لبيب فهمي
لا تبدو طريق القمة الأوروبية العربية المقررة في 24 و25 فبراير/ شباط الحالي في مصر ممهدة، فالاجتماع الوزاري بين الاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية دول عربية الذي عُقد الإثنين في بروكسل، بهدف وضع جدول أعمال للقمة، انتهى من دون التوصل إلى بيان مشترك، وظهر الخلاف بوضوح بين الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، خلال المؤتمر الصحافي المشترك في ختام الاجتماع. وعندما كانت موغيريني تشرح سبب عدم التوصل إلى اتفاق، قاطعها أبو الغيط قائلاً إن ثمة تعقيدات على الجانب الأوروبي أكثر من الجانب العربي، لترد موغيريني “سوف أقول عكس ذلك”.
وركّز اجتماع بروكسل على عدد من القضايا الإقليمية التي تخص التحديات العالمية التي تواجه أوروبا والعالم العربي. وتطرق إلى مسألة الحوار السياسي والتعاون بين الطرفين في ملفات عديدة، من العملية السلمية في الشرق الأوسط وسورية واليمن وليبيا والعراق، إلى محاربة الإرهاب والهجرة، والهدف المشترك في البحث عن حلول دائمة من أجل تحقيق السلام والاستقرار.
وعبّر المشاركون عن رغبتهم في تعزيز الشراكة بين أوروبا والعالم العربي لتوطيد السلام والاستقرار، وضمان الأمن، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، ومواصلة تعزيز التعددية والنظام القائم على القواعد. وأكد الطرفان وجود اتفاق على “95 في المائة من النقاط”، كما قالت موغيريني. فيما أوضح أبو الغيط أن “العمل المتبقي سينهيه كبار الخبراء للتوصل إلى بيان ختامي متفق عليه” لأول قمة أوروبية عربية.
لكن توجد مخاوف حقيقية من أن تؤدي الخمسة في المائة المتبقية إلى إطاحة موعد القمة أو إلى عقدها بمستوى منخفض. وفي هذا السياق، ذكرت وكالة “رويترز” أنه قبل ثلاثة أسابيع فقط على الموعد المبدئي للقمة، لم يؤكد قادة الاتحاد الأوروبي بعد مشاركتهم فيها. ونقلت عن مسؤول في الاتحاد الأوروبي، لم تكشف هويته، قوله “من الصعب للغاية تنظيم هذه القمة وإيجاد موعد، إذ لا يريد أحد ذلك حقاً”. وأضاف “بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الأمر كله يتعلق بالهجرة، ولكن هناك الكثير من المواضيع الحساسة التي لا يفضل الناس تناولها”.
وأشارت الوكالة إلى أنه بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بات المسؤولون الأوروبيون الذين يساعدون في الإعداد للقمة يقولون إنهم يركزون الآن بشكل أساسي على الحدّ من الحرج. وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين للوكالة “كانت الفكرة هي منحهم (الجيران العرب) معاملة تفضيلية والبدء في التعامل معهم بشكل أكبر، ومعرفة ما يمكننا فعله بشأن الهجرة… لكننا الآن في وضع غير مناسب، لأن بعض قادة (الجامعة العربية) ليسوا مفضلين لدينا”.
وتحدثت مصادر أوروبية لـ”رويترز” عن أن حضور حدثٍ مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أمر صعب بالنسبة لبعض الزعماء الأوروبيين، الذين اتهمتهم جماعات معنية بحقوق الإنسان سابقاً بالتعامل معه في اجتماع لدول مجموعة العشرين في نوفمبر/ تشرين الثاني. وإلى جانب عدم الرغبة في حضور ولي العهد السعودي، فإن الرئيس السوداني عمر البشير أيضاً شخص غير مرغوب فيه لبعض الأوروبيين، بحسب “رويترز”. وقال مسؤول من الاتحاد الأوروبي للوكالة “لا نتعامل معه بشكل مباشر، لكننا نتعامل مع السودان… بإمكانهم إرسال شخص آخر”. كذلك تتحفّظ الدول الأوروبية على تسرع بعض الدول العربية في التطبيع مع نظام بشار الأسد.
وبعيداً عن الخلافات، كان أبو الغيط وموغيريني يؤكدان على الثوابت العربية والأوروبية تجاه القضايا الملحّة. وأكد أبو الغيط في المؤتمر الصحافي يوم الإثنين أن “الحل السياسي ما زال هو المخرج الوحيد من الأزمة السورية التي طال أمدها”، مضيفاً “الحل السياسي وفق بيان جنيف 1، وقرار مجلس الأمن 2254، هو الكفيل بالحفاظ على وحدة وسيادة واستقلال سورية، وهو ما سيعيد الاستقرار إلى هذا البلد”.
أما موغيريني، فأوضحت “أننا نتفق مع الرأي القائل بأن الحل السياسي المتفاوض عليه، تحت رعاية الأمم المتحدة، هو الذي يمكن أن يحقق السلام في سورية. وهذا بالنسبة لنا هو الشرط المسبق الواضح لإعادة البناء وتطبيع العلاقات مع دمشق”. موقف أوروبي تردد صداه في الآونة الأخيرة بخصوص محاولة أوروبية للجم التطبيع العربي مع نظام الأسد وإقناع العرب بعدم تقديم أي شيء لإعادة إعمار سورية قبل اقتناع النظام بالانخراط في الحل السياسي. وفي هذا السياق، أكد أبو الغيط أن “عودة سورية إلى الجامعة العربية تحتاج إلى توافق عربي ما زال غير موجود”.
ويشير البيان الختامي للقاء الوزاري الأوروبي العربي فقط إلى ضرورة العمل من أجل حل سياسي للصراع السوري تحت رعاية الأمم المتحدة. وأضافت موغيريني “أعتقد أننا جميعاً نريد أن نرى السلام في سورية مرة أخرى. ولهذا السبب، آمل أن نوحد جهودنا جميعنا خلال مؤتمر بروكسل الثالث حول سورية الذي سنستضيفه في هذه الغرفة ذاتها من 12 إلى 14 مارس/ آذار، حيث سنعمل على دعم وساطة الأمم المتحدة من أجل المصالحة داخل سورية، ولكننا سنعمل أيضاً على دعم بلدان المنطقة التي تستضيف الكثير من اللاجئين من سورية”.
وتربط أوروبا بالبلدان العربية علاقات متطورة تقوم على أساس مذكرة تفاهم وُقِّعَت عام 2015. كما يتعاون الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية في التعامل مع عدد من ملفات الأمم المتحدة مثل أجندة 2030 حول التنمية المستدامة والجهود العالمية لمعالجة التغييرات المناخية والحد من انتشار الأسلحة النووية.
وفرضت التهديدات المتنامية والتحديات المشتركة التي يخلقها الإرهاب الدولي والتطرف التي تواجهها أوروبا والعالم العربي نفسها كنقطة رئيسية دفعت الطرفين للتأكيد أن وقوفهما متحدين ضد الإرهاب أمر ضروري. ويلتزم الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية بالحرب العالمية على الإرهاب من خلال عملهم المشترك لدعم جهود التحالف العالمي ضد “داعش”.
كذلك حضرت القضية الفلسطينية، ودعا أبو الغيط دول الاتحاد الأوروبي “للاعتراف بدولة فلسطين على أساس خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”، مشدداً على أن جامعة الدول العربية “تثمن الدور الأوروبي، خصوصاً في مجال الدعم الإنساني والاقتصادي للشعب الفلسطيني من خلال الأونروا وغيرها”، معوّلاً “على اتساع حجم الدور السياسي لأوروبا في المستقبل لملء فراغ خطير في رعاية العملية السلمية”.
المصدر: العربي الجديد