لوسي بارسخيان
كشف دخول قوة ضخمة من “فوج التدخل” في الجيش اللبناني إلى مخيم يقطنه النازحون السوريون، في منطقة بر الياس، في البقاع، يوم الأربعاء 24 نيسان الحالي، حيث سويت نحو 108 خيمة خالية، بالأرض، وتم توقيف 85 شخصاً بينهم قاصرين ومتقدمين بالسن، إضافة إلى مصادرة نحو 23 دراجة نارية، وعدد من السيارات، المستخدمة بشكل غير شرعي، عن قرار جديد اتخذته القيادة العسكرية منذ أسابيع، وقضى بإزالة كل الخيم غير المسكونة في منطقة البقاع، تحت طائلة إزالتها بالقوة، إذا لم يطبق أصحاب المخيمات القرار.
مخيم نموذجي
إلا أن حجم القوة الذي استخدم في مخيم “الياسمين” تحديدا، أثار ريبة كبيرة لدى القاطنين في منطقة بر الياس. ويروي شهود أنهم شاهدوا قوة عسكرية كبيرة تطوق المخيم منذ الرابعة فجراً، قبل أن تدخله مع تقدم ساعات النهار، وتوقف أشخاصاً محددين، من دون أن يسمح لأحد بالتقدم إلى المكان، لمعرفة حقيقة ما يجري.
المعلوم أن مخيم الياسمين، التابع لاتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية URDA، هو واحد من ثلاثة مخيمات تديرها الجمعية في منطقة بر الياس، وقد نشأ الأخير في سنة 2016، على أثر الأحداث التي دارت في عرسال، حينما برزت الحاجة لنقل عدد من المخيمات من مناطق الاشتباكات.
لاحقا صرف النظر عن استخدام هذه المخيمات “النموذجية” المجهزة بالبنى التحتية المتقدمة، وبشبكة للكهرباء والمراحيض، لإيواء نازحين من بلدة عرسال. ولما حاولت الجمعية استخدامها لاستقبال عائلات أخرى، منعت من ذلك، فتقرر وفقا لمصادر الجمعية بأن تبقى غرف المخيم خالية، ولا تستخدم إلا في الحالات الطارئة، كما حدث على أثر الفيضانات التي غمرت عدداً من المخيمات في منطقة البقاع، وشردت عائلاتها خلال الشتاء الماضي.
موعد مع الوزيرة
المستغرب في مداهمة هذا المخيم، وفقاً لمصادر الجمعية، أن قيادة الجيش أو مخابراتها، التي يتم التنسيق معها في أي عملية إشغال جديدة للمخيم، لم توجه إليه أي إنذار بضرورة إزالة الخيم الخالية، بل عمدت قوة منها فور حضورها إلى هدم أربع خيم مباشرة، قبل أن تتوغل إلى داخله لاحقاً، وتهدم 108 خيم أخرى كانت خالية. ومضت القوة العسكرية في محاولة لهدم غرف جاهزة يحضنها المكان، لولا اتصالات جرت مع سلطات معنية، أنقذتها مؤقتاً، إلى حين إيجاد حل لها بالتنسيق مع وزيرة الداخلية، التي طلب منها القيمون على المخيم موعداً يوم الثلاثاء المقبل.
موقوفون وخسائر مادية
في هذه الأثناء تحركت مختلف الجهات الإغاثية، ومن بينها مفوضية اللاجئين لمعرفة حقيقة ما جرى، من دون أن يصدر عنها أي تعليق حول الموضوع.
إلا أن مصادر مطلعة أكدت بأن المقصود لم يكن مخيم الياسمين بحد ذاته، وإنما تطبيق قرار القيادة العسكرية، التي أفرجت لاحقاً عن عدد من الموقوفين بعد اقتيادهم إلى ثكنة أبلح، عندما جرى التأكد من أوراقهم الثبوتية. من دون أن يقلل ذلك من منسوب القلق لدى منظمة URDA، بل أشارت مصادرها إلى أن إجراءات الجيش في الياسمين، جعلها في قلق على غرف خالية مشابهة في مخيم العودة، الذي تديره أيضاً، متمنية لو أن الجيش يقدم إنذاراً مسبقاً، لكان ذلك سمح بالحد من الخسائر المادية التي تكبدتها الجمعية، جراء مصادرة بعض التجهيزات، وتسوية الغرف بالارض.
بيان اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان:
على أثر ما حدث، صدر بيان عن الجمعيات الإغاثية، نقتطف منه: قامت قوة من الجيش اللبناني بمداهمة مخيم الياسمين في خراج بلدة برالياس الذي أنشئ عام 2016 بتنسيق مع وزارة الداخلية اللبنانية والمفوضية لإستيعاب النازحين من عرسال بسبب الأحداث فيها، على أن يتحول جزء منه بعدها كمخيم طوارئ للحالات الطارئة، حيث استقبل أعداداً كبيرة من النازحين الذين احترقت خيامهم في الصيف، ومن الذين طافت خيامهم حول مجرى نهر الليطاني في الشتاء وذلك وفق الاتفاق مع وزارتي الداخلية والشؤون ومفوضية الأمم المتحدة ومحافظ البقاع وبالتنسيق مع جميع الأجهزة الأمنية وقد استقبل مئات العائلات على مدى ثلاث سنوات.
لكن المفاجئ في الأمر أن قوة الجيش اللبناني قامت بإزالة 110 خيام كانت قد جهزت للأمور الطارئة وقامت بتسويتها مع الأرض، بحجة أنها خالية حالياً من النازحين، كما قامت باعتقال جميع الذكور في المخيم. ونسجل أمام هذه الواقعة الأمور التالية:
أولاً: ان هذا المخيم لا يعتبر خالياً من النازحين، بل إنه مخصص لاستقبال الحالات الطارئة وهذا اتفاق مسبق مع وزير الداخلية السابق ووزارة الشؤون والمفوضية، وهذا معلوم من قبل الجيش وجميع الأجهزة الأمنية والمحافظ.
ثانياً: لم تقم الأجهزة الأمنية بإعطائنا إنذاراً بضرورة تفكيك هذه الخيام قبل أي فترة، لكي نقوم بمقتضاها بالمطلوب، بل فاجأتنا بالدخول إليها واستقدام آليات وجرافات حيث تم تدميرها بشكل كامل مع الإنشاءات والبنى التحتية وغيرها من المرافق. ومعلوم أن هذه الإنشاءات والأغراض هي أملاك خاصة لجمعيتنا، وكان يقتضي المنطق والعرف والقانون أن نبلّغ قبل فترة كافية ونحن نقوم بإزالتها أو نتواصل مع المعنيين لدراسة الموضوع قبل موعد نهاية الإنذار.
ثالثاً: إن الكثير من التجهيزات قد تعرضت للتخريب خلال عملية الإزالة، كذلك فقدت الكثير من التجهيزات من خزانات ماء وتمديدات ومرافق صحية وأخشاب وغيره، وهذا أمر يضر بسمعة بلدنا وسمعة مؤسستنا، وتركت الأغراض بعد ذلك عرضة للناهبين والسارقين.
رابعاً: هل كان جزاؤنا أننا خدمنا البلد وأمنّا أماكن سكن لمن يمكن أن ينزح من عرسال، بعدما أخبرتنا الجهات الحكومية بضرورة تأمين سكن لهم لأن أحداثاً متوقعة قد تجعل أعداد كبيرة منهم تنزح إلى وسط البقاع، الأمور كانت معروفة، انتهت بعدها بعملية فجر الجرود الموفّقة. لقد حافظنا على سمعة لبنان، وأنه يؤمن الجانب الإنساني أمام أي تطور، فاستقبلنا من عرسال ومن الخيام حول نهر الليطاني ومن احترقت مخيماتهم مئات العائلات، بدل انتشارها في شوارع القرى اللبنانية..
خامساً: إننا نخشى من تشرّد 465 عائلة يعيشون في هذا المخيم وحولة من المخيمات، بعدما شعرت هذه العائلات أن أمنها مهدد، وأنه يمكن أن يتم جرف مخيماتها أو إزالتها، وبعدما سمعت تهديداً مباشراً من عناصر أمنية “بأن الدور سيلحق بهم”.
وفي الختام، ندعو الدولة اللبنانية والأجهزة الأمنية إلى أخذ دورها الكامل في معالجة مثل هذه الأمور بالحكمة والتوازن وحفظ حقوق الجمعيات اللبنانية وممتلكاتها، بما يكفل سيادة القانون بإعطاء كل ذي حقٍ حقه.
المصدر: المدن