جابر عمر
منذ أكثر من عام، أسس ملف صواريخ “أس 400″ التي اشترتها تركيا من روسيا خلافاً قوياً بين أنقرة وواشنطن، مؤدياً إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين، أوجدت مخاوف من تصاعدها وصولاً إلى ضرب العلاقات الموصوفة بـ”الاستراتيجية” بين البلدين، في ظل تهديد الجانب الأميركي بفرض عقوبات على تركيا، تبدأ بمنع تسليمها مقاتلات “أف 35” المتطورة، مروراً بعقوبات بالاعتماد على قانون “كاتا” الأميركي الذي يفوض بفرض عقوبات على الدول الثالثة، التي تخرق عقوبات أميركية مفروضة على بعض الدول، ومنها روسيا، وانتهاء بمراجعة وجود تركيا في حلف شمال الأطلسي. وبعد حديث العديد من المسؤولين الأتراك عن قرب تسلم بلادهم هذه المنظومة الروسية، ومنهم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي قال قبل أيام إن “عملية التوريد يجب أن تبدأ الأسبوع المقبل”، ذكرت محطة “خبر تورك” التلفزيونية الخاصة، أخيراً، أنه “سيتم تحميل أول دفعة من منظومة أس 400، التي اشترتها أنقرة، على طائرات شحن يوم غد الأحد وستصل إلى تركيا في وقت ما الأسبوع المقبل”. وأضافت أنه “من المتوقع أن يصل الفريق الفني الروسي الذي سيشرف على تركيب المنظومة إلى تركيا بحلول يوم الإثنين”.
في المقابل، فإن الموقف الأميركي من الصفقة عبّر عنه الرئيس دونالد ترامب، الذي أكد في تصريحات صحافية على هامش قمة العشرين التي جرت الأسبوع الماضي في اليابان، أن “تركيا لديها الحق في شراء الصواريخ الروسية، بعد تمنّع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في بيع تركيا صواريخ باتريوت الأميركية”. كما أكد أردوغان أنه “سمع من ترامب نفياً لأن تكون لديه النوايا لفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها الصواريخ الروسية”، على الرغم من أن وزارة الدفاع (البنتاغون) أوقفت برنامج تدريب الطيارين الأتراك على مقاتلات “أف 35″، وحذر أنقرة من عقوبات في رسالة وجهها وزير الدفاع بالوكالة سابقاً باتريك شاناهان، لنظيره التركي خلوصي آكار.
المبررات التركية لشراء الصواريخ تندرج في نقطتين، داخلية تتعلق بحاجة البلاد لنظام حماية جوية في وقت باتت فيه صواريخ أرض-أرض في متناول كل التنظيمات في العالم، وحديث أنقرة عن مخاطر وجود “وحدات حماية الشعب” الكردية جنوب البلاد في شمال سورية، التي سبق أن استهدفت تركيا بالصواريخ، ما أدى لسقوط ضحايا مدنيين. كذلك تستشهد بما يحصل في السعودية من قصف تتعرض له من قبل الحوثيين يطاول مرافق المملكة الحساسة، بينما لدى الرياض صواريخ “باتريوت” الرادعة، فاعتبرت أنقرة أن هناك حاجة داخلية يجب توفيرها من أي سوق. وعندما تمنّعت واشنطن عن تزويدها بـ”باتريوت” لجأت إلى موسكو التي وفّرت لها منظومة الصواريخ بشروط مناسبة.
كما أن إدارة ترامب قدّمت عروضاً لبيع صواريخ “باتريوت” بشروط أصعب بكثير من الشروط الروسية، فأسعار الروسية أقل بالنصف، وتبلغ نحو مليار ونصف مليار دولار، فيما الأميركية تبلغ 3 مليارات. كما أن واشنطن طلبت مليار دولار كدفعة مقدمة، فيما قبلت موسكو بأن تدفع أنقرة على شكل قروض، والأمر الأهم أن الصواريخ الروسية تتضمن نقل التقنيات، الأمر الذي رفضته الولايات المتحدة، وفرضت إدارة ترامب شرطاً مسبقاً بالتخلي عن الصواريخ الروسية، ولكن هي صفقة منتهية بالنسبة لتركيا.
أما الشق الخارجي الذي تستند إليه تركيا، فهو وجود دول في حلف شمال الأطلسي تمتلك صواريخ روسية ولا يتم الحديث عنها، وهي اليونان التي تمتلك نظام صواريخ “أس 300″، لذلك تبرر تركيا شراء الصواريخ بوجود حالة مماثلة. كما أن شراء الصواريخ الروسية لن يمنع أنقرة من شراء الصواريخ الأميركية أيضاً، بحجة أن الأمن القومي التركي لديه متطلبات والسلطات مستعدة لشراء ما يسد النقص لديها، غير أن واشنطن تعارض بشدة ذلك، لأنها تعتبر أن الصواريخ الروسية تشكل تهديداً للمقاتلات الأميركية من الجيل الخامس الأحدث في العالم.
ولكن بخلاف ما هو معلن أميركياً، فإن قلق واشنطن الأكبر نابع من خروج أنقرة من المحور الأميركي والدخول في المحور الروسي، وهو ما يشكل انتصاراً لموسكو بكسبها دولة قوية مثل تركيا في صراعها القطبي في العالم، فضلاً عن أن تركيا لا تثق بالوعود الأميركية التي جُرّبت في السابق بسورية، خصوصاً في شرق الفرات وغربه ولم تنجح.
وتراهن تركيا على إمكانية الحصول على الصواريخ الروسية من جهة، وتجنّبها العقوبات الأميركية من جهة أخرى، من خلال نقطتين، الأولى ترتبط بالمحادثات التي يجريها أردوغان مع ترامب، والتي تُظهر تفهماً من قبل الرئيس الأميركي، وتأكيداً على حق تركيا بالصواريخ والمقاتلات التي دفعت ثمنها. ولكن السؤال المطروح هو هل يمكن لترامب وحده التصدي للمؤسسات الأميركية التي لديها مواقف مختلفة وتطالب بعقاب تركيا وحرمانها من المقاتلات، مثل وزارتي الخارجية والدفاع والأهم الكونغرس الأميركي؟ أما النقطة الثانية التي تراهن عليها تركيا، فهي الذهاب للتحكيم الدولي إذا لم يتم تسليمها مقاتلات “أف 35″، فأنقرة دفعت حتى الآن 1.4 مليار دولار من ثمن المقاتلات، آخرها دفعة بقيمة 50 مليون دولار قبل نحو أسبوعين. كما أن تركيا تنتج ما نسبته 6 في المائة من القطع الإلكترونية لهذه المقاتلة، وهي الدولة الأكثر التزاماً بتعهداتها، فعدم تسليم المقاتلات يمنحها الحق في ملاحقة الأمر قانونياً، ويسبب بتعطل برنامج إنتاج المقاتلات، على الرغم من تأكيد أميركا أنها قادرة على إيجاد البديل سريعاً.
وبين الإصرار التركي على شراء الصواريخ الروسية، والتهديد الأميركي بالعقوبات، تسعى أنقرة وواشنطن لحل هذه الأزمة عبر حلول وسط، منها تشكيل لجنة فنية مشتركة، أو عدم تفعيل الصواريخ بعد نصبها، أو إبقاء المقاتلات الأميركية بعيدة عن مداها، لأن واشنطن تعتقد أن إدخال بيانات المقاتلة الأحدث عالمياً على المنظومة الروسية، قد يؤدي إلى الكشف عن أسرارها.
المصدر: العربي الجديد