيرة، حررت بالقوة مواطناً من بلدة قنوات بعدما اعتقلته شرطة المشفى الوطني، لسوقه إلى الخدمة الاحتياطية، بعد دخوله مصاباً إثر حادث سير. وألقت “الفهد” القبض على 5 لصوص وقدمتهم لـ”المحاكمة العشائرية” أمام أهالي قنوات، بعد إعادة قسم من المسروقات لأصحابها. كما سلّمت مؤخراً شاباً ارتكب جريمة قتل، إلى فرع الأمن الجنائي في السويداء، ما أدى لنشوب خلافات مع عائلة القاتل. “الفهد” أجبرت قوات النظام على إعادة سيارة شحن لشخص من السويداء بعدما استولت عليها “دوريات التعبئة” في دمشق.
“قوات عتيل الكرامة” ساهمت بإطلاق سراح شاب من قرية الدور، متهم بعمليات تهريب، بعدما سلم نفسه لفرع “الأمن العسكري” إثر حصوله على وعد بـ”تسوية وضعه”. “الأمن العسكري” نكث بوعده، ونقل الشاب إلى معتقل صيدنايا، ليتم عرضه على “محكمة ميدانية”. “قوات عتيل الكرامة” خطفت ضابطاً من قوات النظام، وقايضته بالشاب المعتقل.
الفصائل المحلية، وعلى رأسها “الفهد” و”شيخ الكرامة”، أكدت أنها “لا تحمل أي مشروع سياسي”، و”لا تنحاز للموالاة أو المعارضة، بل لكرامة أهالي السويداء ورفع الظلم عنهم”. وتعتبر تلك الفصائل نفسها ظاهرة شعبية أفرزتها “الحرب الطائفية”، تهدف للدفاع عن “الحق المشروع” لأبناء السويداء بمختلف طوائفهم، في تجنب الحرب والبقاء على الحياد، ورفضها منح الحماية للمجرمين وقطاع الطرق، معلنة سيرها على مبادئ الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس “حركة رجال الكرامة”.
قيادي من أحد الفصائل المحلية، قال لـ”المدن”، إنهم يسعون لتشكيل فصائل في جميع أنحاء المحافظة، ويرفضون بشكل قطعي عودة أجهزة النظام الأمنية إلى سابق عهدها في الاعتقالات التعسفية وكم الأفواه والسوق للخدمة. وأوضح أنهم لا يتحركون من تلقاء أنفسهم، في حال تعرض أحدهم للاعتقال، إلا في حال تفويض عائلة المعتقل للفصائل بإطلاق سراحه، إذ “ليس لديهم مشكلة مع من يذهب للخدمة بإرادته”. واعتبر القيادي أن احتمال المواجهة العسكرية مع النظام قائم في أي وقت، فهو “طرف لا يؤتمن له جانب”، مضيفاً أن الفصائل على جاهزية تامة للمواجهة رغم أنه يستبعدها في الوقت الراهن نظراً للتجاذبات الدولية والإقليمية في المنطقة، وعدم قدرة النظام على اتخاذ القرارات العسكرية منفرداً، وغياب حجة الإرهاب والتطرف عن محافظة السويداء الدرزية.
وتعتمد الفصائل على “التمويل الذاتي” وتبرعات “أهل الخير” في شراء السلاح والعتاد، وفق رواية القيادي، موضحاً رفضها لعروض تمويل عديدة طرحتها جهات “هدفها حرف مسار الفصائل عن الحماية الذاتية”، وزجها في “تيارات سياسية ومشاريع تقسيم”. مشيراً إلى أنهم لا يحملون فكراً إقصائياً تجاه النظام أو المعارضة، وليسوا بديلاً عن “الدولة” في الأمور الاقتصادية والخدمية وتأمين مستلزمات المعيشة للسكان. وأعرب عن “عدم ثقتهم بأي طرف سياسي”، و”احترامهم لتطلعات الشعب السوري بكافة أطيافه، مؤكداً أن السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا”.
وتشير مصادر خاصة لـ”المدن، أن بعض الفصائل المحلية تعتمد على تهريب السلاح، وأحياناً الخطف مقابل الفدية، لتمويلها الذاتي. في حين تعتمد فصائل أخرى على تبرعات مالية من بعض المغتربين، وبعض أبناء الطائفة الدرزية في لبنان وفلسطين. وتمتلك الفصائل مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وعشرات سيارات الدفع الرباعي ومدافع هاون ومضادات دروع.
شعبية فصائل “شريان الكرامة” محدودة، حتى في مناطق انتشارها، ويرجع ذلك لتواجد عناصر فيها من أصحاب السوابق المتهمين بجرائم خطف وقتل وتهريب، وارتكاب البعض منهم الجرائم بشكل علني كان آخرها قيام عنصر من فصيل “مغاوير الكرامة” في بلدة المزرعة بقتل مواطن وسط البلدة وأمام المارة بدوافع “ثأرية”. وتسببت الحادثة بتوتر عائلي واشتباكات مسلحة انحازت فيها بعض فصائل “الشريان” للقاتل وساندته. كما تغلب العشوائية على تصرفات هذه الفصائل حتى أنها منقسمة على نفسها في قراراتها الداخلية، ولا تحمل أي رؤيا شاملة وواضحة لمستقبل المحافظة. فالسويداء باتت أشبه بالسجن الكبير، نظراً لتواجد عشرات آلاف المطلوبين للخدمة العسكرية، أو لقضايا سياسية وجنائية، ممن هم غير قادرين على مغادرة المحافظة، وعاجزين عن تأمين مستقبلهم.
فصيل “حركة رجال الكرامة” بزعامة الشيخ يحيى الحجار، أكبر الفصائل المحلية على ساحة المحافظة، بات يسير بخطوات ثابتة نحو تطبيع العلاقات مع النظام، بعدما كان أبرز خصومه في السويداء منذ العام 2015. وتتجنب قيادة الفصيل الحديث عن قضية المتخلفين عن الخدمة، رغم حدوث مشاحنات بين بعض تشكيلاتها والنظام في الأيام الماضية، تمثلت باعتقال “أمن الدولة” لأحد عناصرها أثناء مغادرته إلى لبنان، وإطلاق سراحه بعد ساعات قليلة نتيجة تدخل “الشرفاء في الدولة” حسب بيان “رجال الكرامة”. كما اندلع شجار بين أفراد من “الحركة” وعناصر من “الفرقة 15″، تطور لإطلاق نار قرب “كتيبة الإشارة” في السويداء، لتعلن الحركة احتواء الحادثة بعد اعتذار “الشرفاء في الدولة” وتعهدهم بمحاسبة المسيئين.
مصادر “المدن” تؤكد سعي “رجال الكرامة” للحصول على حلول منفردة مع النظام، بعد تخليهم عن ملف المتخلفين. وتعقد قيادة الحركة اجتماعات متكررة مع رئيس اللجنة الأمنية في السويداء اللواء كفاح الملحم، فضلاً عن علاقتها المتينة مع مشيخة عقل الطائفة المقربة من النظام. وهو ما يؤكده التغير الملموس في خطاب قائد الحركة يحيى الحجار، الذي قال في آخر ظهور له بعد تحرير مخطوف أن “سلاحهم للدفاع عن الدولة وعن كرامة الدولة وكرامة أهالي الجبل ضد الإرهاب”. التصريحات المتناقضة للحركة، أدت لزيادة التنافر والعداء المبطن بينها وبين فصائل “الشريان”، بعد أن كانوا جسماً واحداً في عهد الشيخ وحيد البلعوس، الذي يدعي الطرفان “السير على خطاه للدفاع عن السويداء”.
وتعيش السويداء حالة قلق وترقب مع اقتراب انتهاء مهلة “العفو الرئاسي” عن المنشقين والمتخلفين في شباط/فبراير، وإشاعة النظام أنباءً عن نيته نشر حواجز لتنفيذ اعتقالات مع نهاية العفو. وكان النظام قد استقدم تعزيزات أمنية ضخمة إلى السويداء، لا تزال في الثكنات، في ظل التحاق عشرات الشبان المنشقين والمتخلفين بالخدمة أسبوعياً. وأكد مصدر مطلع لـ”المدن”، أن عدد الملتحقين بلغ قرابة 3500 شاب من السويداء، من أصل حوالي 30 ألف شاب مطلوب للخدمة.
المصدر: المدن