أحمد مظهر سعدو
لم يجتمع الشعب السوري، ومنذ انطلاقة ثورته الظافرة، ثورة الحرية والكرامة التي انطلقت أواسط آذار/ مارس 2011 كما اجتمع اليوم على نموذج يحتذى، هو من أجمل نماذج الثورة السورية، عشقها وأحب العمل في سياقاتها، من أجل وطن سوري خالٍ من آل الأسد، ومنعتق من كل أنواع الضيم، والاستبداد، وهدر إنسانية الانسان التي طالما مشى بها وعبرها نظام الإجرام الأسدي عبر ما يزيد عن 49 عامًا، هو عمر سرقة السلطة السورية من قبل حافظ الأب، وتوريث ابنه من بعده، بمباركة أميركية، واستمرارًا لدوره الوظيفي سيء الذكر.
برحيل عبد الباسط الساروت تخسر الثورة السورية، رجلاً من أهم رجالاتها، وشابًا من خيرة شبابها، وحالة متميزة، سيذكرها التاريخ، تاريخ السوريين، بل تاريخ الشعوب الثائرة برمتها.
عن الساروت ودوره وحجم الفراغ الذي يمكن أن يتركه هذا الرحيل، كان أن استوقفت صحيفة إشراق مثقفين سوريين لتقف معهم عن رأيهم في الساروت ورحيله اليوم وحجم الفراغ الذي حصل.
الدكتور عماد برق وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة قال ” إن سبب التفاف الجماهير حوله أنه يتمتع بشعبية قل مثيلها في أوساط الثورة السورية، منذ بداياتها عام 2011، وعندما كان يصدح بالأغاني الوطنية والثورية، ويشارك في المظاهرات، التي أخذت طابعًا مدنيًا منذ الساعات الأولى للثورة ضد نظام الأسد، ونظرًا لما يتمتع به من صوت شجيّ عفوي يعبّر عن نضاله وكفاحه الثوري من خلال إنشاد المقاطع الغنائية السياسية الثائرة، والتي أطربت جمهور الثورة، لكن غيابه عن ساحات الثورة ستوحد السوريين، وتزيد الهمم”.
السيد عمار طاووز أكد لإشراق: الالتفاف الجماهيري مؤشر خير في إعادة بث روح الثورة من خلال ذلك. وكذلك محاولة للتجمع حول رمز ثوري رحل عنا “. ثم قال ” لابد من الاهتمام ببناء صف ثاني وثالث في الأعمال الثورية كلها لضمان عدم حصول فراغ مفاجئ”.
أما الدكتور محيي الدين بنانا وزير سابق في الحكومة السورية المؤقتة فأكد لنا أن ” استشهاد البطل عبد الباسط الساروت رحمه الله ماهو إلا تأكيد على استمرارية الثورة السورية المباركة وأنه ما يزال هناك ثوار مخلصين وهبوا أنفسهم للثورة والوطن وقد طلبوا الشهادة وأصروا عليها ونالوها، وقد فقدنا في المعارك الأخيرة العديد من الشهداء الشرفاء، والساروت كان رمزًا من رموز الثورة فهو حارس المرمى الحائز على ثاني أفضل حارس مرمى في آسيا و كان المنشد للثورة، والذي كان يوقد الحماس في صفوف المتظاهرين منذ قيام الثورة حتى الآن، بالإضافة إلى أنه شكل فصيلًا عسكريا للدفاع عن أهالي حيه في البياضة بحمص، ثم التحق بجيش العزة ليشارك في معارك الشرف ضد الاحتلال الروسي والاستبداد الأسدي، كل هذا التاريخ المشرف للساروت جعل الناس الشرفاء متعلقين به واعتبروه رمزًا فعالاً لهذه الثورة” .
الطبيب السوري حسين عتوم قال ” تستوقفني حياته وكثرة محطاتها وتستوقفني جنازته والنهر البشري الهادر الذي يحمله، وكأن المشهد يقول: شاب لا يزال في مقتبل العمر يبكيه الملايين وينعيه الملايين وتهواه الملايين ورؤساء وملوك لمدة تفوق عمر الساروت؛ يلعنهم الملايين فأين الغنى الحقيقي والملك الحقيقي “.
الدكتورة هدى زين أستاذة علم الاجتماع في جامعات ألمانيا رأت أن ” من يتخيل الثورة كتلة صخرية صلبة من أخلاق خالصة ونقية فهو ليس إلا مستهلكاً لنظرية محفوظة في الثلاجة لا تصلح للسيولة والحركة والتجربة. الثورة محكومة بصيرورة تناقضاتها وتفاعلات مؤثراتها وأزماتها الناجمة عن كل عوامل تطورها. الثورة ليست مطراً جميلاً ينزل من السماء.. إنها لا تستبعد ولا تستثني السقوط والانحراف أو فقدان البوصلة. وبحسب تطورات مراحل الثورة والحرب والعنف والقوة والضعف يُعاد تشكيل وعي حاملي هذه الثورة كل حسب ذاتيته وتموضعه داخل أو خارج أو على حافة الثورة. وأضافت ” من السذاجة والجمود والإجحاف أن نُحمل الساروت الإنسان طاقة وعي فوق اجتماعية وكأنه مطر ساقط من السماء. لا يمكن للساروت إلا أن ينضح بتناقضات واقع ثورته لأنه كان يسبح في تياراتها ولم يغرق فيها. الساروت ثائرٌ لم يُهزم لأنه ظل يقاوم. كان ثائراً على الأرض يتلون بسياقات ثورته وليس طائراً فوقها مُسقِطاً عليها أحكامه الخالصة. من يحكم على تحولات صيرورة هذا الثائر بأحكام قاطعة اعتماداً على نظريات الثلاجة يستبعد عمليًا فكرة التطور المرتبطة بمراحل الثورة وأزماتها. الساروت رمز لشعلة الحياة التي يجب أن لا تنطفئ”.
أما الكاتب الفلسطيني تيسير الخطيب فقال ” كم ميت حي، وحي ميت شتان بين الحي والأموات، عبد الباسط الساروت، يحمل في اسمه كما في حضوره كما في غيابه، كل معاني العطاء والفداء والتضحية كما في كل كلمة عبر فيها عما يجيش في صدره ويعتمل في روحه ووجدانه، في كل أغنية أو أهزوجة أو هتاف، عبر معاني المحبة والوطنية والإخلاص. عبد الباسط لم يغب عنا روحًا وتوقدًا وفكرة وثورة، عبد الباسط البسيط ابن الشعب السوري البار، في استشهاده وغيابه الجسدي، ما غاب أبدًا وما رحل، تكرس في عقولنا ووجداننا وضمائرنا إنسانًا حرًا نزيهًا قرن القول بالعمل، والشعارات بالعرق والجهد والدم والتضحية، إنه أيقونة من أيقونات الثورة السورية العظيمة، كأبي فرات وحجي مارع وفدوى سليمان وباسل شحادة وباسل خرطبيل وغياث مطر. هؤلاء الأبطال، لم ينتجهم الاعلام ولا الصحف ولا الفضائيات، ولم تشهرهم سلطة أو مال، هؤلاء أناس عاديون جدًا، بسطاء جدًا، محبون جدًا، مخلصون كثيرًا، أوفياء بلا حدود، كرماء حتى الشهادة. هؤلاء لم يعرفوا الأجندات والبروباغندا، والبراغماتية، والمناورة والسمسرة. هؤلاء عربون حريتهم وحرية شعبهم، جعلوا منها قيمة عليا لا تعلوها قيمة، فرصدوا حياتهم حاضرهم وماضيهم ومستقبلهم في خدمتها. لم يكذبوا شعبهم ولم يخذلوه فالرائد لا يكذب أو يخذل أهله. تضيق الكلمات مهما اتسعت في وصفه وأقرانه من أيقونات ثورة الحرية والكرامة، ولا يمكن لأدب أو فن مهما علا شأنه أن يواسي خسارتنا له ولأقرانه، ولن يعطيهم أدب أو فن حقهم، لربما فقط انتصار ثورة الحرية والكرامة هو ما يمكن أن يعوض ويكون عزاء لنا في استشهادهم. صفحات ناصعة من التضحية والعطاء والفداء ستبقى نبراسًا للثائرين في كل زمان ومكان، ماتوا شهداء حتى يهابهم أعداؤهم. أعداء الحرية. لأنهم سيعيشون في قلوب الملايين ما بقيت.
الطبيب تغلب الرحبي تحدث قائلًا ” دروس لا بد من استخلاصها والاستفادة منها بعد استشهاد الساروت. حيث كشفت الموجة العارمة التي تفاعلت مع استشهاد الساروت والتي تجاوزت عدة ملايين أن الثورة ما زالت حية ومتوقدة في قلوب وعقول الملايين من السوريين وإن هؤلاء يمكن أن يتوحدوا كما توحدوا في تفاعلهم مع استشهاد الساروت. ورب سؤال: لماذا توحدوا مع الساروت ولم يتوحدوا مع غيره من العشرات أو المئات من الأفراد أو الهيئات أو المنظمات التي ادعت أو تدعي تمثيل الثورة خلال سنواتها. لقد كشف استشهاد الساروت مدى البون الشاسع بين قدراتهم العقيمة وبين الشعبية الجارفة للساروت. عوامل عديدة منها أن الشهيد الساروت كان شابًا وعفويًا وصادقًا وذو شعبية أثناء المرحلة السلمية وكاريزما والأهم من ذلك أنه شارك بالثورة منذ بدايتها بكل مراحلها وعثراتها وأخطائها ولم يغادر سورية مع أنه كانت لديه فرص عديدة ومبررات كثيرة، منها إصابته عدة مرات في المواجهات المسلحة مع النظام ومن والاه وكان يستطيع أن يستثمر شعبيته للتكسب وتمثيل الثورة في الخارج دون أن يلومه أحد فقد قدم الكثير وقدمت عائلته الكثير من الشهداء، فقد استشهد والده وثلاثة من أشقائه، وأمه الصابرة تحتاج إليه لرعاية الأحفاد. كل هذا لم يثنه عن المضي بالجهاد وقرن القول والأغنية بالفعل والمضي في درب الشهادة. “
ويبقى السؤال: هل يستوعب السوري المناهض لحكم الاستبداد هذا الدرس جيدًا؟!
المصدر: صحيفة إشراق