في الذكرى المئوية لميلاد جمال عبد الناصر، تم تشكيل لجنة للاحتفاء بهذه المناسبة، منذ عدة أشهر وصولًا إلى فاعليات تقيمها في القاهرة أواسط كانون ثاني/ يناير 2018، وقد ضمت اللجنة المنظمة في بعض منها شخصيات تدعي الناصرية لكنها في الوقت نفسه تقف إلى جانب الاجرام والقتل اليومي الذي يطال الشعب السوري على يد (أهل الممانعة) ولأنهم كذلك، فقد استفز هذا الأمر الكثير من المثقفين والكتاب الذين مازالوا ينتمون للفكر العروبي الناصري، والذين يرفضون بكل وضوح التمسح بعبد الناصر ممن يقف مع الاستبداد الأسدي والإيراني ومن لف لفهما، وقد تم تشكيل لجنة تنسيق للمواجهة وإصدار بيان يفضح من يدعي العروبة، وينحاز للمجرم ويتجاوز عن جرائمه، ويتمسح بسلطته ومساره الاجرامي. البيان الذي سيصدر يوم السبت في 13 كانون ثاني / يناير 2018 والذي حصلت جيرون على نسخة منه أدان “أنظمة الاستبداد والفساد بكل أشكالها، والقوى والمنظمات والأحزاب المتاجرة بقضايا الأمة والإسلام وفلسطين وشعارات المقاومة والتحرير، التي تتكامل أدوارها مع القوى الظلامية والطائفية والسلفية. وفي هذا السياق لا نستثني المتاجرين براية عبد الناصر والانتهازيين الذين لا يكتفون باستهلاك رصيده لمراكمة ثرواتهم الشخصية، ولا يخجلون من كونهم اليوم مسامير في عجلة الاستبداد الاجرامي في سورية لمصلحة الغزو الروسي والاحتلال الإيراني، وهكذا فما إن تنتفض أو تثور قوى الأمة في أي بلد، حتى تجتمع هذه القوى المعادية الأجنبية وعملائها في الداخل لمحاصرتها وتحطيمها. وأبرز تجسيد لذلك تكاثر الحروب الدموية لإجهاض ثورات الربيع العربي.” وأضاف البيان ” هل هناك أفظع من وقوف الكثير من القوى العربية، بما فيها المتاجرين باسم عبد الناصر، في خندق الجلاد ضد الضحية؟ وهل هناك أفظع من اتهام هذه الثورات زورًا بالعمالة لأميركا”. ثم دعا في هذه الذكرى ” كل قوى الأمة بكل أطيافها، كل في موقعه، إلى التبرؤ من أعداء الداخل حكامًا ونخبًا تحت أي اسم كانوا وخاصة المتاجرين بعبد الناصر”.
جيرون استضافت منسق لجنة البيان وبعض أعضاء اللجنة والموقعين عليه وسألتهم عن الذي دفعهم إلى إطلاق هذا البيان؟ وهل يشكل العروبيون الناصريون كتلة كبيرة، ممن يرفض الوقوف إلى جانب شعب سورية ضد الطاغية ولماذا يتهافت الكثير من الناصريين في مصر وسورية ولبنان والأردن وسواهم للتلطي على أبواب النظام السوري؟ وهل هذه اللجنة مستمرة بفضح (الممانعين) تبرئة لعبد الناصر من هؤلاء المرتزقة؟
فضيل حمود منسق لجنة البيان وهو باحث عروبي لبناني قال لجيرون” تهافتت شخصيات وقوى وتنظيمات ناصرية عربية في ساحات عديدة وعلى رأسها مصر، لإطلاق لجان مئوية تنظم فاعليات ونشاطات في كافة المجالات، تبدأ من 15 كانون ثاني/يناير 2018 وتنتهي في أيلول / سبتمبر 2018، وأكثرية هؤلاء يتاجرون باسم جمال عبد الناصر والناصرية وأصبحوا في خندق أنظمة الاستبداد والفساد العربي وعلى رأسها مجرم العصر سفاح دمشق. ومعظم هؤلاء أصبحوا بيادق في حلف المقاولة وخيانة قضايانا العربية، أي مشروع الفرس الجدد الاحتلالي الطائفي المذهبي. ” وأضاف حمود ” هؤلاء العروبيون أصبحوا مجرد دكاكين لا يملكون أي حيثيات شعبية، صرفوا رصيد جمال عبد الناصر تدريجيًا منذ عقود لمصالحهم الشخصية، لكن ثورات الربيع العربي وعلى رأسها السورية عرَّت وفضحت فشلهم وخوائهم وارتهانهم في مشاريع تعادي أوطاننا ونهضة شعوبنا، وتحتل أراضينا كإيران وروسيا. ويبدو أن مصالح هؤلاء الشخصية وأهمها المالية، وتعاملهم وارتباطاتهم مع مخابرات وأجهزة أنظمة الاستبداد والفساد، وعلى رأسها نظام الاجرام البعثي الأسدي، وانفصامهم عن الجماهير وحركتها تدريجيًا منذ رحيل عبد الناصر، والقضاء على مكتسباتنا الوطنية في مصر، ثم عربيًا من قبل النظام الساداتي، أخيرًا هؤلاء لا يخجلون لا في ارتمائهم في مشروع طائفي مذهبي فارسي، ولا في وقوفهم ضد تحرر الانسان العربي، واستعادة كرامته المغتصبة ونهضته، وأعنى ثورات الربيع العربي.” ونبه إلى ضرورة الاستمرار في فضح العروبيين المندرجين في خط نظم الطغيان وقال ” نحن كنّا وما زلنا منذ عام ٢٠١١ مستمرون في فضح، وتعرية ومحاربة هؤلاء بكل الوسائل السلمية، وبكل ما أوتينا من قوة وقدرات. هذا البيان ما هو إلا محطة نحو تصعيد وتنظيم عملنا في نفس الوقت في هذه المعركة المفتوحة مع أعداء الداخل، الذين ليسوا أقل أهمية من أعداء الخارج لتحرر وكرامة وتقدم ونهوض الإنسان العربي. نحن نصنفهم أعداء ولا يمكن وصفهم بشكل آخر، أمام نزيف الشعب السوري، أو اليمني، أو العراقي أو الفلسطيني، أو الليبي.”
الكاتب السوري محمد خليفة وأحد أعضاء لجنة البيان قال لجيرون” إن إصدار البيان جاء لاستنكار احتفال بعض الفاسدين المحسوبين على الناصرية بالذكرى المئوية لميلاد القائد العربي جمال عبد الناصر، والأهم هو تكريم ناصر نفسه، وتذكير الأجيال الشابة التي لم تعرفه في حياته، ولم تقرأ عن نضاله في سبيل أمته وما حققه من انجازات، بسبب ما تعرض له من اغتيالات متتالية ، وخاصة الدول الامبريالية وحليفاتها الرجعيات العربية والقوى الطائفية والمتخلفة، بهدف تشويه صورته ودفن تجربته ومعانيها لكيلا تلهم شعوبنا وأجيالنا الجديدة وتحفزها للنضال، ولدفن مشروعه القومي الحضاري المعاصر معه” وأضاف خليفة ” إن دوافع إصدار هذا البيان أوسع من مجرد الرد على حفنة سياسيين فاسدين يستغلون اسم وذكرى ناصر، ويدعون السير على منهجه وطريقه زورًا وبهتانًا، بينما يثبت سلوكهم وتثبت تجاربهم زيف مواقفهم وتملقهم لاسمه وذكراه، الذي يستهدف إخفاء فسادهم وانحرافهم عن منهجه ومبادئه وسلوكه، إن احتفاءنا بمئوية ناصر ترجمة لموقف أخلاقي أولًا، يجسد الوفاء لأهم شخصية سياسية في تاريخ العرب المعاصر، وتنطوي على رؤية قومية استراتيجية ترى أن أمتنا العربية بحاجة ماسة وسط التحديات الخطيرة التي تواجهها حاليًا للعودة إلى مشروع ناصر الفكري والسياسي القومي التحرري والوحدوي في مواجهة هذه الحملات المعادية من الامبرياليات الأميركية والروسية، ومشاريع القوى الاقليمية، وخاصة الاسرائيلية والإيرانية. “ثم أردف قائلًا ”تشكلت مع بداية هذا العام عدة مبادرات لإحياء ذكرى ميلاد ناصر في العديد من البلدان العربية، من مصر إلى الكويت، ومن لبنان إلى الجزائر، كما تشكلت في البلد الواحد عدة لجان للغرض ذاته كما في مصر ولبنان. بعض هذه المبادرات تعبر عن وفاء وإخلاص لذكرى الراحل، وبعضها تعكس محاولات تجار شطار لاستثمار الذكرى النبيلة في سوق السياسة والنخاسة لأهداف لا ترقى إلى مستوى الذكرى ولا إلى مستوى الزعيم، ولا تراثه الفكري والسياسي، و نحن نرى أنه لا بد من الاعتراف بأن بعض المجموعات والشلل القومية قد انحرفت عن الخط الذي أسسه ناصر، وتبنت في السنوات الأخيرة مواقف وسياسات تتناقض تناقضًا عميقًا مع مبادئ عبد الناصر وقدموا ولاءاتهم لأنظمة استبدادية وفاسدة وخائنة كنظام الأسد وقبله نظام القذافي، ووصل الضلال ببعضها إلى حد الارتباط بإيران وروسيا والسكوت عن جرائمهما في سورية والعراق ولبنان واليمن. ولذلك رأينا ضرورة قصوى لفضح هذه الجماعات وإظهار مدى خيانتها لمبادئ ومنهج ناصر الفكري والسياسي، الذي كان رمزًا للنضال القومي ضد قوى الاستعمار الخارجي بكل أشكالها، وتجسيدًا للوطنية والطهر والكرامة والمصداقية في الموقف والسلوك. نحن نرى أن الجماعات المذكورة لا تمثل الناصرية، ولا تمت بصلة لاسم وذكرى عبد الناصر، بل هي جزء من تحالف الأعداء الذين تستروا في شعارات المقاومة والممانعة الزائفة، وعلينا مسؤولية التصدي لهم وفضح ارتباطاتهم وبعدهم عن الناصرية الأصيلة وعن الناصريين الثوريين الشرفاء”.
عزت الشيخ سعيد كاتب سوري وأحد الذين ساهموا بإطلاق البيان أكد لجيرون أنه ” لم يعد الأمر مجرد احتفال بالذكرى المئوية لولادة جمال عبد الناصر بل يتعداه إلى الإمساك بمشروع عبد الناصر من حيث انتهى برحيله والربط مع الخيوط التي تقطعت فيما بعد، من خلال نظم الردة التي توالت على المنطقة العربية بعد رحيله، التي قامت بتدمير كل ما هو إيجابي في التجربة الناصرية ، والتي هي بالطبع التجربة النضالية الأكثر نجاحًا والأقل فشلًا كما أشار مرة الدكتور محمد عابد الجابري، وتوسيع وإنماء كل ما هو سلبي للأسف في احتفالات المئوية، فهناك مدعوون لا ينتمون لعبد الناصر ولا للناصرية بأية صلة (لصوص وعملاء مخابرات وشبيحة بثياب مثقفين)، والأمثلة كثيرة ، كان من واجبنا جميعًا كعروبيين وناصريين ومؤمنين بالتجربة النضالية لجمال عبد الناصر أن يكون لنا موقفًا من هؤلاء، يجب فضحهم وتعريتهم أمام شعوب الأمة العربية خاصة لأنهم يمالئون، بل ويدعمون قولًا وفعلًا طغاة العصر وفي مقدمتهم طاغية الشام، ومن خلفه ملالي طهران وحزب حسن نصر الله.” ثم أكد على أن الهدف ” هو التأكيد على أن الاحتفال إنما يكون كما أسلفت بالعمل على الإمساك بالمشروع وهذا يتطلب نقدًا للتجربة نستخلص منها الدروس والعبر لتدارك الأخطاء واستكمال النقص، ونتمنى على كل من يسعى لنهضة الأمة واستعادة دورها الحضاري الذي يليق بتاريخها، والذي تنتظره شعوبها أن يقوم بذلك، فقد بلغ سيل الفساد والقهر والتخلف والضعف والهوان الزبى والأمل ما يزال قائما بالشعوب وقدرتها على استكمال الطريق والمسار الذي وعدت بإكماله يوم غاب ناصر”.
عبد الرحيم خليفة كاتب وصحافي سوري وأحد الموقعين على البيان أكد لنا أن ” جمال عبد الناصر في حياته كان نموذجًا للقائد السياسي الشجاع قاد النضال العربي التحرري ضد الاستعمار وضد الرجعية، وخاض معارك عظيمة على امتداد الوطن العربي من الجزائر إلى اليمن لتحريره من الاحتلال الأجنبي، ومن الأنظمة الاستبدادية المتخلفة الموالية للاستعمار. وفي سلوكه كان مثالًا للاستقامة والصدقية والشرف والطهر، وهذان العاملان هما اللذان أكسباه الرمزية في وعي الجماهير العربية بعد وفاته، وحتى الآن، بصرف النظر عن الموقف السياسي من أفكاره ومواقفه وأهدافه، ولنفس الأسباب ظهرت في مراحل الردة والنكوص فئات ناصرية فاسدة، تتموضع بين القوى الناصرية ولكنها في مواقفها وسلوكها أقرب إلى القوى التي ناضل عبد الناصر ضدها بسبب عمالتها للاستعمار، أو بسبب فسادها ورجعيتها وفي هذا السياق الانحطاطي برزت شخصيات ومجموعات تدعي سيرها على مبادئ ناصر بينما هي في الواقع تؤيد أكثر الأنظمة العربية، استبدادًا وفسادًا وطائفية، وبعدًا عن طريقه ومنهجه، تؤيد نظام الأسد وتؤيد نظام السيسي، كما أيدت في الماضي نظام القذافي، وقدمت له الولاء مقابل المال الحرام، ووصل الأمر بها أخيرًا إلى تأييد العدو الايراني في غزوه التوسعي في الوطن العربي والوقوف مع محور ما يسمى الممانعة والمقاومة الكاذبة، وللأسف فإن هذه الأطراف التي لفظتها الشعوب العربية صارت بحاجة لاستعادة رصيدها عند هذه الشعوب فسارعت إلى استغلال الذكرى المئوية لميلاد عبد الناصر لتتاجر بها وتكسب ثقة الجماهير، التي كشفت عمالتها وارتباطاتها وفسادها وخيانتها.” ونادى عبد الرحيم كل على الناصريين الأوفياء والشرفاء والمخلصين لنهج عبد الناصر ” التصدي لهؤلاء الشراذم العميلة، وتوضيح المواقف الأصيلة للناصريين مما يجري في الوطن العربي ولا سيما سورية والعراق ولبنان واليمن من صراع مع العدوان الايراني التوسعي، ومع الزمر الطائفية التي جندها ووظفها لتخدم أهدافه داخل بلداننا ومجتمعاتنا وتمزق الأمة العربية إلى طوائف ومذاهب وجماعات عرقية واثنية بحيث يتسنى لإيران تحقيق أغراضها العنصرية الاستعمارية التي تتلاقى مع أغراض وأهداف الحركة الصهيونية الاستراتيجية.”
المصدر: جيرون