حسام محمد
أظهرت المواجهات الأخيرة وسط وشمالي سوريا أزمة ثقة وصفت بـ “الحادة” بين ضامني اتفاق سوتشي “روسيا – تركيا” ناهيك عن الصراع الوجودي بين قوى المعارضة والنظام السوري محلياً. فروسيا بدأت تقصف تركيا بالوسائل الإعلامية المقربة منها، في حين ناقضت أنقرة التصريحات العسكرية والرسمية لموسكو حول إدلب والمعارك، فالجيش الروسي الذي أنهك عشرات آلاف المدنيين بمئات الغارات الجوية، بعد أن نقض الاتفاقيات مع تركيا، بدا اليوم متوجساً من اصطياد طائراته، وإصابة إحداها قبل أيام عزز المخاوف الروسية، لتوجه منابرها الإعلامية أصابع الاتهام إلى تركيا بتزويد المعارضة بصواريخ دفاع جوي، وتارة توجيه ذات الأصابع نحو الولايات المتحدة الأمريكية.
المعارضة السورية من جانبها، كانت قد تمكنت خلال الثمانية أعوام الماضية من السيطرة على العديد من الأسلحة والذخائر من مخازن النظام السوري، أسلحة كانت لها فعاليتها في تدمير دباباته وصولاً إلى طائراته، إلا أن الجيش الروسي الذي كان شاهداً على تلك الأحداث في مرحلة من المراحل، يتخوف اليوم من المصير المجهول الذي قد يدخله شمال سوريا.
كما حصلت على العديد من الأسلحة والذخائر وغيرها من المعدات العسكرية عبر الدعم الخارجي أو من خلال شراء هذه المعدات من التجار المرتبطين بقادة القطعات والوحدات العسكرية لدى النظام السوري والذين يعرفون بـ “تجار الحرب” الطامعين باكتساب المال، ومن هذه الأسلحة المدافع الرشاشة المضادة للطائرات المتوسط والثقيلة /كالمدفع 12.5 مم والمدفع 12.7 مم والمدفع 23 مم والمدفع الثقيل 57 مم.
القيادي في المعارضة السورية، العقيد فاتح حسون، يقول: من الناحية الفنية تعتبر هذه الأسلحة ذات تأثير في حال تحليق الطائرات “الأهداف الجوية” على ارتفاعات أقل من 3 كيلو متر، والذي يسمح للمدافع من عيار 57 مم بتحقيق إصابة مضمونة.
وعند تنفيذ الطيران الحربي الرمايات على الارتفاعات دون 2.5 كم تبدأ مهمة الرشاشات المتوسطة آنفة الذكر، والتي يمكنها إسقاط الطائرة التي تحاول الانقضاض على الهدف من خلال توجيه الرمايات في وضعية الملاقاة أمام الطائرة، أو من خلال الكمائن وهي الطريقة التي يتبعها الجيش الحر في إسقاط معظم الطائرات في معظم المعارك في الثورة السورية.
من زود المعارضة بالصواريخ؟
القيادي في المعارضة السورية، شرح لـ “القدس العربي”، المصادر التي امتلكوا من خلالها أسلحة وصواريخ مخصصة للدفاع الجوي، فيقول: هناك أيضا الصواريخ المحمولة على الكتف “كوبرا” وغيرها من الأنواع، وقد تم الحصول عليها من خلال المعارك كغنائم من جيش النظام السوري، أو خلال الشراء من تجار ضمن مناطق النظام، أو من المستودعات الخاصة بتنسيق هذا النوع من الصواريخ.
ونفى المصدر المسؤول تسليحهم بأي أنواع من صواريخ الدفاع الجوي من أي دولة داعمة، حيث قال: لم نتزود بهذه الأنواع من الصواريخ من الدول الداعمة، حيث الذي استطعنا الحصول عليه بشكل ذاتي، لم تحدث فارقا كبيرا بسبب حدوث خلل في البعض منها، جراء عدم مراعاة ظروف النقل والتخزين الخاصة بالصواريخ ذات الحساسية العالية كونها مزودة برؤوس جيروسكوبية حرارية أو ليزرية.
أما من ناحية عملية لم تظهر هذه الصواريخ خلال سنوات الثورة في المعارك بشكل ملحوظ ولا تزال القوى الثورية تطالب بتسليمها صواريخ دفاع جوي محمولة على الكتف لتوقيف براميل طائرات النظام المتفجرة على المناطق الآهلة بالسكان.
وفيما يخص الطائرة التي تمت إصابتها في معارك ريف حماة وسط سوريا قبل أيام، فأشار القيادي، إلى أن الإصابة غالبا قد وقعت من خلال المضادات الأرضية، حيث أن الطائرات لا تستطيع تنفيذ غاراتها وتحقيق الأهداف في ظل وجود الدخان الكثيف، مما يتطلب ويحتم على قائد الطائرة النزول بطائرته لارتفاعات تخدم مدى الإصابة المضمونة للمضادات الأرضية وتجعله عرضة للإصابة.
دعاية روسية
المزاعم الروسية حول إسقاط فصائل المعارضة السورية لطائرة روسية بواسطة صاروخ م- ط استلمتها الفصائل حديثا، تصب في خانة العجز الروسي عن فعل شيء على الأرض أمام تقدم التشكيلات العسكرية المستمر وسيطرتها على مساحات ومواقع هامة، رغم تواجد الضباط الروس في أرض المعركة والذين وقفوا عاجزين بدباباتهم وطائراتهم ومدفعيتهم.
من ناحية ثانية، اعتبر القيادي المعارض، الادعاءات الروسية تصب في خانة “رد فعل” على التصريحات التي أطلقها جيمس جيفري المبعوث الأمريكي ومسؤول الملف السوري حول التعاون التركي الأمريكي للحل في سوريا، حسب حسون.
حرب الضامنين
أما في ما يخص الملف الدولي الذي أصبح شائكاً حول شمال سوريا، فيرى العميد السوري أحمد رحال: المطالب التركية تتمحور حول ضرورة التزام روسيا باتفاق سوتشي وتوافقات أستانة، والحفاظ على منطقة خفض التصعيد التي تضم أربعة ملايين سوري، وجعلها منطقة آمنة ومستقرة، وفق الصورة المتفق عليها بين الطرفين.
كما تريد أنقرة الحفاظ على المنطقة حتى الوصول إلى مرحلة الحل النهائي في سوريا، وأن يلحق الشمال السوري بالحل الشامل للقضية السورية، ولكن الرغبة الروسية تحوم هو إعادة هذه المنطقة إلى جعبة الأسد مجدداً، وتستخدم قوتها العسكرية الشاملة للسيطرة على الدولية فيها، وصولاً إلى نتيجة السيطرة التامة على الأرض، واعتبر المصدر العسكري أن هذا الخيار مرفوض جمله وتفصيلا بالنسبة للمعارضة.
ميول للتهدئة
الشمال السوري ذاهب بعد الحملة العسكرية الواسعة التي عاشها مؤخراً نحو مرحلة جديدة من التهدئة، معللاً ذلك بعدة عوامل، وجود اجتماع دولي هام في القدس خلال الفترة القريبة، علاوة عن وجود استحقاقات كبيرة، ومنها دخول الأمريكان في الملف السوري بشكل أوسع مما كانوا عليه سابقاً وكذلك إسرائيل فعلت، وأن إيران حسب وجهة نظر العميد المعارض-هي الهدف الأول في سوريا، ومن هنا نعتقد أن المناورة الروسية ستكون ضئيلة عما عهدناه سابقاً.
تأييد أوروبي-أمريكي
الموقف التركي، يتطابق مع موقف المعارضة السورية وكذلك الرؤية الأوروبية وصولاً للقناعة الأمريكية، بضرورة عدم إجبار أهالي شمالي سوريا على الانضمام تحت راية الأسد عبر استخدام القوة العسكرية المفرطة، ولا يمكن السماح بتشريدهم.
إضافة إلى التحذيرات الأممية من إمكانية نزوح مليوني سوري نحو الداخل التركي، والجميع يعلم بعدم قبول كل هؤلاء الجلوس في الأراضي التركية، وفي حال حصول ذلك، فأوروبا أمام كارثة لجوء جديدة قد يبلغ تعداد من ينخرط فيها مليون مهجر سوري، ومن هنا نرى الجميع يساند الموقف التركي حول رؤيته لمستقبل المنطقة، والحديث هنا للعميد رحال.
وصمود الجيش السوري الحر في المعارك رغم عدم التكافؤ في القوة العسكرية بين الطرفين يعود لسببين، الأول: ليس لديه خيار سوى الدفاع ولا طريق أمامه عدا القتال، والسبب الآخر: هو الدعم الذي حصل عليه سواء المقدم من الجانب الأمريكي أو التركي، استطاعوا من خلاله تثبيت الموقف وقلب المعادلة واستلام المبادرة.
واستطرد قائلاً: فيما يخص الأسلحة المخصصة للدفاع الجوي، فرأى العميد الرحال، أنها غير موجودة، أو أنها متوفرة منذ أوقات سابقة وربما تمت صناعتها محلياً، ولم يستبعد تسليح الجيش السوري الحر بمثل هذه الأسلحة في حال استمر الجيش الروسي بالعناد والعودة لاستخدام الحل العسكري شمالي سوريا.
اتهام تركيا
وعلى غير المعتاد، خرجت الوسائل الإعلامية الروسية بأقوال جديدة تجاوزت الحدود السورية لتصل إلى الجانب التركي، حيث قالت وكالة “سبوتنيك” الروسية: “الدعم التركي للمجموعات المسلحة بدأ يأخذ منحى جديداً في الآونة الأخيرة ويتسم بالتسليح النوعي، مثل صواريخ التاو والكورنيت، بالإضافة إلى مضادات الطائرات المحمولة على الكتف”.
الوكالة التي أكدت خبر إصابة المقاتلة الروسية بريف حماة قبل أيام، اتهمت تركيا بالوقوف وراء الطائرات المسيرة التي تستهدف قاعدة حميميم العسكرية الروسية في الساحل السوري، وكذلك تزويد المعارضة السورية بالآليات والمصفحات عبر البوابات الحدودية.
المصدر: القدس العربي