خالد الخطيب
عاد الجدل في مناطق المعارضة المسلحة حول الدوريات المشتركة الروسية–التركية في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في محيط إدلب؛ بين مؤيد لها باعتبارها شرطاً لازماً لتوقف القصف ومنع وقوع معركة تهدد بإطلاقها مليشيات النظام في ريف حماة، وبين رافض لها يراها مخادعة ستؤثر سلباً على المعارضة لتقديم المزيد من التنازلات.
وعلى الرغم من اقتراب الموعد المفترض لبدء تسيير الدوريات المشتركة، إلا أن المعارضة لم تعلن حتى الآن عن موقفها بشكل رسمي. وتتحاشى الفصائل التعليق حول الدوريات، تأكيداً أو نفياً. ويبقى التسجيل الصوتي المُسربُ للمتحدث باسم وفد المعارضة في أستانة أيمن العاسمي، هو الوحيد الذي يؤكد أن الدوريات المشتركة ستبدأ مطلع أيار/مايو، وستجوب خطوط التماس بين الطرفين، ولن تدخل عمق إدلب.
مصدر عسكري معارض، أكد لـ”المدن”، أن قادة في “هيئة تحرير الشام”، اجتمعوا مع أمنيين أتراك مسؤولين عن الملف السوري، في معبر باب الهوى، ليل الاثنين/الثلاثاء، للتباحث حول موقف “الهيئة” من الدوريات المشتركة الروسية-التركية. وبحسب المصدر، فقد أبدت “الهيئة” موافقتها المبدئية مشترطة أن تكون الدوريات المشتركة تحت حمايتها، وأن تكون هي من يقرر خط مسيرها اليومي في المنطقة العازلة منزوعة السلاح، وأن يتوقف القصف بشكل كامل، وأن لا تقيم القوات الروسية أي نقاط مراقبة ونقاط عسكرية في المنطقة العازلة في محيط ادلب.
“الهيئة” لم تعلن عن موقفها بشكل الرسمي من الدوريات المشتركة، لكنها دفعت “حكومة الإنقاذ” و”الهيئة التأسيسية للمؤتمر السوري العام”، التابعين لها، لإصدار بيانات رفض للدوريات المشتركة، ليل الاثنين/الثلاثاء. وسبق ذلك عدد كبير من بيانات الرفض أصدرتها المجالس المحلية المقربة من “الإنقاذ”، في إدلب وأرياف حلب وحماة واللاذقية. كذلك عبرت عدد من الفعاليات والتجمعات والعشائر العربية عن رفضها للدوريات المشتركة.
وتداول أنصار “الهيئة”، في مواقع التواصل الاجتماعي، بياناً للمجلس الشرعي العام في “الهيئة”، صدر في أذار/مارس، ويقول: “لقد تبين لكم سراب المؤتمرات والاتفاقات ووهم الضمانات، والرائد لا يكذب أهله، فليس لكم بعد الله إلا أبنائكم المجاهدون يذودون عن الحمى”. كما تداول أنصارها الأعمال العسكرية التي قامت بها غرفة عمليات “ويشف صدور قوم مؤمنين”، مؤكدين أن العمليات مستمرة طالما استمر التصعيد من مليشيات النظام وحلفائها. وأطلق ناشطون مقربون من “الهيئة” في مواقع التواصل الاجتماعي، حملة بعنوان “لن تمروا-روسيا قاتل لا ضامن”.
لكن، تحركات مليشيات النظام في سهل الغاب وجبهات ريف حماة مؤخراً تضع المعارضة أمام خيارين؛ إما القبول بالدوريات المشتركة أو الدخول في معركة مع المليشيات على الأقل في منطقتي سهل الغاب وجبل التركمان اللتين تعتبرهما روسيا مصدر خطر وتنطلق منهما الصواريخ التي تستهدف قواعدها العسكرية. المواقع الموالية بدأت تتحدث عن وصول تعزيزات عسكرية إلى جبهات القتال في المنطقة، واقتراب موعد المعركة في ظل التصعيد المركز الذي استهدف سهل الغاب وريف حماة خلال الساعات الماضية.
أنصار “الهيئة” تناقلوا معلومات عن إرسال تعزيزات عسكرية من “جيش أبو بكر” و”جيش عثمان” إلى جبهات ريف حماة تحسباً لأي هجوم قد تشنه مليشيات النظام في المنطقة.
والقبول بالدوريات المشتركة، سيفرض على المعارضة الالتزام ببقية البنود، كسحب الأسلحة الثقيلة، والسماح للدويات بدخول وتفتيش النقاط والمواقع العسكرية، وانسحاب التنظيمات السلفية الجهادية، بما فيها “الهيئة”، من المنطقة العازلة منزوعة السلاح بعمق 15 كيلومتراً. وعلى سبيل المثال، على “جيش العزة” أن يسحب سلاحه الثقيل بالكامل من مناطق ريف حماة الشمالي ويتخلى عن الجزء الأكبر من دفاعاته في حال القبول بتسيير الدوريات المشتركة.
القائد العسكري في “جيش العزة” العقيد مصطفى بكور، أكد لـ”المدن”، بأنه قد تم بالفعل الاتفاق في محادثات أستانة الأخيرة على تسيير الدوريات المشتركة، وهناك تأكيدات صدرت عن شخصيات معارضة شاركت في المحادثات، ولكن الأهم هو موقف الفصائل منها. إذ إن غالبية الفصائل، بحسب بكور، غير موافقة، بما فيها “جيش العزة” الذي هدد باستهداف الدوريات في حال عبرت من مناطق انتشاره بريف حماة، واتخذ إجراءات فنية على الطرق لمنع مرورها.
وهناك في المعارضة من يرى بأنه من المبكر الحديث عن تسيير الدوريات المشتركة، ويقول هؤلاء إن الأمر يحتاج لفترة زمنية أطول، ويستبعدون وقوع المعركة التي تلمح لها مليشيات النظام، ويرون بأن ما يجري هو عبارة عن تكتيكات روسية وتركية على جانبي منطقة الاشتباك بين المعارضة والمليشيات. وعلى الرغم من أن الفصائل بالمجمل تسير وفق السياسة التركية إلا أنها في حيرة من أمرها، وتتخوف بالفعل من ارتدادات الموافقة أو الرفض. ولذا فقد لجأت للشارع، وامتنعت عن التصريح بموقفها.
وليس رفض المعارضة وحده ما يشكل عائقاً أمام تسيير الدوريات المشتركة، بل على الجانب الآخر ما تزال المليشيات المدعومة من إيران تهدد الاتفاق ولا تريد له الاستمرار. وهنا تتولى روسيا الضغط على الجانبين لإفراغ المنطقة على جانبي خط التماس بعرض 30 كيلومتراً بالضغط واستمرار القصف على المعارضة التي لم تمتثل بالكامل لإرادة تركيا، وإفراغ المنطقة لصالح المليشيات الروسية في الجانب الآخر تحت ذريعة التحضير لمعركة ضد المعارضة.
المحلل العسكري المعارض أكرم جنيد، أكد لـ”المدن”، أن حشود المليشيات في ريف حماة ستتبعها معركة طاحنة بين “الفيلق الخامس” والمليشيات الإيرانية، وزيادة القصف الروسي هو لتمرير فترة تمركز “الفيلق الخامس” في المنطقة لتفادي الاشتباك مع المليشيات الإيرانية خلال عملية الانتشار والتمركز. جنيد أشار إلى أن بقاء النقاط التركية في مكانها هو مؤشر قوي على عدم وجود أي نية لشن معركة كما تروّج له مليشيات النظام.
وبحسب جنيد، فقد أثبتت التطورات الميدانية المتسارعة أن القوات الروسية قادرة على إفراغ منطقة سيطرة النظام حول إدلب بالقوة بحجة إعادة الانتشار لتنفيذ عمل عسكري ضد المعارضة. في حين “نجد أن تركيا غير قادرة على إفراغ المنطقة العازلة بنفسها، أو من خلال الفصائل التي تدعمها، لذلك أوكل الأمر لروسيا لكي تفرغها عسكرياً عبر القصف المستمر، حتى يتدخل الجانب التركي ويتعهد بإيقاف القصف مقابل عدم السماح للنظام بالتقدم، وستطلب حينها تركيا من الفصائل إعلان المنطقة التي ستسير فيها الدوريات منطقة عسكرية خالية من السكان”.
المصدر: المدن