أحمد الإبراهيم
لم تكد تهدأ المعارك في ريف دير الزور الشرقي بين “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي تتلقى الدعم من التحالف الدولي، وبين تنظيم “داعش”، حتى طفت على السطح مجموعة مشاكل لم تعمل هذه القوات على إيجاد حلول ناجعة لها، ما دفع الأمور إلى حافة التوتر والاحتقان، وتجلى ذلك في حراك شعبي ظاهره تردي الحالة المعيشية وانعدام الخدمات، وباطنه الخوف على مستقبل منطقة لطالما عانت من التهميش والإقصاء. يأتي هذا فيما شهدت العاصمة التركية أنقرة، اجتماعاً ضم نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، مع وفد من “مجلس القبائل والعشائر السورية”، للبحث في “مصير منطقة شرقي نهر الفرات”. وفي هذا الوقت، قتل جندي تركي، وأصيب أربعة، نتيجة قصف “قوات سورية الديمقراطية” بالهاون لنقطة عسكرية تركية قرب إعزاز شمال مدينة حلب. وردّت القوات التركية على مصادر القصف.
واتسع نطاق التظاهرات ضد “قسد”، التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية عمودها الفقري، في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، وذلك اعتراضاً على انعدام الخدمات في هذا الريف المثقل بمختلف أنواع الأزمات. ويطالب المتظاهرون، وفق شبكة “فرات بوست” الإخبارية المحلية، “بمنع نقل النفط الخام إلى النظام، والإفراج عن المعتقلين، والتوزيع العادل لثروات المحافظة، ورفض ما تقوم به هذه القوات من عمليات اعتقال عشوائية بحق المدنيين”. وأشارت مصادر محلية إلى أن التظاهرات شملت قرى الحصان والجنينة وسفيرة، ثم امتدت إلى بلدة البصيرة ومنطقة الصور وبلدة الدحلة وقرية الطيانة، وغيرها من القرى. وأدت ممارسات “قوات سورية الديمقراطية” إلى فقدانها دعم المكون العربي شرق نهر الفرات، خصوصاً في ريف دير الزور الشرقي الخالي تماماً من أي وجود للأكراد السوريين، إذ لم تعمل هذه القوات على تشكيل مجالس محلية تقدم خدمات لسكان المنطقة الغنية بالبترول. وانتزعت “قسد” السيطرة على الريف بعد معارك ضارية مع تنظيم “داعش” أدت في النهاية إلى إنهاك المنطقة على كافة المستويات.
ودان “المجلس العربي في الجزيرة والفرات”، وهو تجمع سياسي انبثق عن اجتماع للقبائل والقوى السياسية في المنطقة الشرقية والذي عقد في القاهرة أواخر العام 2017، تصرفات “قسد” إزاء المتظاهرين في ريف دير الزور، مطالباً، في بيان أخيراً، “بتأمين حاجات المنطقة وإعادة تأهيل بنيتها التحتية، وإيقاف عمليات تصدير خيرات المنطقة، من نفط ومحروقات، باتجاه مناطق سيطرة مليشيات (بشار) الأسد ومناطق أخرى”. ويمتد ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، الذي تسيطر عليه “قسد”، بنحو 100 كيلومتر، ويضم العديد من البلدات وعشرات القرى التي اضطر عدد كبير من سكانها للنزوح والهجرة عنها بسبب الحروب المتكررة على مدى سنوات. ولهذا الريف، كما للمنطقة الشرقية من سورية عموماً، طابع قبلي وعشائري عربي، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام توتر عربي كردي تغذيه ممارسات “قسد”، التي تحاول تهميش المكون العربي في منطقة شرقي نهر الفرات رغم كونه الغالبية الساحقة من السكان. وعانى هذا الريف الإهمال المتعمد منذ تشكل الدولة السورية بشكل فعلي منتصف أربعينيات القرن الماضي، إذ لم ينل الاهتمام الكافي من الحكومات والأنظمة المتعاقبة، خصوصاً خلال فترة حكم الأسد الأب وابنه، وهو ما دفع أبناءه إلى إعلان الثورة في العام 2011، إذ سيطرت فصائل الجيش السوري الحر عليه بدءاً من منتصف 2012 إلى منتصف 2014، حيث استولى تنظيم “داعش” على غالبية المنطقة الشرقية من سورية، وهو ما جر إليها نكبات متلاحقة.
ومن الواضح أن “قسد” لم تدرك أن حسابات الحرب مختلفة تماماً عن حسابات السلم، وأن المنطقة بحاجة إلى حلول إسعافية للعديد من المشكلات، خصوصاً ما يتعلق بالكهرباء والماء والصحة والتعليم. كما لم تعمل هذه القوات على تسليم إدارة المنطقة لمجالس محلية ذات مصداقية من أبناء ريف دير الزور، كيلا تتولد مخاوف من وجود كردي يمكن أن يعبث بهوية منطقة عربية خالصة، كما يفعل الإيرانيون في ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات. وأشار رئيس تحرير موقع “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه كان من المتوقع حدوث التظاهرات “بسبب المعاملة السيئة من قبل قوات سورية الديمقراطية لسكان المنطقة، وعدم قدرة هذه القوات على تقديم الخدمات”، مضيفاً “فرض الأكراد إرادتهم على المنطقة، والتظاهرات تأتي رداً على هذه السيطرة”. وأعرب علاوي، وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي، عن اعتقاده بأن “قوات سورية الديمقراطية” ستخسر في حال اتخذت قرار المواجهة مع المتظاهرين، مضيفاً “لا اعتقد أن التحالف الدولي سيسمح بذلك”. كما أعرب عن قناعته بأن “قسد” ستستجيب لبعض مطالب المحتجين الخدماتية وتعطي حصة من النفط لسكان المنطقة، موضحاً “في النهاية يجب أن تدار المنطقة من أهلها وليس لقسد مصلحة في الصدام معهم”.
وفي السياق، لا تزال تركيا تضغط سياسياً وعسكرياً من أجل تحييد “قوات سورية الديمقراطية” في منطقة شرقي نهر الفرات، حيث تعتبر أنقرة الوحدات الكردية نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني المصنف في خانة التنظيمات الإرهابية. وتتهم تركيا هذه القوات بمحاولة تشكيل إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية، ترى أنقرة أنه يمس الأمن القومي التركي في الصميم. والتقى نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، في أنقرة الأحد الماضي، وفداً من مجلس القبائل والعشائر السورية “حيث جرى نقاش مستفيض حول مصير منطقة شرقي نهر الفرات” وفق الناطق باسم المجلس مضر الأسعد. وقال الأسعد، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الجانب التركي أكد أن المباحثات مع الأميركيين حول منطقة نهر الفرات “لا تزال مستمرة”، مؤكداً أن الجانبين في طريقهما للاتفاق حول منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتراً على طول الحدود السورية التركية شرقي نهر الفرات. ويتضمن الاتفاق تسيير دوريات تركية أميركية مشتركة وإبعاد “قسد” عن المنطقة، وعودة اللاجئين وتشكيل مجالس محلية مدنية وشرطة محلية لسد الفراغ الأمني مع انسحاب “قوات سورية الديمقراطية”. وأكد الأسعد أن المجلس “بدأ منذ نحو 20 يوماً تشكيل الشرطة المحلية من شبان سوريين من أبناء المنطقة يقيمون في تركيا وفي الداخل السوري”، مشيراً إلى أن الفصائل العسكرية الكبرى من المنطقة الشرقية تعقد اجتماعات في أنقرة منذ أيام لتشكيل جسم عسكري واحد استعداداً للمرحلة المقبلة. وأضاف “يجب على الولايات المتحدة الأميركية أن تدرك أن هناك نحو مليون ونصف المليون سوري من أبناء المنطقة الشرقية في سورية، لاجئين في تركيا، ولا عودة لهم إلى بلادهم في ظل وجود قسد وقوات النظام. ويعد المجلس، الذي تشكل في ديسمبر/كانون الأول الماضي بدعم تركي، أكبر تجمع قبلي وعشائري معارض، كونه يضم ممثلين عن عشائر عربية وتركمانية وكردية وسريانية.
المصدر: العربي الجديد