أمين العاصي
يكشف الهجوم الذي بدأته فصائل المعارضة السورية، أمس الثلاثاء، على مناطق واقعة تحت سيطرة النظام والجانب الروسي في ريف حماة الشمالي، أن الموقف يتجه إلى مزيد من التأزيم، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن تفاهماً تركياً روسياً حول مصير محافظة إدلب ومحيطها لا يزال بعيد المنال في الوقت الراهن. في المقابل، يؤكد النظام السوري أنه لا يريد مواجهة مع الجيش التركي، الذي لا يزال يستقدم تعزيزات إلى الحدود السورية التركية. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه “قُتل 45 عنصراً على الأقل من قوات النظام والفصائل المقاتلة والجهادية في اشتباكات عنيفة اندلعت فجر أمس، الثلاثاء، إثر هجوم شنته هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل مقاتلة أخرى ضد مواقع لقوات النظام في ريف حماة الشمالي”. وتسببت الاشتباكات بمقتل 31 عنصراً من الهيئة والفصائل مقابل 14 من قوات النظام.
ميدانياً، بدأت غرفة عمليات “الفتح المبين” التي تضم فصائل المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة)، في شمال غربي البلاد، أمس، عملاً عسكرياً على مواقع قوات النظام والمليشيات المحلية التابعة لها في ريف حماة الشمالي، في مسعى لتغيير معادلات الصراع على هذا الريف. وذكرت مصادر في الفصائل أن “مقاتلي المعارضة شنّوا هجوماً على مواقع عدة للنظام في مناطق كفرهود والجلمة والشيخ حديد، بعد تمهيد مدفعي وتفجير عربة مفخخة في تجمّع لمليشيات النظام في وادي العثمان، الواقع بين قريتي تل ملح والجلمة”.
وكشفت المصادر لـ”العربي الجديد”، مقتل العديد من عناصر النظام والمليشيات المساندة لها في الاشتباكات، إضافة إلى تدمير مدفع ميداني لقوات النظام على تلة الشيخ حديد بعد استهدافه بالقذائف المدفعية. وأشارت إلى أن “المعارك تدور على محوري الجلمة وكفرهود”، مشدّدة على أن “فصائل المعارضة تحاول السيطرة على نقاط جديدة واستعادة مناطق كانت قوات الأسد قد سيطرت عليها في مايو/ أيار الماضي”. وبحسب ناشطين محليين، تزامنت الاشتباكات مع غارات جويّة من طائرات النظام الحربية والمروحية والطائرات الروسية على معظم مدن وقرى ريف حماة الشمالي.
من جانبها، ذكرت وكالة “إباء” التابعة لـ”هيئة تحرير الشام”، أن “اشتباكات عنيفة تدور بين فصائل المعارضة وقوات الأسد على محاور عدة في ريف حماة الشمالي، بعد إعلان غرفة عمليات (الفتح المبين) انطلاق معركة جديدة”. من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن “الفصائل المقاتلة تواصل هجومها العنيف على قريتي الجلمة وكفرهود بريف حماة الشمالي الغربي، وسط اشتباكات عنيفة مستمرة مع قوات النظام والمسلحين الموالين لها بدعم روسي، وفي ظلّ استمرار القصف الجوي والبري المكثف من قبل طائرات النظام الحربية والمروحية”.
ووثق المرصد السوري مقتل 9 من مقاتلي الفصائل خلال القصف والاشتباكات، و6 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، مشيراً إلى أن “طائرات النظام الحربية نفّذت غارات جديدة على مناطق في اللطامنة وحصرايا وتل ملح وأبو رعيدة والزكاة وكفرزيتا بريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي”. في المقابل، ذكرت وكالة “سانا” التابعة للنظام، أن قوات الأخير “أحبطت هجوم مجموعات إرهابية على النقاط العسكرية في محور تل ملح بريف حماة الشمالي ودمّرت آلياتها وعتادها، بينها عربة مصفحة في وادي العثمان”، مشيرة إلى أن “المجموعات الإرهابية اعتدت بالصواريخ على بلدات كرناز والحماميات والشيخ حديد وكفرهود والجديدة والجلمة بريف حماة الشمالي”.
ويبدو أن هجوم الفصائل في شمال غربي سورية، يظهر استعادتها زمام المبادرة بعد الضربة التي تلقتها في مطلع مايو/ أيار الماضي، بل أوحت بامتلاكها القدرة على مباغتة قوات النظام والمليشيات المحلية المساندة لها واستنزاف قدراتها. وذكر قيادي في الفصائل المهاجمة لـ”العربي الجديد”، أن “الهجوم يستهدف توسيع دائرة الصراع وتكبيد قوات النظام خسائر جديدة تضاف إلى خسائرها الفادحة التي مُنيت بها خلال الشهر الحالي في جولات قتال عدة”، مضيفاً: “أثبتت الحملة من قبل النظام وداعميه الروس فشلها الذريع من خلال صمود الفصائل. هدفنا هو تحرير أراض جديدة وتعطيل خطط الروس والإيرانيين في الهجوم على المناطق المحررة”.
ورفض القيادي في الجيش السوري الحر العميد فاتح حسون، الخوض في تفاصيل وأبعاد هجوم الثلاثاء، لافتاً في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “محاور الهجوم وتكتيكاته سرية غير معلنة”. غير أنه لفت إلى أن “اتخاذ قرار الهجوم المتتالي بعد صدّ هجوم القوات المعتدية من محاور جديدة، يجعل العدو يتخبّط ولا يتوقع خطوات تطوير المعركة، لا سيما في حال تحييد الطيران بسبب الالتحام المباشر”. واعتبر حسون أن “المعارك التي تجري منذ أكثر من 40 يوماً، هي معارك استنزاف دخلت بها قوات النظام وروسيا وإيران”، مضيفاً أنها “ستؤدي إلى إجبارهم على العودة للتهدئة، وربما الانسحاب إلى حدود منطقة خفض التصعيد. وهذا ما تعمل الفصائل الثورية مبدئياً على محاولة تحقيقه بكل تصميم وإرادة”. وأشار إلى أن “خسائر قوات النظام فادحة”، مضيفاً “هناك تقدماً للثوار في مناطق هامة، على الرغم من التدخل الكثيف للطيران الروسي، والزج بقوات إضافية من قبل النظام في المعركة”.
ويدفع الهجوم الذي تشنه فصائل المعارضة السورية إلى الاعتقاد بأن تفاهماً تركياً روسياً حول مصير محافظة إدلب ومحيطها لا يزال بعيد المنال. وترغب تركيا في العودة إلى التهدئة التي كانت موجودة وفق اتفاق سوتشي، كي لا تجد نفسها وجهاً لوجه مع موجات لجوء كبرى، إذ يضمّ شمال غربي سورية نحو 4 ملايين مدني، ربما يدفعهم القصف المستمر إلى اجتياز الحدود السورية التركية. وتطالب أنقرة بعودة قوات النظام إلى نقاط تمركزها قبل مايو الماضي، في حين تريد موسكو تثبيت وقف إطلاق النار وفق خارطة السيطرة الحالية، أي خروج 18 مدينة وبلدة عن سيطرة فصائل المعارضة السورية. وكانت فصائل المعارضة قد شنّت هجوماً في الفترة الأخيرة على قوات النظام، وسيطرت على منطقتي تل ملح والجبين في ريف حماة الشمالي، اللتين حاول النظام استرجاعهما أكثر من مرة إلا أنه فشل في ذلك.
إلى ذلك، أعلن وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، أمس، أن نظامه “لا يريد أن يرى مواجهة مسلحة بين جيشي سورية وتركيا”. ونقلت وكالة “سانا” التابعة للنظام عن المعلم قوله خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي في بكين، إن “إدلب محافظة سورية وسيتم القضاء على التنظيمات الإرهابية فيها”، مدّعياً أن “تنظيم جبهة النصرة الإرهابي يسيطر على معظم مساحة محافظة إدلب، ويتخذ المدنيين دروعاً بشرية، ومن حق وواجب الدولة السورية تخليص مواطنيها من الإرهاب”. مع العلم أن طيران النظام ومدفعيته قتلا وشرّدا عشرات آلاف المدنيين في ريفي حماة وإدلب منذ بدء التصعيد العسكري من قبله، مطلع فبراير/ شباط الماضي. بموازاة ذلك، ذكرت وكالة “خبر ترك”، أمس، أن “الجيش التركي أرسل، يوم الاثنين، تعزيزات عسكرية جديدة إلى منطقة هاتاي الحدودية مع سورية، تضم عدداً من قوات الكوماندوس والعربات المدرعة”.
المصدر: العربي الجديد