فضيحة قضائية من العيار الثقيل، شهدها قصر العدل في زحلة، تمثّلت باختفاء الملف القضائي العائد لقضية خطف الضابط المنشق عن الجيش السوري، النقيب محمد ناصيف وثلاثة من رفاقه. هذا الأمر يقطع الطريق على محاكمة أربعة عناصر ينتمون إلى “حزب الله” وسرايا المقاومة، متورطين في عملية الخطف، والذين أفرج القضاء عنهم، بفعل ضغط كبير مارسه الحزب على قاضي التحقيق والنيابة العامة في البقاع بعد شهرين على توقيفهم.
من التوقيف إلى القرار الظني
تفاصيل هذه الفضيحة، كشفتها أحلام ناصيف، شقيقة الضابط المنشق محمد ناصيف، التي تقدّمت بواسطة وكيلها القانوني المحامي طارق شندب، بدعوى أمام هيئة التفتيش القضائي، وأخرى أمام النيابة العامة التمييزية، اتخذت فيها صفة الادعاء الشخصي، ضدّ رئيس قلم الهيئة الاتهامية في زحلة، رئيس قلم محكمة الجنايات في زحلة، رئيس قلم دائرة التحقيق في زحلة ورئيس قلم النيابة العامة الاستئنافية في زحلة، وكلّ من يظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً أو محرضاً أو متدخلاً، بجرم إخفاء ملفّ جنائي وسرقة أوراق رسمية.
وأفادت الجهة المدعية، أنها كانت تقدّمت بتاريخ 17 كانون الثاني 2015، بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية، ضدّ عدد من الأشخاص في منطقة البقاع، بجرم خطف شقيقها الضابط المنشق عن جيش النظام السوري محمد ناصيف، وسجلت الدعوى تحت الرقم341 / م 2015، وأحيلت على شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، التي تمكنت من توقيف أربعة أشخاص هم عاصم مرعي، علي عباس الموسوي، بلال أمامة وعمّار المجذوب. وقد اعترفوا صراحة بأنهم اشتركوا مع آخرين في خطف ناصيف وعدد من رفاقه، وقد أحيلت الدعوى على النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، حسب الصلاحية، التي ادعت على الأشخاص المذكورين بجرم الخطف، وتشكيل عصابة مسلحة. وأحالتهم على قاضي التحقيق أسعد جدعون، وقد سجّلت القضية تحت الرقم 372 تحقيق، ورقم نيابة عامة في زحلة برقم 3983/2015 ورود في 8/4/2015.
وبتاريخ 7 كانون الثاني2017، أصدر قاضي التحقيق في زحلة خالد عبد الله، قراره الظني في القضية.
رؤساء الأقلام
لكن المفارقة أنه بعد صدور القرار الظني، اختفى الملف في أروقة قلم دائرة التحقيق والهيئة الاتهامية والنيابة العامة الاستئنافية ومحكمة الجنايات في زحلة، حيث أجرت الجهة المدعية أكثر من 50 مراجعة. وكان الموظفون ورؤساء الأقلام في تلك الدوائر يتبادلون الأدوار، لتغطية عملية سرقة الملف، من دون التصريح بذلك. وكلّ منهم يرمي كرة المسؤولية على زميله، ويزعم أنه سلّم الملف للآخر، وبعد مراجعات دامت أكثر من سنتين، لم يتم التوصل الى نتيجة. عندها، أيقنت المدعية أن الملف جرى إخفاؤه وسرقته، بتغطية ومشاركة الأشخاص المدعى عليهم.
وطلبت أحلام ناصيف من النيابة العامة التمييزية ومن هيئة التفتيش القضائي، التحقيق مع رؤساء الأقلام الأربعة، والادعاء عليهم وملاحقتهم قضائياً مع كل من يظهره التحقيق، وكشف مصير الملف المفقود وإنزال أشد العقوبات بالمرتكبين.
ما اقترفه حزب الله
وكان القرار الظني الذي أصدره القاضي عبد الله، كشف كلّ الملابسات المحيطة بعملية الخطف، وذكرت وقائعه، أن المدعى عليه عاصم مرعي اعترف أنه يملك سيارة فان لنقل الركاب، وأثناء تواجده في منطقة المصنع القريبة من الحدود السورية، حضر إليه المدعى عليه عمّار مجذوب، وسأله عمّا إذا كان بإمكانه نقل أربعة أشخاص سوريين من مجدل عنجر إلى معربون، فاتصل بالمدعى عليه علي الموسوي وسأله عمّا إذا كان يعرف بلدة معربون، فردّ بالإيجاب. وقام بمرافقته مع عمّار إلى مكان تواجد السوريين، وقابل المدعى عليه بلال أمامة، فأخبره الأخير بأن السوريين شرعيين (يقيمون في لبنان بصورة شرعية)، وخلال توجههم إلى منطقة معربون، وفي الطريق سمع علي الموسوي أحاديث أثارت الشبهات، فاتصل بشقيقه حسين الموسوي، وأعلمه بالأمر، فوافاهم الأخير إلى الطريق وصعد معهم في الفان. وتوجهوا فوراً إلى حاجز لـ”حزب الله”، وتبين لهم أن بحوزة السوريين أجهزة الكترونية، وتأكدوا أن محمد ناصيف هو ضابط برتبة نقيب منشق عن الجيش السوري، وجزم المتهم مرعي بأنه تم تسليم ناصيف ورفاقه إلى “حزب الله” نافياً اشتراكه بعملية الخطف.
أما المتهم بلال أمامة الذي نفى تورطه بالخطف أيضاً، أفاد أنه يعمل في مجال تهريب الأجانب من سوريا إلى لبنان، مع شخصين أحدهما يدعى حسين والآخر أيهم، وقد أعلمه الأخير بوجود النقيب المنشق محمد ناصيف في لبنان، وأنه بحاجة إلى إدخاله إلى سوريا، وأن عمّار مجذوب كان موجوداً وأبدى استعداده للمساعدة، وقد أكد عمّار أيضاً، أن الضابط ناصيف ورفاقه أصبحوا بعهدة “حزب الله”، معترفاً بأنه قبض مبلغ 15 ألف دولار أميركي من شقيقة ناصيف بمثابة فدية، مقابل الافراج عن شقيقها، وأبدى استعداده لإعادة المبلغ إلى صاحبته.
واعتبر القاضي عبد الله، أن المدعى عليهم المذكورين، أقدموا بالاشتراك فيما بينهم على خطف السوري محمد عبد الكريم ناصيف ورفاقه وحجز حريتهم، والمطالبة بفدية من أجل إطلاق سراح ناصيف وسلبه أموالاً كانت بحوزته، وألفوا جمعية من الأشرار بقصد ارتكاب الجنايات على الناس بواسطة أسلحة حربية غير مرخصة، وأن أفعالهم تنطبق على الجنايات المنصوص عنها في المواد 569 و335 و336 و636 من قانون العقوبات، التي تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة حتى 15 سنة، وأحالهم على محكمة الجنايات في البقاع (زحلة) لمحاكمتهم.
في المحصلة، الخاطفون، أفراداً أو حزباً، أحرار. وملف القضية مسروق. والمخطوفون مجهولو المصير… في بلد مازال البعض يردد بسذاجة زجلية “دولة القانون والعدالة”.
المصدر: المدن