أحمد حمزة
تسمّر السوريّان، المقيمان في إسطنبول، عادل ومحمود مع عائلتيهما، مساء الأحد الماضي، حول الشاشة، لمتابعة تفاصيل نتائج الانتخابات المحلية التركية، التي بدأت بالظهور تباعاً، عبر منحها في البداية، تقدماً لمرشح حزب العدالة والتنمية عن رئاسة بلدية إسطنبول، بن علي يلدريم، على منافسه من حزب الشعب الجمهوري، إكرام إمام أوغلو، قبل تقلّص الفارق بينهما، ثم تقدّم إمام أوغلو، وفقاً للنتائج غير الرسمية. حال عادل ومحمود، كحال نحو أربعة ملايين سوري في تركيا، راقبوا يوم الانتخابات، وقبله، وعيونهم على النتائج وما بعدها؛ خصوصاً أن الانتخابات الأخيرة، كحال سابقاتها، في السنوات القليلة الماضية، شهدت استخدام أكبر أحزاب المعارضة، تواجد السوريين في تركيا، كورقة ضاغطة ضد حزب التنمية والعدالة الحاكم. أمر أجبر الحزب الحاكم مراراً على تكذيب شائعات أطلقتها أحزاب معارضة، بشأن السوريين. كما أن مرشحه عن بلدية إسطنبول الكبرى، بن علي يلدريم، كشف خلال الحملة الانتخابية، أنه “لن يتهاون أبداً، في معاقبة وإبعاد من يخالف القانون من السوريين”؛ وهذه لهجةٌ غير مسبوقة من قبل مرشحي حزب العدالة والتنمية بشأن السوريين في تركيا.
وفي وقتٍ لم تصدر فيه النتائج النهائية الرسمية بعد، تحديداً فيما يتعلق برئاسة بلدية إسطنبول، حيث تنظر اللجنة العليا للانتخابات، بالطعون المرفوعة لها، فإن كثيراً من السوريين، في إسطنبول وغيرها، ساورهم قلق مما اعتبروها نتائج غير مرضية، وأبدوا خشيةً من تضييقٍ قد يتعرضون له، على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة. في هذا السياق، قال السوري عادل الرفاعي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إنه يقيم في إسطنبول منذ أربع سنوات، “وأخشى أن تتأثر حياتي وأعمالي فيما لو خسر حزب العدالة والتنمية رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى”. ويمتلك عادل مصنعاً للمجوهرات التقليدية في المنطقة الصناعية، بمدينة باشاك شهير، التابعة لبلدية إسطنبول الكبرى التي يقطنها نحو 700 ألف سوري؛ وعلى الرغم من ارتياحه لكون مرشح حزب العدالة والتنمية، عن باشاك شهير، ياسين كارتوغلو، فاز بأغلبية مريحة في رئاسة البلدية التي يقيم ويعمل بها، إلا أنه يخشى من تأثيرات اعتبرها “سلبية”، فيما لو آلت بلدية إسطنبول الكبرى، لحزب الشعب الجمهوري.
يشارك في مخاوف عادل، بدرجة أقل، السوري محمود الحسني، الذي يملك محلاً لبيع المواد الغذائية في حي الفاتح الشهير، وسط إسطنبول إذ يعتبر الحسني في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “بعض السوريين بالغوا في مخاوفهم بشأن نتائج الانتخابات المحلية التركية، رغم أن بعضهم الآخر مثل المقيمين في حي الفاتح، معهم الحق في ذلك، لكون مرشحة (الحزب الجيد) إيلاي أكسوي، عن رئاسة بلدية الفاتح، استهلت حملتها الانتخابية بشعارات عنصرية فجّة ضد تواجد السوريين هنا، ووعدت ناخبيها، بأنها ستحارب تواجد السوريين إذا ربحت”، وهي التي تنتمي إلى حزب قومي يميني متطرف منشق عن “الحركة القومية التركية”.
لكن أكسوي، وعلى الرغم من فشل حملتها الانتخابية، وخسارتها السباق لرئاسة بلدية الفاتح، تركت بحسب سوريين، حاورتهم “العربي الجديد” في الحي الواقع وسط إسطنبول، انطباعاً بأن “لدى هذا الحزب المتحالف مع حزب الشعب الجمهوري، نوايا واضحة بشأن التواجد السوري في تركيا”. إلا أن خسارة المعارضة التركية المتوقعة، في بلديات الأقضية الإسطنبولية الأكثر كثافة بالمقيمين السوريين، مثل الفاتح وباشاك شهير وغازي عثمان باشا وباغجلر وأيوب سلطان وغيرها، لم تتحقق في بلدية أسنيورت، ذات الكثافة العالية بالسوريين، التي خسرها حزب العدالة والتنمية، لصالح حزب الشعب الجمهوري.
ويقول السوري رشيد الحمصي، الذي يسكن مع عائلته في أسنيورت منذ خمس سنوات، إنه “يشعر بالقلق، حيال ما ستتمخض عنه الأيام المقبلة، إذ يخشى السوريون هنا من التضييق عليهم من رئاسة البلدية الجديدة، خصوصاً في المحلات والمطاعم الكثيرة التي افتتحوها، وكانوا يستفيدون من تغاضي البلدية عن بعض التجاوزات البسيطة المتعلقة بمعايير وشروط التراخيص الممنوحة لهم”.
من جهته، يقلّل الصحافي التركي، فخر الدين دده، من النتائج التي قد تترتّب على تواجد السوريين في تركيا عموماً، وإسطنبول خصوصاً، بعد الانتخابات المحلية الأخيرة؛ إذ يقول لـ”العربي الجديد”، بأن “لا تأثير مباشراً على حياة السوريين في تركيا، فوزارات الحكومة والرئاسة هي من تقرر في هذه المسألة وليس البلديات، التي لها صلاحيات محدودة لن تؤثر كثيراً في حياة السوريين بالمناطق التي ربحتها المعارضة التركية”. ويضرب دده، مثالاً عن مدينة إزمير، معقل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، التي يقطنها بحسب الإحصائيات الرسمية، نحو 150 ألف سوري، يعملون ويدرسون ويقيمون بها بشكل طبيعي منذ سنوات، ويقول إن “الحملات الانتخابية عادة ترفع نبرتها في قضايا عديدة مثل موضوع الضيوف السوريين، لكن بعد الانتخابات يتغير المشهد. ففي إسطنبول مثلاً، وعلى الرغم من أن النتيجة لم تُحسم بعد، لكن حتى لو ربح مرشح الشعب الجمهوري، إكرام إمام أوغلو، فإنه قد لا يتخذ أي خطوة تضييق بحسب صلاحياته ضد السوريين”.
ويذهب الحقوقي السوري، المقيم في تركيا، غزوان قرنفل، بذات الاتجاه إذ يعتبر أن “بعض هواجس السوريين بشأن نتائج الانتخابات، لا سبب موضوعياً لها”، مشيراً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “موضوع ترحيل السوريين مثلاً، مجرد تصريحات انتخابية، لكن بالواقع لا الحزب الجمهوري ولا غيره، يستطيع حسم موضوع السوريين المتواجدين في تركيا، كونهم متواجدين بموجب وضع قانوني مُعين، ولا داعي للقلق نهائياً، وهذا القلق غير مبرر”.
ويضيف قرنفل، الذي يرأس “تجمع السوريين الأحرار”، أنه “فيما يخص موضوع البلديات وصلاحياتها، فهي خدمية تنفيذية بحتة، ولا علاقة لها بالتشريعات والقوانين. للبلديات قرارات إدارية تتخذها، وتنظم وتتعاطى مع التراخيص والرقابة الصحية وغيرها في المحال التجارية والمطاعم. برأيي فإنهم لن يتشددوا على السوريين، الذين عليهم أساساً الالتزام بالقانون ومعاييره وشروطه، بغض النظر عن الحزب الذي يدير البلدية التي يقيم أو يعمل بها المواطن السوري”.
المصدر: العربي الجديد