بانتهاء عام 2018 لم يعد نظام الأسد مهتماً بقتال المعارضة المسلحة بعد أن أبعدها عن المناطق القريبة من العاصمة، وبعد أن أخرجها من معظم مراكز المدن، واستعاد السيطرة على نحو سبعين في المئة من مساحة سوريا تشكّل العمود الفقري للبلاد، على الطريق الواصلة بين المدن الجنوبية ودمشق وحمص وحماة وحلب، إضافة للساحل السوري غرباً، والبادية إلى جنوب الفرات شرقا، باقي الثلاثين في المئة من مساحة البلاد تقع تحت سيطرة أربع جهات متناحرة فيما بينها، فعلى الضفة الشمالية الشرقية لنهر الفرات القتال على أشده بين تنظيم الدولة الإسلامية وبين المليشيات الكردية المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة التي لا زالت تحتفظ بعدد من القواعد العسكرية في تلك المنطقة، بينما الضفة الغربية للفرات وصولاً إلى الحدود الشمالية الغربية المحاذية لتركيا تشهد معارك متكررة بين فصائل المعارضة المنضوية في الجيش الوطني الذي تدعمه تركيا، وبين هيئة تحرير الشام التي أحكمت سيطرتها على ما يعرف بـ “جيب إدلب” وضمّت إليها مساحات من ريف حلب الغربي.
النظام لا يطمح اليوم باستعادة هذه المناطق الخارجة عن سيطرته، فهي خاضعة إما لاتفاقات أستانا بين الدول الضامنة الثلاث روسيا وتركيا وإيران غرباً، أو تحتاج لتفاهمات أمريكية روسية تركية شرقاً، وبذلك فإن تركيز النظام ينصبّ الآن على مسألتين أساسيتين:
الأولى: إعادة تأهيل نفسه دولياً، واستعادة الشرعية التي فقدها سياسياً ودبلوماسياً: هذا المسار الذي سيبدأ بتطبيع العلاقات مع دول الجامعة العربية، ليكسر المقاطعة الدولية المضروبة على النظام خاصة من قبل الدول الغربية.
الثانية: رفع العقوبات الاقتصادية التي تسمح بترميم اقتصاده المنهار، والسعي للحصول على أموال المساعدات الدولية تحت غطاء عمليات إعادة الإعمار.
حسب تقرير صادر عن معهد الأمن القومي الإسرائيلي فإن من مصلحة تل أبيب “إعادة سوريا بناء بنيتها التحتية، والمرور بفترة من الانتعاش الاقتصادي، وتثبيت حكومة مركزية مستقرة” وأن تل أبيب قد تكون راغبة في دعم الجهود التي تقودها الدول العربية، لأنه بدون هذا الدعم العربي فهناك احتمال لتجدد العنف، وعودة صعود العناصر الجهادية السلفية، وهو وضع ستستغله إيران لتعميق ترسيخ نفوذها داخل سوريا، كما إن النظام سيصبح أكثر اعتمادا على إيران.”
الدول الغربية التي تريد رؤية شيء من القيم الديموقراطية والإصلاحات السياسية والاقتصادية، ولو بالحد الأدنى، قد لا تنضمّ إلى المشروع العربي الإسرائيلي، فسلوك الأسد “يدلّ على أنه في أعقاب الحرب، يريد تعزيز الطبيعة الديكتاتورية لنظامه”، هذه الجزئية لا تهمّ العرب مطلقاً، قضية الديموقراطية بعيدة في الأصل عن تفكيرهم وعن أنظمة حكمهم، لكن المعضلة التي تواجهها تل أبيب أن النظام يريد “الحفاظ على علاقات وثيقة مع الحلفاء الذين دعموه، ولا سيما إيران.
الدول العربية تظهر اليوم أكثر براغماتية من الدول الغربية، وهنا يمكن لتل أبيب الاستفادة من المصالح المشتركة معها، لكن عند هذه النقطة يوصي التقرير تل أبيب أن تتخلّى عن “المعادلة الصفرية” مع الوجود الإيراني في سوريا، فهذا لن يحدث، وعلى تل أبيب أن تتقبّل هذه الحقيقة، وأنه يجب عليها “تبنّي نهج دعم إعادة الإعمار غير المباشر بالتزامن مع الدول العربية السُنّية أو الدول الغربية حتى بدون أي ضمانات بأن سوريا ستتخلص من النفوذ الإيراني بشكل كامل.”
“يمكن لتل أبيب أن تقدم حزمة مساعدات فريدة تشتمل على مصادرها التقنية والعلمية على سبيل المثال التكنولوجيا ذات الأغراض المدنية، وتنقية المياه، والزراعة المتقدمة، بشرط الحد من التدخل والنفوذ الإيراني. وبعبارة أدق، يجب أن تتضمن هذه الحزمة أربعة شروط:
1_ألا يقدّم النظام لاحقاً أي مبادرات إقليمية ودولية لاستعادة مرتفعات الجولان.
2-يجب تخصيص جزء من موارد إعادة الإعمار لمناطق جنوب سوريا ومرتفعات الجولان،وهي منطقة من المتوقع إهمالها اقتصادياً.
3-أن يحدّ النظام من نفوذ إيران ويطرد وكلاءها من حدود مرتفعات الجولان.
4-أن يعطي النظام الأفضلية لروسيا في تنفيذ مشاريع الانتعاش الاقتصادي، بالتوازي مع التزام روسيا بمنع التدخل أو المشاركة الإيرانية فيها.
يبدو أن تل أبيب تعوّل كثيراً على نجاح “التطبيع العربي” مع نظام الأسد، وأن خوف الدول الخليجية الثلاث: السعودية والبحرين والإمارات، من إيران، إضافة لجهود هذه الدول في تمرير صفقة القرن، يعد فرصة كبيرة لإقامة شراكة معها في إعادة تأهيل الأسد الذي تريد تل أبيب استمراره في السلطة في سوريا، فهو أثبت على مدار عقود عدة أنه جارٌ جيدٌ لا يشكّل خطراً عليها.
المصدر: الجسر