هبة محمد
تكبدت قوات النظام السوري والميليشيات المدعومة من قاعدة «حميميم» العسكرية الروسية في سوريا، خسائر عسكرية فادحة بعد فشلها مرات عدة في إحداث خرق بري في مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية، والتي نجحت من جانبها بإصابة مقاتلة عسكرية لدمشق، بعد استهدافها بصاروخ مضاد للطيران.
وقتل نحو مئة عنصر من قوات النظام والفصائل المقاتلة بينها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) الجمعة، خلال اشتباكات مستمرة بين الطرفين في شمال غربي سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان في حصيلة جديدة.
واندلعت فجر الجمعة معارك عنيفة في ريف حماة الشمالي، الذي يخضع مع محافظة إدلب ومناطق مجاورة لاتفاق روسي تركي نصّ على اقامة منطقة منزوعة السلاح، لم يتم استكمال تنفيذه. وأحصى المرصد مقتل 96 عنصراً على الأقل من الطرفين، هم 51 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها مقابل 45 من الفصائل المقاتلة، منذ فجر الجمعة، خلال اشتباكات مستمرة بين الطرفين. وكانت حصيلة أولية أفادت بمقتل 71 عنصراً من الطرفين.
تصفيات ميدانية
واعتمد النظام السوري على الأسلحة الثقيلة في المعارك أمس ومنها راجمات الصواريخ وصولاً للغارات الجوية قبيل البدء بهجوم واسع من محاور عدة على مواقع المعارضة في تل ملح والجبين في ريف حماة الشمالي، إلا أن عناصره المدعومة بالميليشيات التابعة لروسيا اصطدمت بتحصينات المعارضة، مما أدى لوقوعهم في كمائن للفصائل المعارضة، وسقوط عشرات القتلى في صفوف القوات المهاجمة، الأمر الذي اضطرها للانسحاب من دون تحقيق أي انجازات عسكرية.
الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير، النقيب ناجي مصطفى، تحدث عن «إفشال خمس محاولات تقدم للنظام السوري رغم كثافة النيران، انتهت بمقتل 50 عنصراً من المهاجمين، وضعفهم من الجرحى». في حين أكد قائد ميداني من المعارضة، نجاح غرفة عمليات «الفتح المبين» من إصابة طائرة حربية للنظام السوري، في ريف حماة الشمالي، مما أجبرها على الهبوط اضطرارياً في مطار حماة العسكري، وأضاف المصدر لوكالة «إباء»، إن طائرة من نوع (لام 39) وقد تم استهدافها بصاروخ مضاد للطائرات.
وسائل إعلام محلية نقلت من جانبها عن مصدر عسكري في الجبهة الوطنية المعارضة، رصدهم اتصالات بين غرفة عمليات النظام السوري، تشير إلى قيام عقيد يتبع لـ «القوات الخاصة – الفرقة 14» بإعدام 15 عنصراً على مدخل بلدة «تريمسة» في ريف حماة، بسبب عصيانهم الأوامر العسكرية ورفض العودة إلى الجبهات الأولى في تل ملح بعد فشل المحاولات العسكرية وسقوط أعداد كبيرة منهم بين قتيل وجريح.
من جانبه أرجع القيادي في جيش العزة، العقيد مصطفى بكور في اتصال مع «القدس العربي»، صمود فصائل المعارضة حتى اليوم بريف حماة رغم شدة القصف الجوي والصاروخي والحملات البرية إلى تكاتف التشكيلات العسكرية تحت غرفة عمليات مشتركة. وأضاف أن الفصائل جميعها مستمرة بالعمل المشترك والتنسيق لكسر شوكة الهجمات الروسية – الإيرانية، وقد نجحوا حتى الساعة، متوقعاً، أن الايام القادمة ستحمل في جعبتها معارك أشد من الحالية على الجانبين، ومتوعداً الميليشيات التابعة للجيش الروسي بهزيمة جديدة.
كما استبعد المسؤول العسكري في جيش العزة توجه روسيا أو النظام السوري إلى خيار الحرب الشاملة ضد الشمال السوري، معللاً ذلك بـ»عدم امتلاكهم لقوات برية كافية وذات خبرة لقتال المعارضة، والاعتماد على أبناء المصالحات والمأجورين»، الاكتفاء بسياسة استهداف المدنيين وتهجيرهم والضغط عليهم بالخيار العسكري من أجل التأثير على الفصائل العسكرية وصمودها في ريف حماة. وصنف القيادي المعارض، تعمد النظام السوري مهاجمة نقاط المراقبة التركية في منطقة خفض التصعيد ضمن خانة «ممارسة ضغوط روسية على تركيا لدفعها للتدخل وإيقاف هجمات المعارضة على قوات النظام والميليشيات الموالية لموسكو».
المرصد السوري لحقوق الإنسان، أشار من جانبه إلى تنفيذ مقاتلات النظام السوري أكثر من 195 غارة جوية خلال أمس الجمعة، في حين وصلت أعداد القذائف الصاروخية والمدفعية المطلقة من قبل القوات المهاجمة إلى 910 قذائف على محوري تل ملح والجبين في ريف حماة الشمالي. كما وثق المرصد مزيداً من الخسائر البشرية جراء المعارك العنيفة، حيث ارتفع إلى 51 على الأقل تعداد قتلى قوات النظام والميليشيات الموالية لها ممن قتلوا خلال الاشتباكات العنيفة والقصف، بالإضافة لاستهداف آليات لهم في المحورين، فيما ارتفع إلى 45 تعداد المقاتلين الذين قضوا وقتلوا خلال قصف جوي وبري بالإضافة للمعارك، بينهم 29 من الجهاديين، وعدد الخسائر البشرية مرشح للارتفاع لوجود عشرات الجرحى بين الطرفين بعضهم في حالات خطرة. ومع سقوط المزيد من الخسائر البشرية يرتفع إلى 2060 شخصاً الذين قتلوا منذُ بدء التصعيد الأعنف على الإطلاق ضمن منطقة «خفض التصعيد» في الـ 30 من شهر نيسان الفائت.
معركة مختلفة
وبعد التدخل العسكري الروسي لصالح النظام السوري، شهدت الثورة السورية خسارة العديد من المواقع الاستراتيجية للثورة السورية كـ»ريف دمشق- درعا- حمص، وحلب» والتي غيرت بسقوطها المعادلة السورية وخلطت الأوراق، لتعتبر معركة الشمال السوري المستمرة، الأولى من نوعها من حيث صمود وتصدي المعارضة السورية ضد قوات النظام والميليشيات الداعمة له، مما جعل الحرب هناك تندرج ضمن خانة «الاستنزاف» لكلا الجانبين، ومحاولة كل طرف قضم ما يمكنه من جغرافيا الخصم. وهنا، يقول القائد الميداني في الجبهة الوطنية للتحرير المعارضة حسام سلامة لـ «القدس العربي»: في حرب الشمال، نحن أمام مراحل عدة، الأولى كانت مرحلة «الصدمة» بعد الهجوم البري للنظام، لكن المعارضة نجحت في امتصاص الصدمة العسكرية بشكل سريع بعد سقوط ثماني مناطق بيد النظام السوري، بعضها كان ساقطاً نارياً في الأصل. بعد ذلك، دخلت المعارضة مرحلة صد الهجمات وايقاف التقدم البري، مما أدى إلى إفشال كل الحملات البرية ومنع سقوط المزيد من المواقع بيد القوات المهاجمة.
أما المرحلة الأخيرة، فكانت مفصلية في أسابيع الصراع، وتمحورت حول انتقال التشكيلات العسكرية إلى الهجوم وتسلم زمام المبادرة عسكرياً، مما أدى إلى انتزاع مناطق ومواقع عسكرية من قبضة النظام والميليشيات الروسية، ونجحت المعارضة هنا بالثبات والحفاظ على بعض تلك المواقع رغم شدة القصف، وقسم آخر منها تم الانسحاب منها نتيجة لانكشاف المناطق. لكن هذه العملية، وفق «سلامة» غيرت الكثير في المواجهات، وأسست لمنعطفات جديدة لم تكن حسبان قوات النظام السوري وداعميه، معتبراً أن استمرار الضغط العسكري على المعارضة سيولد مرحلة حديثة قد تتمحور حول تحرير مواقع من قبضة النظام.
المصدر: القدس العربي