ميشيل كيلو
قتل هتلر عددا لا يُحصى من الأجانب في كل مكان من أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، ولكنه لم يُرغم أحدا منهم على الهجرة من وطنه. وقتل حزب الله عددا كبيرا جدا من السوريين، كبارا وصغارا، ورحّل الأحياء منهم بعيدا عن مواطنهم، فذهب قسمٌ منهم إلى لبنان، لاعتقادهم أنهم سيلقون معاملةً لائقة بهم كشعبٍ استقبل، قبل أعوام قليلة، مئات آلاف اللبنانيين، كان من الطبيعي أن يقصدوا سورية، حيث عوملوا كإخوة ينتقلون من غرفة إلى أخرى في منازلهم، ولم ير أحد فيهم عبئا ثقيلا يجب رفضه، علما أن أحدا منهم لم يُرسل إلى مخيم أو يسكن في خيمة، على الرغم من أنهم كانوا هاربين من الموت، ومن دون موارد أو أموال تكفي لاستئجار بيوت، والإنفاق على أنفسهم.
أذكّر بهذا، لأن التذكير به ضروري، لتفادي مشكلة كبرى تهدّد بتقويض ما بين الشعبين الشقيقين من علاقات إخاء وتعاضد، في زمانٍ تتربص بهما تحدياتٌ لن توفر اللبناني منهما، بعد أن ربطه حزب الله بإيران، وتعهد بزجّه في حربٍ ليست خياره، لن تبقي ولن تذر، قد تنشب بين طهران وواشنطن وبلدان الخليج العربي، إن شارك الحزب فيها استهدفت إسرائيل بيئته الشيعية التي لا نتمنى لها غير الخير والأمان، ولكن التزامات الحزب الإيرانية قد تقودها مرة أخرى إلى سورية، حيث لا يريد أحدٌ لها أن تُعامل بطريقة تعامل الحزب مع السوريين: الشعب الكريم العزيز الذي لم يسكن الخيام في سورية، ولم يرسل أطفاله للتسول أو للعمل أجراء بلا حقوق، ولم يرتع في نعيم الفقر والجهل، كما يعتقد بعض اللبنانيين، ويجب أن يحظى باحترام كل من تعز الحرية عليه، لأنه ثار من أجلها، وقدم مليون شهيد وأكثر من أجلها، ولم يثر كي يهاجمه حزب الله ويقتل أطفاله ونساءه، ويهجّره إلى لبنان، حيث يلاحقه بحقدٍ قاتل، ويحرّض اللبنانيين عليه زعيم عالم لبنان السفلي، وزير الخارجية جبران باسيل الذي أوصى أمرا إلى مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم بمنع إعطاء أي إقامة للسوريين، وبسحب إقاماتهم منهم في أقرب فرصة ولأي سبب، و”يناضل” كي يعاملهم نظامه مثلما عامل هتلر سجناء معسكراته النازية، ولو استطاع أن يبقى لأبادهم بغاز السيكلون. دفاعا عن لبنان، تفقد تصريحات اللواء قوامها الأخلاقي، وإلا فما معنى اتخاذ قراراتٍ تمنع دفن أي سوري في الأرض اللبنانية، وهل من المستبعد أن يتخذ، من الآن فصاعدا، قرارا يشبه قرارا اتخذته عام 1957 بلدية رامات جان في إسرائيل، إخراج جثمان نمساوي مسيحي من مدفن يهودي، كان قد قصدها للمشاركة في الحرب على مصر، وقتل. يومذاك، سوّغت البلدية قرارها بأن وجوده بين موتى اليهود يزعجهم، كما يزعج السوريون اليوم حزب الله وشركاءه وسفلة لبنان.
سوّغت النازية مواقفها بالدفاع المتطرّف عن مصالح عرقها أو قومها، فكانت النتيجة حروبا كاد يباد فيها عرق هتلر الآري النقي. وبما أن الوزير اللبناني، جبران باسيل، اكتشف فرادة جيناته، فإن مصير لبنان لن يكون مختلفا، في حال تركت قيادته لأمثال الوزير المذكور.
لن يبقي سوري واحد في لبنان، فالسوريون لا يحبون الخيام، ولم يرفضوا الذل في وطنهم ليقبلوه خارجه. لذلك، أطالب، مع الذين دانوا الفاشية الرسمية من مثقفي لبنان، بالتخلي عن النهج الحالي تجاه اللاجئين، لما سيُلحقه الموقف اللاأخلاقي الحالي تجاه السوريين من ضررٍ بشعب لبنان، ولأن مستقبل النازية في مشرقنا قاتم، ولن ينقذها جبران باسيل، وحزب الله الذي يوهم نفسه أنه أنقذ العصابة الأسدية، ودمّر حصن الحرية الحصين: شعب سورية الذي شرب بحر الأسدية وجيشها الطائفي، وصمد ثمانية أعوام ونيفا في وجه إيران وقتلتها المحترفين، وروسيا وجنرالاتها المجرمين، ولن يرهبه حزب الله، ولا جينات جبران باسيل، مهما طال الزمن.
المصدر: العربي الجديد