هبة محمد
بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس في موسكو مع المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسن تشكيل اللجنة الدستورية السورية، إلى جانب البيئة الآمنة المفترضة، والوضع الملتهب في إدلب، وأمور تتعلق بالتوفيق بين جميع أطراف التفاوض لترتيب رؤية مشتركة للعملية السياسية في سوريا.
ومن المعلوم أن لافروف، التقى بالمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، وسط أخبار عن اجتياز مرحلة تفكيك عقدة الأسماء الستة التي كانت مدار تنازع، والدخول في بوابة الإعلان الدستوري الوشيك.
هنا يمكن ان نتساءل هل يمكن أن ندخل في الشوط الاخير من هذا المسار الطويل والمشاورات المعقدة لتأليف لجنة دستورية، حسبما نص مسار جنيف، بعدما حاول النظامان الروسي والسوري تحريف كل ما يخصه من قوانين، من اجل تأمين لجنة طيّعة تؤمن تأهيل وإعادة إنتاج النظام السوري؟
البروفيسور خطار أبو دياب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس والخبير والباحث في الجيوبولوتيك، والمطلع على الملف السوري، قال إن الضغط الروسي قام بحل آخر عقدة حول الاسماء الستة التي كانت محل خلاف وتصادم، ولكن ذلك لا يعني حسب رؤيته ان اللجنة الدستورية «هي نهاية المطاف لان هذا النظام ممكن أن يخترع عقدة إضافية في اللحظة المناسبة، فهو نظام الكل الشيء واللاشيء، لانه غير قابل للإصلاح ولا يقبل التسوية».
وحول سؤال الخبير في العلاقات الدولية عن جدية النية الروسية، في الوصول إلى تسوية فعلية، أو حقيقة قبول موسكو بإعلان دستوري يبصم عليه ويمهد لما بعده من مراحل العملية السياسية، قال إنه يشك في نوايا الروسي معتقداً أن هذا الحل سيكون مفتاحاً لمسار أعقد من سابقه، موضحاً ان الخلاف الاكبر سيكون حول آلية تنظيم الانتخابات ومن ينتخب، وأين، وبإشراف مَنْ، مضيفاً لـ»القدس العربي»: «نحن أمام مسار طويل ومعقد ولا يعني إذا حلت عقدة لعبة اختيار الأسماء فان هذا المسار قد انتهى».
واعتبر ان ما يجري هو تأقلم روسي مع كل تقدم، فموسكو تحاول الضغط في اتجاه تركيب حل سياسي حسبما تيسر، ولكنه لصالح النظام في مطلق الاحوال، «وهذا يخضع لتوازنات، لأن التوازنات ليست مع تركيا فقط، بل تتمثل بقبول الدول الغربية الاخرى، فهي المعنية بالمشاركة في عملية الإعمار من عدمها وهذا ما تريده روسيا، في مرحلة لاحقة».
لذلك، فالملف أمام مجموعة أشياء نظرية، حسب قراءة أبو دياب «لأن المسألة السورية استهلكت حتى الآن مبعوثين دوليين عديدين من كوفي عنان إلى الاخضر الابراهيمي إلى دي مستورا، والآن مضى على غير بيدرسن في مهامه عدة اشهر ولم ينجز اي شيء، نحن دوماً امام الكثير من المماطلة والقليل من الفعل».
«مظلة الأمم»
ومن المفترض ان تعود العملية السياسية إلى مظلة الامم المتحدة، من اجل اطلاق عملية كاملة من جنيف، وذلك بعد نضوج الاتفاق حول اللجنة الدستورية، في اعقاب زيارة غير بيدرسن إلى دمشق قريباً، و اجتماعه بأعضاء هيئة التفاوض السورية في الرياض حسب ما أوضح المتحدث الرسمي باسم الهيئة السورية العليا يحيى العريضي لـ»القدس العربي».
ولكن حول عودة هذه العملية إلى جنيف، او بقاء مسارها بيد الروس، يقول البروفيسور أبو دياب ان الروس يمددون نشاطهم، ليس فقط إلى اتفاقات «استانة» و»سوتشي»، بل مددوا نشاطهم إلى القدس المحتلة، اذ جعل من لقاء القدس الأمني الذي جمع الأطراف الروسية والامريكية والإسرائيلية نوعاً من المسار الاضافي للحل السوري، معتقداً ان «كل شيء يهون عند الروس من اجل عدم الوصول إلى جنيف» لان موسكو تريد ان تمارس الانتداب ولا ترغب برعاية دولية محكمة للحل السوري» حسب رؤيته.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، اعلن الجمعة، أنه تجري دراسة وإعادة نظر في مسألة عقد قمة جديدة لثلاثي أستانة، وقال لافروف خلال لقائه مع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون: «روسيا وتركيا وإيران، باعتبارها الدول الضامنة للاتفاقيات التي تم التوصل إليها بين الحكومة والمعارضة في إطار عملية أستانة، ستواصل جهودها لتحقيق نتائج إضافية من أجل إقامة سلام دائم وآمن في سوريا. وأضاف، قائلاً: «يجري التخطيط لعقد اجتماعات على مستوى المديرين السياسيين في المستقبل القريب، والنظر في مسألة عقد قمة جديدة لثلاثي أستانة».
معالجة بالقطعة
لكن، ومع تقدم ملف تشكيل اللجنة الدستورية، يبقى وضع إدلب الملتهب، نقطة إضافية لا بد من الموقف بخصوص المدنيين فيها، لعدم توفر بيئة آمنة حسب ما نص القانون الدولي، لكن الامر فسره الخبير اللبناني، على أنه يأتي في سياق سياسة معالجة المسألة السورية التي تعالج دوما بالقطعة او بالتدريج، اذ ان اقرار اسباب اللجنة الدستورية، لا يعني اننا امام نهاية المطاف، بل سيكون هناك خلاف على آلية ادارة عمل اللجنة الدستورية، واين ستنعقد، فالعقدة ليست في بيئة ادلب فقط، بل ايضاً في دمشق، فبيئة دمشق غير صالحة في ظل هذا النظام، لعقد اي عمل للجنة الدستورية، وليس هناك مسار لبناء الثقة، فهو يتطلب الكثير من الوقت».
وأمام ما تقدم، يبدو انه ليس الأهم في اللجنة الدستورية، الاعلانات النظرية عنها، بل تطبيقها وخاصة المسائل الاساسية التي تحدد كيف تجرى الانتخابات وتحت إشراف من، ومسألة عودة اللاجئين، لان التغير الديموغرافي هو لعبة تدميرية زادت على تدمير الحجر والبشر. وانتهى المتحدث بالقول إنه لا يمكن القبول بأي حل دون عودة النازحين واللاجئين والمهجرين، ومن ناحية أخرى مسألة اعادة الاعمار التي تأتي في مقام آخر، وكل هذا سيتطلب المزيد من الجهد والمتابعة وسيكون عرضة للتجاذب الدولي والاقليمي قبل التوافق الدولي والاقليمي على هذه المواضيع.
المصدر: القدس العربي