عدنان أحمد
على وقع التطورات الميدانية في شمال غربي سورية، تواصلت الاتصالات بين روسيا وتركيا حول الوضع في إدلب، فألقت موسكو بالمسؤولية على أنقرة لتحقيق وقف إطلاق النار. وهو ما برز في إعلان المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن “موسكو وأنقرة متفقتان على ضرورة تحقيق وقف إطلاق النار”، معتبراً أنها “مسؤولية الجانب التركي”. وأضاف بيسكوف للصحافيين أمس الجمعة، أنه “من الضروري حقاً وقف إطلاق النار في إدلب. ومن أجل تحقيق ذلك يجب أن يوقف الإرهابيون إطلاق النار على الأهداف المدنية التي فيها عسكريونا بما في ذلك قاعدة حميميم”. ورأى أن تحقيق ذلك “وفق الاتفاقات التي تم التوصل إليها في سوتشي هو مسؤولية الجانب التركي”. وكان الرئيسان الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب أردوغان قد بحثا في اتصال هاتفي يوم الخميس، تطورات الأوضاع في الشمال السوري. وذكرت الرئاسة التركية أن أردوغان شدد، خلال الاتصال، على “ضرورة الضمان الفوري لوقف إطلاق النار في إدلب وتركيز الجهود على عملية التسوية السياسية في البلاد”، وأكد “ضرورة منع سقوط القتلى بين السكان المدنيين بسبب الأعمال القتالية، وأهمية القضاء على تهديد اللجوء الجماعي إلى حدود تركيا جراء هجمات النظام السوري على إدلب”. لكن الكرملين استخدم نبرة مختلفة في بيانه المنشور على موقعه على الإنترنت بشأن الاتصال الهاتفي بين بوتين وأردوغان، فأوضح أنه “يرى أن القتال ينبغي أن يستمر”، مما يلقي الضوء على التوتر بين موسكو وأنقرة بشأن تلك المسألة. وقال الكرملين في بيانه “لاحظنا أهمية تكثيف عملنا المشترك لتحقيق الاستقرار في محافظة إدلب بما في ذلك اتخاذ إجراءات فعالة لتحييد الجماعات الإرهابية”.
من جهته، شدد مجلس الأمن القومي التركي، على أن الهجمات على المدنيين في منطقة خفض التوتر بسورية، تقوّض روح اتفاق أستانة. وأكد بيان للمجلس عقب اجتماعه برئاسة أردوغان مواصلة أنقرة اتصالاتها مع الدول المعنية للحيلولة دون حدوث أزمة إنسانية جديدة وهجرة جماعية في منطقة خفض التصعيد بإدلب.
وواصل الطيران الحربي التابع للنظام السوري وروسيا قصف مدن وبلدات ريف إدلب، موقعاً المزيد من الضحايا في صفوف المدنيين، واستهداف مراكز الدفاع المدني مجدداً، وإحدى نقاط المراقبة التركية، في وقت شنت الفصائل المسلحة هجوماً جديداً بهدف استعادة بعض المناطق التي خسرتها أخيراً في ريف حماة الغربي. وبعد مرور أكثر من شهر على بدء الحملة العسكرية للنظام في الشمال السوري، لم يحقق النظام والروس نتائج كبيرة على الأرض حتى الآن باستثناء تهديم منازل المدنيين وتهجيرهم. وعزا بعضهم في أوساط النظام ذلك إلى الاعتماد على عناصر الفيلق الخامس، ومعظمهم مقاتلون سابقون في فصائل المعارضة، واتُهموا بعدم القتال بجدية، فيما برز تذمر واسع في صفوف عناصر الفيلق بسبب تعمد زجهم في الخطوط الأولى للقتال بهدف التخلص منهم.
وقد قُتل وأُصيب عدد من المدنيين جراء غارات شنتها الطائرات الحربية التابعة للنظام على بلدة كفرعويد، وحرش بينين جنوب وأطراف كفروما في إدلب. وقال الدفاع المدني، إن “اثنين من العناصر أُصيبا خلال الغارات على كفر عويد حين كانا يساهمان في إسعاف المصابين”. كما ألقت الطائرات المروحية براميل متفجرة عدة على قرى الحويجة، والحواش، وشهرناز، وقره جرن بريف حماة الغربي، بينما استهدف الطيران الحربي بلدة احسم بغارات عدة أوقعت أضراراً مادية كبيرة في مباني المدنيين.
من جانبها، أعلنت كل من “الجبهة الوطنية للتحرير” و”هيئة تحرير الشام” في بيانين منفصلين شنّ هجوم ضد قوات النظام السوري شمال غربي مدينة حماة، استهدف قريتي الحويز والكركات اللتين سيطر عليهما النظام. وتحدثت مصادر محلية عن تمكن الفصائل من إحراز بعض التقدم داخل بلدة الحويز وسيطرتها على مستودع للذخيرة، وقاعدة إطلاق صواريخ مضادة للدروع، بعد اشتباكات عنيفة مع قوات النظام. وأوضحت المصادر أن “الهجوم كان أقرب لعملية تسلل، وجاء من دون تمهيد من الفصائل، ووصل المقاتلون إلى نقاط قريبة من قوات النظام وبدأوا الاشتباك معها. ويأتي هذا التحرك بعد هدوء نسبي لأيام شهدته الجبهات الفاصلة بين الجانبين إثر فشل الفصائل في استعادة بلدة كفرنبودة في الريف الشمالي الغربي لحماة”.
في غضون ذلك، يدور جدل في الأوساط العسكرية التابعة للنظام روسيا بشأن ظروف مشاركة مليشيا” الفيلق الخامس” في معارك الشمال السوري، مع توجيه اتهامات لعناصر الفيلق المكون في أغلبه من عناصر المصالحات، بعدم الجدية في القتال. وقالت مصادر قريبة من المعارضة إن “عدداً من عناصر الفيلق ينحدرون من ريف دمشق، قُتلوا جراء إطلاق النار عليهم من الخلف من جانب مليشيات النمر المرتبطة بروسيا في المعارك الدائرة على محور تل هواش بريف حماة الغربي، بذريعة أن المجموعة انسحبت من إحدى النقاط وذلك بعد تعرض موقعهم للهجوم من جانب فصائل المعارضة”. وبررت مليشيات النمر الحادثة بأنها “وقعت بالخطأ بسبب انسحاب المجموعة المفاجئ من دون إعطاء إنذار مسبق للمجموعات الخلفية”.
واعتمدت روسيا خلال تشكيل الفيلق الخامس على مقاتلي المصالحات من أرياف دمشق ودرعا وحمص، إضافة إلى بعض الشبان الذين تم القبض عليهم على الحواجز. لكن روسيا تعتمد في المعارك بشكل أساسي على مليشيا النمر بقيادة العميد سهيل الحسن، الذي يضم مقاتلين من الساحل السوري وريف حمص، وهي التي تقود المعارك الحالية بريف حماة الشمالي وجبهة الساحل. وتمّ وضع قوات الفيلق الخامس تحت إمرتهم التي بادرت إلى زجهم على الخطوط الأولى للقتال.
وقال ضابط في المعارضة لـ”العربي الجديد”، إن “العشرات من مقاتلي المصالحات قتلوا في المعارك الأخيرة بريف حماة واللاذقية بعد زجهم في الاقتحامات على منطقة كفرنبودة والكبينة، مع تهديدهم بالقتل في حال فكروا بالانسحاب أو التراجع”، مشيراً إلى أنه “تم من خلال أجهزة اللاسلكي رصد تهديدات بقتلهم من جانب بعض الضباط في مليشيات قوات النمر خلال معركة كفرنبودة”. وأكد أن “هؤلاء الضباط لا يثقون بعناصر المصالحات، ويسعون للتخلص منهم من خلال زجهم بكثافة في الخطوط الأولى لعمليات الاقتحام، وقتل ومعاقبة كل من يحاول الهرب أو التراجع”.
وكانت “هيئة تحرير الشام” وجهت تحذيراً إلى عناصر الفيلق الخامس في ريف حماة الشمالي، دعتهم فيه إلى الانشقاق وتسليم أنفسهم. وجاء في أحد المنشورات التي نشرتها وكالة “إباء” التابعة للهيئة: “أيها الجندي المكره على القتال، نحن لا نهدف لقتلك، سلم نفسك وانج بحياتك قبل فوات الأوان”. وتعكس المواقع والصفحات الموالية للنظام حالة عداء وتشكيك بعناصر الفيلق، باعتبار عناصره خونة ولا يمكن التصالح معهم، وأنهم متخاذلون في القتال.
وفي خضم هذه المواجهات، كان اللافت أمس استهداف مدفعية النظام السوري نقطة للجيش التركي في منطقة شير المغار بريف حماة الغربي. وقالت مصادر عسكرية إن القذائف سقطت داخل النقطة التركية وفي محيطها من دون ورود أنباء عن وقع خسائر بين الجنود الأتراك. وجاء ذلك بعد ساعات قليلة من ورود أنباء عن قيام القوات التركية بإسقاط طائرة استطلاع في أجواء المنطقة منزوعة السلاح جنوبي إدلب. وذكرت مصادر محلية أن “النقطة التركية المتمركزة في جبل اشتبرق قرب مدينة جسر الشغور، أسقطت في وقت متأخر من مساء الخميس طائرة استطلاع كانت تحوم في الأجواء، في سابقة هي الأولى من نوعها. ولم يتم التعرف بشكل واضح إذا ما كانت الطائرة تتبع للروس أو لقوات النظام، لكن من المرجح تبعيتها للروس لأنهم عادة ما يطلقون طائراتهم المسيرة في هذه المنطقة”. ونشر الجيش التركي 12 نقطة مراقبة في الشمال السوري بموجب اتفاق أستانة، واتجه في الأشهر الماضية إلى تسيير دوريات في المنطقة “منزوعة السلاح”. وأعلنت تركيا أنها لن تسحب نقاط المراقبة رغم التصعيد الحالي، بل واصلت تعزيزاتها خلال الأيام الماضية.
المصدر: العربي الجديد