حيّان جابر
يتناقل السوريون الأنباء والمستجدات الدولية المعنية بمعاقبة ومحاصرة النظام الإيراني بصورة حثيثة، على أمل أن تؤدي هذه الأنباء إلى إخراج إيران من الساحة السورية، وكف يد العصابات المسلحة والمرتزقة التابعة لها في الداخل السوري، من جميع الجنسيات وخصوصا التابعة لحزب الله اللبناني، وهو ما يعكس صورة إيران في مخيلة وعيون الجزء الأكبر من السوريين اليوم، استنادا إلى ممارساتها الإجرامية بحق الشعب السوري الثائر وتأييدها الأعمى لنظام الأسد، منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة. فقد تحولت إيران بعد الثورة إلى إحدى أهم القوى التي تحتل سورية أو جزءا منها، ضمن مشهد سوري غاية في التعقيد، يعج بقوى الاحتلال الداعمة للنظام، ونظيراتها المعروفة إعلاميا بأصدقاء الشعب السوري، مما بات يتطلب موقفا ثوريا ووطنيا واضحا وحازما ومبدئيا من أي حدث دولي أو محلي ينطلق من مصلحة الأرض والشعب السوري فقط.
لذا وعلى ضوء ذلك كان لابد من أن يعبر الشعب السوري بطريقة عفوية عن مشاعر الفرح والشماتة والتشفي بكل ما هو ضار ومسيئ للنظام الإيراني وللقوى التابعة له سواء رسميا أم لا؛ وإيرانية أم لا، نتيجة ممارسات إيران الإجرامية والطائفية في سورية. في حين لا يمكن قبول ذات الموقف العفوي الصادر عن القوى والشخصيات السورية الثقافية والسياسية، وتجاهل تحليل وتفنيد نتائج وانعكاس التطورات الدولية تجاه النظام الإيراني على سورية وقضيتها العادلة، وتقديم تصورات، وعقد حوارات جدية تهدف إلى التباحث حول الاستراتيجيات النضالية الهادفة إلى تحقيق تطلعات السوريين على ضوء ذلك، بمعنى لا قيمة حقيقية لأي مستجدات داخلية أو خارجية، إن لم نحسن استغلالها من أجل استعادة زخم ومسار الثورة الأول في طريق تحقيق أهداف السوريين.
إذ سوف يفضي الصراع بين قوى الاحتلال إلى تراجع قدراتهم على أسر المجتمع ومجابهته مهما كانت هوية الطرف أو الأطراف المنتصرة، وهو ما يعزز من قدرة الحركة الثورية أو الوطنية على طرد الاحتلالات أولا، وتحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود ثانيا. مما يتطلب حركة ثورية ووطنية يقظة ونشطة وواعية وشاملة، ملتحمة ومنخرطة مع الشعب، تتلمس أوجاعه وحاجاته، وتنخرط في النضال معه، وتعمل على تحريضه وتوعيته وتنظيمه، وتدفعه نحو اصطفاء قادته الميدانيين والسياسيين الذين اختبرتهم ووثقت بهم استنادا إلى نضالهم المشترك، وعليها أن تخوض نضالها الوطني في مجابهة جميع قوى الاحتلال دون تمييز سياسي أو طائفي أو لاعتبارات مصلحية فئوية، وإن تطلب منها الأمر في بعض الأحيان التريث والانتظار، أو تحريض وتغذية الأسباب التي تدفع قوى الاحتلال إلى مزيد من الصدام والصراع، كي تتمكن لاحقا من استثمار النتائج الحتمية لهذا الوضع.
لكننا نعلم جميعا منذ الآن نتائج الانسحاب الإيراني، أو تقويض الوجود الإيراني في سورية اليوم؛ إن تم بشكل كامل؛ والتي سوف تصب في صالح باقي القوى التي تحتل سورية، وخصوصا روسيا و”إسرائيل” وتركيا، بشكل مباشر وشبه كامل، أما سورياً فتختزل انعكاساته على المستوى النفسي، في المشاعر والاحاسيس فقط دون أي نتائج ملموسة على الأرض، سواء فيما يخص الأمور الحياتية كتراجع تطييف المجتمع، وضبط الانفلات الأمني، وحل مشاكل شح المواد الاستهلاكية وجودتها بما فيها المشتقات النفطية، وتحسين الخدمات الرئيسية من الطبابة والمواصلات والتعليم، وصولا إلى الكهرباء والماء والصرف الصحي، أو تلك المتعلقة بشكل وطبيعة النظام الحاكم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، بسبب الممارسات الطائفية والاستبدادية والإجرامية والنهبية المتشابهة لجميع قوى الاحتلال في سورية، وبحكم القيود التي كُبلت بها الحركة الثورية من قبل النظام وداعميه وداعمي المعارضة المسلحة وعملاء القوى الخارجية في الداخل السوري، وعلى رأسهم القوى الجهادية المتطرفة، والإسلام السياسي، وكل من عبد السلطة والمال والجاه، متخليا في سبيلها عن مصالح سورية الأرض والشعب.
وبالتالي فإن مهمة النخب السورية تتمثل في العمل على استعادة زخم الحركة الثورية وتطويرها وتنظيمها وطرح برنامج ثوري يلبي مصالح السوريين ويوحدهم، في مواجهة الخطاب الطائفي البغيض، وتقديم تصور واضح ومحدد عن طبيعة الدولة المنشودة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، التي تضمن حل جميع مشاكل سورية اليومية والاستراتيجية، ومما يمكن سورية من الانتقال إلى مصاف الدول الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان على المستوى السياسي؛ و الدول المتطورة والمتقدمة والمنتجة على المستويين العلمي والاقتصادي، تجسيداً لهدف الثورة في تشيد دولة الحرية والعدالة والمساواة لجميع السوريين. عندئذ سوف نستعيد ثقة الشارع ونوحد الهدف الوطني في مواجهة قوى الاحتلال الداخلية والخارجية، من نظام الأسد إلى روسيا الاتحادية مرورا بإيران ومليشياتها وتركيا والاحتلال الإسرائيلي طبعا. وما دون ذلك لا يعدو عن كونه تلاعبا جديدا بمصير ومستقبل سورية؛ ومتاجرة بهم في خدمة مصالح أحد الأطراف الدولية المتنازعين على الأرض السورية، فلا فرق يذكر بين قوى إجرامية مدعومة وتابعة لإيران، وبين المدعومين روسيا أو تركيا أو أمريكيا.
إن تبني المؤسسات الإعلامية والسياسية السورية لخطاب التشفي بالعقوبات المفروضة على النظام الإيراني، والتغني بنتائجه المتوقعة، والاحتفال باحتمالية إخراج إيران من سورية لصالح غيرها من الاحتلالات ودون أي مكاسب وطنية ملموسة فقط، يبدو وكأنه تغليب لطرف محتل على حساب آخر، وكأننا نشجع ونؤيد قوى إجرامية واستبدادية على المضي في مشروعها الرامي إلى هزيمة الثورة وأسر المجتمع كي يتسنى لها احتلال سورية وسرقة ثرواتها الطبيعية واستغلال مواردها البشرية دون أي مقاومة تذكر. وهو ما حان الوقت كي نحذر منه ونتجنبه، فالمصلحة السورية الوحيدة تتمثل في انتصار أهداف الثورة الوطنية بعد طرد وهزيمة كل قوى الاحتلال الداخلية والخارجية، وهو ما يتطلب طرد وهزيمة قوى الثورة المضادة، واستعادة المسار الثوري الوطني الأول، وملامسة هموم جميع السوريين داخل وخارج الوطن، في مناطق النظام وخارجها، تمثيلا لشعارات الثورة الأولى، واحد واحد واحد الشعب السوري واحد، ولا أمريكا ولا أخوان ثورتنا ثورة شجعان.