وائل زهراوي
في مطار المزة العسكري فرع المخابرات الجوية بدمشق رائحة الدم تفوح من كل شيء لا يوجد على وجه الأرض مكانٌ كذاك المسلخ.
كنت أرتجف في تلكـ الليلة الباردة من ليالي كانون كانت الساعة تقارب الواحدة ليلاً
بدأنا نسمع اقتراب اصواتهم ومع ادخالهم المفتاح في قفل الباب كنا جميعاً قد وقفنا واستدرنا نحو الحائط …وجاء صوت المساعد:
عبد الغني الشيخ فقال حاضر سيدي
_ تعا يا ابن العاهره تعا.. إنه أبو رسول من غوطة دمشق كان قد تجاوز الستين من عمره قبل شهر بحة صوته لن انساها مدى حياتي…
مرت ثوانٍ قليله ثم صرخ المساعد وائل الزهراوي يا إلهي وقع اسمي عليَّ كالموت أنا بالكاد أقوى على الوقوف فقلت حاضر سيدي:
_ تعا تعا والله لألعن اللي خلقك شلاح تيابك ولاك.. فخلعت ثيابي وبقيت بالسروال الداخلي كان يحمل في يده كبل محرك الطائرات كل ضربة منه تشق اللحم إلى نصفين.. كبل يدي للخلف ثم كبل رجلي ووضع على عيني قماشة سوداء وشدها للخلف وجرني من شعري مشينا وهو يدق رأسي بالجدران كلما غيرنا وجهتنا
صعدنا الدرج ثم خرجنا إلى ساحة المبنى أَجلَسني على الأرض جاثياً كان البرد قاتلاً سمعت صوت الكبل يشطر الهواء ثم هوى على لحم صدري فأحسست كأن أحدهم صب علي زيتاً يغلي فصرخت آآآآآآه ووقعت على الأرض فقال المساعد:
أيوه خليك هيك حتى ارجعلك فهمت …
كانت الأرض أشد برودةً من الجليد ولم أكن أرى أي شيء دقائق قليلة و بدأت أرتعد تصلبت كل أطرافي…. بعد برهة لم أعد أشعر بقدميّ ولا بأصابع يدي أسندت رأسي على الأرض كنت أحاول أن لا أموت رغم أني كنت أرغب بالموت بشده…
بعد ما يقارب الساعة سمعت صوت المساعد:
_ نمت يا كلب ماهيك.. لم أستطيع النطق لكنه ضربني بالكبل على فخذاي مرتان متتاليتان فبدأ الدم ينزف وقال قوم ولاك عرصا…. فوقفت ثم وقعت وخوفاً من أن يضربني وقفت ثانيةً
أدخلني لغرفة التحقيق سمعت صوت المحقق ذاته ثنيت قدماي فأدخلوا الدولاب من ركبتي ثم أدخلوا قضيباً معدنيا بين فخذاي وساقاي هكذا أصبحوا يتحكمون بي كما يشاؤون لحظات و بدأ الكبل يمزق لحمي من كل مكان وانا أدور في أرض غرفتهم أحدهم كان معه كبل رباعي يضرب به ظهري وصدري والآخر معه كبل الطائرات يشق به لحم قدماي وأسفل جسدي كنت أصرخ كأني أموت واحتضر لعل أي شيء يخلصني لكن ما من مجيب …. أكثر ما كان يؤلمني حين يصيب الكبل رقبتي كنت أموت وأعود للحياة من جديد…
_ اقترب المحقق مني وضع رجله على صدري وامسك شعري وقال: مين عطاك الأسماء ولمين وصلتهن ولاك لمين يا ابن الشلكه لمين والله لادفنك هون اليوم مين ولاك احكي والله لرجعك لبطن يا ابن العاهره….
_ ما بعرف يا سيدي والله انا ما كنت هنيك يا سيدي والله يا سيدي اشتد الضرب أكثر وأكثر وعلا صوت صراخي لدرجة لم أعد أسمعها ثم لم أعد أشعر بشيء … عندما بدأت أرى ما حولي كان كل مافي جسدي يؤلمني لقد توقعت ما سيكون شبحوني …
علقوني بالسقف من يداي وأنا بالكاد ألامس الأرض بطرف أصابعي يااااااه كم تختزن أجسادنا أعماقاً من الألم كنت أشعر أن هناك من يفرم مفاصل كتفي ويدق غضاريفي أشعر بألم إلهي اللحظات…. وعلى حين موت نظرت أمامي ولم أصدق عيناي رجل مشبوح عينه اليمين مقلوعه ورجله مكسورة وبطنه مسلوخ فمه ينزف أنفه ينزف وعينه تنزف وهو عاري تماماً وكتفه مفصول تماماً عن جسده … يا إلهي يا الله يا رب السماوات إنه أبو رسول.. لم أكن أعرف هل هو ميت أو حي… كان دوماً يهمس لي الأمل فيكن أنتو الشباب وحكاياته كانت تبعث فيَّ الدفء دوماً ولده مات في فرع الأمن العسكري بدمشق أغمضت عيناي وفقدت الوعي…
صحوت على وقع الكبل على جسدي كأنه يقصمني نصفين ولا زهراوي والله لألعن ربك لم يكن يخيفني تهديده ليس بعد ما أنا فيه سوى الموت ويا ليته يأتي …
نظرت لعمي أبو رسول كان لونه أزرق تماماً وأحدهم أمامه يقول:
سيدي هادا الكلب فطس…. حملوني، ورموني بزنزانتنا ومعي الكثير من الاحتضار وقليل من الانتصار لأني لم أقل ما أعرف تذكرت جسد عمي أبو رسول وكيف مات معلقاً ومسحت دموعي بيدي التي طبعت على وجهي بقعة من الدم….
وليكتب التاريخ أن السوريين الحقيقيين سلخت جلودهم أحياء وقلعت عيونهم وتكسرت أطرافهم وذاقو كل أنواع الموت تعذيباً وحرقاً وغرقاً وشنقاً وجوعاً …..
ولم يركعوا ولم يخنعوا ولم يطلبوا الشفقة من أحد ماتوا شامخين أبداً
ولتعلموا يا من تؤيدون النظام أنه ليس هناك على مر التاريخ عبيد كأنتم….
واشهد أيها العالم أننا سنبقى نطالب بحريتنا حتى نحقق ذاك الحلم أو نفنى دونه…. وبعدنا ستعرفون أي جريمةٍ ارتكبتم….
المصدر: منتدى الجبل الثقافي