عدنان أحمد
كثّفت إيران في الأيام الأخيرة من جهودها للإسراع ببدء مشروع خط السكك الحديدية الذي يربط أراضيها بالعراق من جنوبه إلى غربه، وصولاً إلى ميناء اللاذقية السوري، والذي تتطلع طهران لتولي إدارته على شكل استثمار طويل الأمد مقابل إسقاط ديونها على النظام السوري.
وأعلن مسؤولون إيرانيون عزم طهران البدء بمشروع مد سكة حديد تربط إيران مع سورية عبر العراق، ستكون أغلب تكلفته على نفقة الحكومة الإيرانية. وكمرحلة أولى، طلب الرئيس الإيراني حسن روحاني من شركة السكك الحديدية الإيرانية البدء بتنفيذ مشروع سكة حديد الشلامجة-البصرة، والتي تربط الحدود الإيرانية بالبصرة العراقية. وأوضح مساعد وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني خير الله خادمي أن إيران تتفاوض مع الجانب العراقي لاستلام الأرض اللازمة لتنفيذ خط السكة الحديد بطول 32 كيلومتراً، وبكلفة 150 مليون دولار، مطالباً الجانب العراقي بتسريع إجراءات تسليم هذه الأراضي.
وحسب مسؤولين إيرانيين فإن الجزء الثاني من المشروع من الحدود الإيرانية وحتى مدينة البصرة جنوبي العراق، ستكون تكلفته الكاملة على الحكومة الإيرانية أيضاً، ثم تقوم طهران بمد القسم الثالث من البصرة حتى كربلاء ومحيط بغداد ومنها إلى الحدود السورية، وهذا القسم تدفع تكاليفه إيران، على أن تسترد المبلغ لاحقاً من العراق. أما القسم الأخير فهو عبارة عن إعادة تجهيز الخط الحديدي الذي يربط دمشق ببغداد عبر شبكة سكك حديدية تجارية سابقة، تصل أهم المدن السورية، كدمشق وحلب، بمدن الموصل وبغداد العراقية، وهذا القسم ستقوم إيران بدفع تكاليفه بداعي إعادة إعمار سورية من أجل تحقيق مكاسب كثيرة لاحقاً.
وجرت في الأسابيع الأخيرة لقاءات مكثفة بين الطرفين العراقي والإيراني لتسريع إجراءات تنفيذ المشروع وتسلم الأراضي التي سيقام عليها في العراق. وكان الجانب الإيراني قد أنجز خط سكة حديد خرمشهر – الشلامجة داخل الأراضي الإيرانية بطول 17 كيلومتراً في عام 2011، وبقي استكماله من الشلامجة إلى مدينة البصرة بطول 32 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية. ولا تواجه هذا المشروع مشاكل داخل العراق بالنظر إلى نفوذ إيران القوي في هذا البلد، لكن بالنسبة لسورية، فإن إيران تسعى إلى تأمين خط سير الخط الحديدي الذي يفترض أن يبدأ من مدينة البوكمال الحدودية، والواقعة اليوم تحت سيطرة مشتركة لقوات النظام والمليشيات التي تدعمها إيران. ووقعت في الفترة الأخيرة اشتباكات متقطعة بين الطرفين سقط فيها قتلى وجرحى، في إطار محاولة كل منهما السيطرة على المدينة التي تعتبرها إيران نقطة استراتيجية في إطار تحقيق التواصل بين المليشيات الموالية لها في العراق وسورية، خصوصاً مع سيطرة مليشيات كردية على القطاع الشمالي من الحدود بين العراق وسورية، ووجود الأميركيين إلى الجنوب في قاعدة التنف، مع فصائل المعارضة السورية المدعومة من قبلهم. ولا يتبقّى أمام إيران إلا الطريق الأوسط الذي يمر بالبوكمال، ومنها عبر البادية السورية غرب نهر الفرات الخاضعة لسيطرة قوات النظام، وصولاً إلى مدينة حلب، حيث تتصارع إيران هناك أيضاً مع النظام والروس لتثبيت نفوذها في المدينة وريفها، وصولاً إلى ميناء اللاذقية والذي سعت إيران أيضاً لتوقيع اتفاق مع حكومة النظام يمكّنها من إدارته لعقود مقابل إسقاط ديونها على النظام. هذه الرغبة قوبلت باعتراضات روسية قوية لدى النظام، لعدم رغبة موسكو بوجود منافس لها في الساحل السوري بعد أن استحوذت على إدارة ميناء طرطوس لمدة نصف قرن، ولها وجود قوي في اللاذقية أيضاً عبر قاعدتها الرئيسية في حميميم.
وبعد اندحار تنظيم “داعش” من مناطق الشرق السوري، كانت حصة النظام في السيطرة على إرثه من الأراضي محدودة، ووقع أغلب تلك الأراضي بيد المليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، والمليشيات الموالية لإيران، ما جعل الأخيرة في صراع مستمر مع قوات النظام ومليشياته من أجل السيطرة والنفوذ، ليس في مدينة البوكمال وحدها، بل في مجمل المنطقة. ودارت اشتباكات بين الطرفين أيضاً في بعض المناطق الأخرى في محافظة دير الزور، خصوصاً في مدينة الميادين بعد محاولة قوات النظام السيطرة على أجزاء من المدينة من يد مليشيا “لواء الفاطميين” التي تسيطر على المدينة.
وإضافة إلى البعد الاقتصادي لهذا المشروع، الذي سيتيح تحقيق صلة حيوية بين ثلاث دول متجاورة تخضع للحصار والعقوبات أو القيود التجارية والمالية، فإن له بعداً سياسياً وجيوستراتيجياً لا يقل أهمية. وكان مستشار المرشد الأعلى الإيراني اللواء يحيى صفوي قال، خلال اجتماعه بمسؤولين في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران، إن محور إيران والعراق وسورية هو “اقتصادي وسياسي وأمني ودفاعي”، معتبراً أن العراق وسورية هما “المكملان الاستراتيجيان لإيران”، مضيفاً “تستطيع الأسواق العراقية والسورية ذات الـ60 مليون نسمة أن تكون هدفاً للصادرات الإيرانية، وبالإمكان رفع طاقة التصدير الإيرانية إلى العراق من 10 مليارات دولار في العام الماضي إلى 20 مليار دولار”. ولفت إلى أنه في حال إنجاز مشروع الربط السككي، فسوف ترتبط آسيا الوسطى بالعراق وسورية إلى البحر المتوسط عبر الأراضي الإيرانية، موضحاً أن هذا المشروع يبلور مفهوماً جيواقتصادياً يعود بمليارات الدولارات من عوائد “الترانزيت” لإيران.
ويُعتبر الممر البري هدفاً رئيسياً لإيران، إذ يضمن لها طريق إمداد لنقل الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان، كما سيسهل حركة المليشيات التي تدعمها، إضافة إلى كونه طريقاً تجارياً بديلاً عن مياه الخليج. وكانت قناة “فوكس نيوز” الأميركية قد نشرت أخيراً صوراً تشير إلى أن إيران تبني معبراً جديداً في البوكمال المقابل لمعبر القائم العراقي، مشيرة إلى أن المعبر الحالي ما زال مغلقاً، فيما اعتبرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في مارس/ آذار الماضي، أن هذا المعبر سيكون فرصة لإيران من أجل تخفيف الأضرار الاقتصادية التي لحقت بها نتيجة العقوبات الأميركية.
وتعتبر قوى سياسية سورية معارضة أن مشروع الربط السككي يكرس هيمنة إيران في سورية والعراق. وقال المحلل السياسي شادي عبد الله، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن إيران تتطلع على المدى المنظور لأن يتيح لها المشروع القدرة على تحدي العقوبات الأميركية المفروضة عليها منذ سنوات من خلال وجود إطلالة لها على البحر المتوسط. وعلى المدى الأبعد، فإن للمشروع أهدافاً أبعد تتصل بتكريس نفوذها وهيمنتها في هذين البلدين، فضلاً عن محاصرة السعودية من الشمال من خلال السيطرة على العراق وسورية، فيما تحاصرها من الجنوب عبر الحوثيين في اليمن ومن الشرق من خلال التهديدات المستمرة الصادرة عن إيران نفسها عبر الخليج. وأضاف عبد الله أن “العراق ليس في وضع يسمح له برفض مثل هذا المشروع، نظراً لنفوذ إيران الواسع فيه، فضلاً عن تطلعه لأي مشاريع تعزز التواصل مع الجيران لدعم اقتصاده المتدهور، خصوصاً مسألة الوصول إلى البحر المتوسط بوسائل رخيصة، مثل السكك الحديدية”. وفي الجانب السوري، بحسب عبد الله، فإن “النظام يتطلع أيضاً لتفعيل مثل هذا الربط خصوصاً مع العراق، وفق ما أشار إليه وزير النقل في حكومة النظام علي حمود، الذي اعتبر أن السكة هي جزء من برنامج إعادة البنية التحتية، بعدما دمر نحو 1800 كيلومتر من شبكة السكك السورية والتي يمتد جزء كبير منها إلى الدول المجاورة”. واعتبر عبد الله أن “هذا المشروع سيمكّن إيران من إحكام قبضتها على سورية، خصوصاً أن نظام بشار الأسد ليس في موقع الند معها، ولن يستطيع التمسك بحقوق متماثلة بالنسبة لاستغلال والإفادة من هذا المشروع الذي ستستغله طهران في دعم مليشياتها على الأرض في مواجهة النظام السوري نفسه”، مضيفاً “كما سيعزز من النفوذ الإيراني تحت ستار السياحة الدينية والحجاج الإيرانيين والعراقيين، وهو أمر قائم منذ الآن”.
المصدر: العربي الجديد