حسن فحص
جولة جديدة من اجتماعات «أستانة» حول المسألة السورية بمشاركة الأطراف الرئيسة الثلاثة، روسيا وتركيا وإيران، تأتي في ظل ضغوط أمريكية كبيرة وواسعة على إيران، أحد ابرز المعنيين بهذه الأزمة، لإجبارها على تقديم تنازلات أساسية وملموسة في الملفات الإقليمية، خصوصا في ما يتعلق بحجم دورها ونفوذها في سوريا، والدعم الكبير الذي تقدمه للنظام فيها بقيادة الرئيس بشار الأسد.
ويمكن القول إن الموقف في هذه الجولة الجديدة، سجل محاصرة للدور الايراني قام به الشريك الروسي بالتعاون مع التركي، في منحى يكشف عن تنامي المصالح المشتركة بين الجانبين على حساب دور طهران، وذلك من خلال التوافق على «ترحيل» ملف البحث في موضوع تشكيل «لجنة صياغة الدستور» الجديد لسوريا إلى آليات مؤتمر جنيف حول الازمة السورية، أي الدفع باتجاه تدويل هذه اللجنة وإخراجها من دائرة التأثير المحصورة بين اللاعبين الثلاثة في أستانة.
إيران التي كانت تراهن على مشاركة موسكو وأنقرة في تحديد اسماء المشاركين في اللجنة، إضافة إلى حصتها الخاصة مع النظام، بما يضمن لها التحكم بمسار تدوين الدستور الجديد، وإبعاد شبح أي مواد قد تؤثر على مصير حليفها على رأس النظام واستمراريته في السيطرة على مقدرات سوريا، يبدو انها تواجه محاولة ابتزاز سياسي، على خلفية ما تواجهه من أزمات مع المجتمع الدولي، بسبب التصعيد الامريكي والعقوبات والحصار الذي تفرضه واشنطن ضدها. محاصرة إيران لم تقف عند اللجنة الدستورية في الموضوع السوري، بل أيضا في الموقف الذي أكد على رفض أي عملية عسكرية ضد محافظة إدلب، وهو الهدف الذي يرغب النظام في دمشق القيام به مدعوما من طهران، لحسم ملف هذه المنطقة، ما يؤدي إلى إضعاف الدور التركي الذي تعرض لهجوم مباشر من بشار الجعفري، ممثل النظام في اجتماعات أستانة بحيث لم يتردد بتشبيه هذا الدور وسيطرة أنقرة على مساحات من الأراضي السورية بالاحتلال الاسرائيلي للجولان. وعلى الرغم من حرص اللاعبين الروسي والإيراني، على تأكيد عمق التنسيق والتعاون بينهما على الساحة السورية، إلا أن صراع المصالح على تقاسم الحصص من الكعكة السورية في مرحلة ما بعد الحل السياسي في حالة احتدام متصاعد، يستغل فيه الجانب الروسي ما تتعرض له إيران من ضغوط دولية لمحاولة إخراجها أو تحجيم وتقليص دورها في مستقبل سوريا، فضلا عن أن العجلة الروسية لإطلاق مسار الحل السياسي لم تعد ملحة، يؤكده الدفع بترحيل ملف اللجنة الدستورية الى المسار الدولي في جنيف، ما يعني أن موسكو باتت في حال انتظار ما سينتج عن الضغوط الدولية التي تستهدف الدور الإيراني لرفع حصتها في الحلول المستقبلية.
المؤشرات الروسية على الساحة السورية في تعاونها مع إيران، تترافق مع صمت روسي «مريب» من القرار الامريكي، انهاء فترة الإعفاءات التي منحت لبعض الدول لشراء النفط الإيراني في إطار «تصفير» مبيعات طهران من النفط، على الرغم من أن هذا القرار يصيب اقتصادات بعض الدول التي من المفترض أن تشكل حليفا لها في مواجهة التصعيد الأمريكي، خصوصا الصين، التي تعتبر الشريك الأساس لموسكو، إن كان في دفع طهران للتوقيع على الاتفاق النووي، أو الآثار السلبية للسياسات الأمريكية التي لم تستثن بيغين او موسكو من مقصلة عقوباتها. قد يكون الاعتقاد الروسي بإمكانية الاستثمار في العقوبات الأمريكية لصالح تعزيز مصالحه في سوريا على حساب الدور الإيراني، وفرض شروطه على الجانب التركي الذي لم يسلم من الاستهداف الامريكي ايضا، الامر الذي سيسمح لموسكو بتعزيز دورها كلاعب أساس، وصاحبة الحصة الاكبر في اي مفاوضات مع واشنطن حول الحل السياسي في سوريا، وقد تجعلها الطرف الوحيد الذي قد يجلس الى طاولة المفاوضات، متحدثا باسم النظام، على حساب الشركاء الاخرين، ما يعني موقعا متقدما قد يساعدها في الحصول على تنازلات من واشنطن، تساهم في تخفيف ما تتعرض له من عقوبات وحصار بسبب ملفات أخرى.
وفي مقابل الدعوة الروسية لإيران الالتزام بالاتفاق النووي وعدم الانسحاب منه، وان كان يساهم في التخفيف من احتمالات دخول طهران في مواجهات مع المجتمع الدولي، وما يعنيه ذلك من عودة استنزاف للجهود الروسية للحد من تداعيات مثل هذا القرار، إلا أن موسكو لم تبذل جهودا حقيقية للتخفيف من حدة العقوبات الأمريكية، ضد حليف لم يصل بعد لان يكون حليفا استراتيجيا، من منطلق توسيع دائرة مصالحها على حساب مصالح إيران في المنطقة على المستوى السياسي، أي أنها لا تمانع في أن تؤدي هذه العقوبات إلى فرض تنازلات على إيران في مختلف الملفات الإقليمية، شرط أن تكون هي الوريثة لهذا الدور، إضافة إلى إمكانية استغلال هذه العقوبات لتعزيز مصالحها التجارية مع إيران بأن تشكل منفذا او معبرا للالتفاف على هذه العقوبات، وأن تتحول الى قناة لحصول طهران على ما تحتاجه من السوق الدولية، في ظل تردد الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) في وضع آلية التعامل المالي البديلة (انستكس) موضع التنفيذ مع طهران.
المصدر: القدس العربي