فالح الحمـراني
وضع التصعيد في إدلب العلاقات الروسية ـالتركية على حافة التأزم، على خلفية شكوك في موسكو بأن أنقرة لا تفي بالتزاماتها بشأن إقامة منطقة منزوعة السلاح بمسافة 20 كم المتفق عليها بين الرئيسين بوتين واردوغان، وإنها عاجزة عن “تهدئة” الجماعات المسلحة، بل وهناك شبهات تحوم بصدد تسليحها وتمويلها تلك الجماعات، ورفضها المشاركة في حرب للقضاء عليها، فضلا عن وجود مخاوف بان ينسف الوضع المحتدم في إدلب، فيما تراه موسكو من إنجازات تحققت بجهودها في تقريب التسوية السورية على أساس الحل السياسي، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وعودة اللاجئين إلى مناطق سكنهم الدائمة، وبالتالي إطلاق عمل اللجنة الدستورية، لسن القانون الأساسي للبلاد، الذي ستبدأ على أساسه العملية السياسية، التي من المفترض أن يشارك فيها كافة السوريين.
وتلقي موسكو مسؤولية تدهور الوضع في منطقة تخفيف التصعيد في إدلب، على الجماعات المسلحة المرابطة هناك. وكما جاء على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف خلال المؤتمر الصحافي مع وزير خارجية مالي الاثنين الماضي، فإن “الجماعات المسلحة المتمركزة هناك تنتهك بصورة دورية الاتفاق حول المنطقة المجردة من السلاح”. ووفقا للجانب الروسي فإنها تهاجم مواقع جيش الحكومة السورية والتشكيلات المتحالفة معها، وكذلك تحاول استغلال أي فرصة لمهاجمة القاعدة العسكرية الروسية في حميميم، باستعمال الطائرات المسيرة من دون طيار، وبالصواريخ. وتُلَوح موسكو بالرد الحاسم على الجماعات المسلحة في إدلب، رغم إدراكها بأن الوقت غير مناسب للقيام بعملية عسكرية واسعة هناك. وحسب قول لافروف “إن الجانبين الروسي والسوري لن يتركا ذلك بدون رد ساحق”. في الوقت نفسه جدد لافروف الدعوة الروسية إلى ضرورة فك المعارضة المسلحة (المعتدلة) ارتباطها بجبهة ” النصرة” وقال “إن على أنقرة إن تلعب الدور الأساسي في هذه العملية، على وفق الاتفاق بين الرئيسين بوتين واردوغان”. وأشير إلى أنه في اليوم الذي أعلن فيه لافروف عن “الرد الساحق” قام السلاح الجوي بهجوم واسع أسفر عن تدمير عدد كبير من المباني، ويمكن أن يكون هذا هو بداية “الانتقام”. وربط خبراء عسكريون بدء العملية العسكرية واسعة النطاق بمدى فعالية المسلحين لاحقا. وهناك توقعات بأن العملية قد تبدأ بعد أن يتم وضع وثيقة عمل خلال الأشهر القريبة القادمة.
من ناحيته أعلن سفير روسيا في سوريا الكسندر يفيمييف إن تهم الدول الغربية لروسيا والجمهورية العربية السورية بقصف المدنيين في محافظة إدلب يعتبر جزءا من الحرب الإعلامية. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن عن قيام روسيا وسوريا وإيران بقصف محافظة إدلب، وطالب بوقفها. ومن ثم جدد تحذيره بشن الغارات الجوية على سوريا. وحسب تقويمات السفير الروسي فإن الجانبين السوري والروسي أعلنا مرارا وتكرارا بأن من وصفهم بالإرهابيين، يقصفون البنى التحتية. وقال “بقدر ما أن الدول الغربية لا تستطيع التأثير على نجاحات الجيش السوري والقوات المسلحة /الفضائية الروسية في المنطقة، فإنها تختلق الذرائع المختلفة للتهم العارية عن الصحة، من أجل نسف نجاحاتنا”.
تصعيد لهجة التصريحات الرسمية الروسية جاءت على خلفية ما نشرته وسائل الإعلام، بما ذلك الروسية، عن تحقيق الجماعات المسلحة عددا من الانتصارات على القوات الحكومية، واستعادة السيطرة على بعض الأراضي التي كانت قد تراجعت عنها في وقت سابق. ويعزو تقرير لموقع “الصحافة الحرة” سبب تلك النجاحات إلى أولا: نقص إعدادات القوات الحكومية السورية، التي تسمح باختراق تلك الأماكن، حيث لا يجوز السماح فيها. وثانيا: معطيات أجهزة المخابرات الأجنبية، التي في رأي بعض الخبراء الروس، تتسرب بهذا الطريقة أو تلك إلى إدلب، وتصل إلى من يصفونهم بالإرهابيين.
ولكن التقرير يرى أن العامل الرئيسي في هزائم الجيش السوري تلك، يكمن في الدعم التركي. وعلى وفق تلك المعطيات فإن أنقرة تقوم بتسليح وتمويل الائتلاف الوطني السوري في إدلب. وقال التقرير: إن القوافل تنطلق بصورة منتظمة من تركيا إلى إدلب وهي تحمل الأسلحة، حسب رواية أنقرة، إلى القوات التركية المرابطة هناك، منوها بأن من الصعوبة بمكان البرهنة على الجهة التي تذهب لها تلك الأسلحة، وتساءل: ولكن لماذا هذا الكم الكبير من الأسلحة الخفيفة للقوات التركية محدودة العدد؟ ونقل عن وسائل إعلام عالمية إشارتها إلى أن أنقرة تقوم ومنذ زمن بعيد بتسليح جماعات المعارضة، بل وحتى من تندرج في لوائح المنظمات الإرهابية. وقال إن روسيا تجاهلت هذه الحقائق لحين من الوقت، فيما تحدثت أنقرة عن تهدئة المسلحين في الوقت القريب المقبل. ولكن ذلك لم يحدث، والكلام للتقرير “لذلك بدأت دمشق في هجوم مضاد في اتجاهات محددة، فيما دعمتها موسكو من الجو”.
وضمن هذا السياق يذهب بعض المحللين الروس إلى أن العسكريين السوريين والروس بقوا يراقبون باستياء استمرار الهجمات التي يشنها المسلحون من إدلب، ويعيشون على وعود الجانب التركي. بيد أن أنقرة لم تنجح في مهمتها فاضطرت موسكو ودمشق للبدء بالحرب ضد المسلحين المتمركزين في إدلب، والعملية تجري منذ فترة، بيد أنها لم تتحول إلى هجوم كاسح. ويرجح المراقب العسكري الكسندر ليونكوف أن هناك مشاورات مكثفة تجري بين الجانبين الروسي والتركي، لاستيضاح مواقفهما بشأن التطورات في إدلب. وعلى حد قوله إن الجانب الروسي لم يعد يحتمل، ما وصفها بالاستفزازات التي لا نهاية لها، والتي تمر بالقرب من المعابر التركية.
ويدعي العديد من المراقبين أن أنقرة غير مستعدة لحد الآن الكف عن دعم “جبهة النصرة” وغيرها من الجماعات التي تهدد دمشق وروسيا، وهذا ما يثير امتعاض الكرملين الشديد، إلى درجة أن وسائل الإعلام الأجنبية بما في ذلك الكردية، نشرت معلومات تفيد بان روسيا باتت مستعدة لدعم “وحدات حماية الشعب” في حربها ضد تركيا في شمال/غرب سوريا. وقال أحد التقارير “إذا كان في هذا شيء قليل من الصحة، فانه يعني إن العلاقات الروسية/التركية، تقترب من الدخول في أزمة عميقة”.
لكن المراقب العسكري اوليغ جوشين يرى أن العلاقات الروسية التركية لن تصل إلى هذا الحد، لأن روسيا وتركيا في ظل مثل هذا الاصطفاف ستقتربان من حافة الحرب، وهو ما لا يرغب به أحد الجانبين. وقال في حديث صحافي: “أن روسيا الآن تثمن العلاقات مع تركيا” موضحا أن تركيا من جانبها أيضا في حاجة ماسة لروسيا. ويشكك في أن أحد الطرفين يعتزم القيام بحركة حادة من أجل دمشق أو من أجل إدلب. واستدرك “غير أن روسيا لا تنوي، ولا تستطيع الاستمرار بتقديم التنازلات، وتجاهل كل شيء”. معربا عن القناعة بمصداقية نوايا اردوغان بفرض النظام في إدلب “ولكن من الصعب عليه التفاهم مع الجماعات المسلحة، التي لا تفهم غير القوة”. وحسب رأيه “إن تركيا تدرك جيدا ضرورة معالجة الوضع في إدلب، لأنه يهدد ليس سوريا وحسب، بل وتركيا نفسها”. وأعرب عن الأسف “لوجود حل واحد في الوقت الحالي: هو الحل العسكري، ولكن تركيا لا تستطيع المشاركة في القضاء على الإرهابيين”. وربط ذلك بعدم رغبة اردوغان بوقوع خسائر بشرية من القوات التركية، كما انه لا يروم فقدان صورته كمدافع عن قوى المعارضة في سوريا.
المصدر: القدس العربي