عبد الرحيم خليفة
في يوم 7حزيران/يونيو 2019 بدأ بريتا حاج حسن رئيس مجلس مدينة حلب الحرة السابق، إضرابًا مفتوحًا عن الطعام احتجاجًا على القتل الممنهج للأطفال، والمدنيين عمومًا، في محافظتي إدلب وحماة، ولإيصال صوت الشعب السوري ومعاناته للعالم قاطبة، جراء همجية الاحتلال الروسي ووحشية نظام المسالخ البشرية، في سابقة هي الأولى منذ اندلاع الثورة في منتصف آذار/ مارس 2011. الخطوة التي بدأها بريتا بمفرده سرعان ما لاقت استجابة واسعة وترحيبًا كبيرًا في أوساط أهل الثورة، حيث بدأت الإضرابات تأخذ طابعًا منظمًا بانضمام آخرين إليه، من المتوقع أن تتزايد أعدادهم في الأيام والأسابيع القادمة وتتسع رقعة توزعهم الجغرافي على امتداد بلاد الشتات والهجرة، لتشمل شبابًا وشابات، رجالًا ونساءً، بعضهم يعانون أمراضًا وحالات صحية خطيرة تهدد حيواتهم، في تعبير هو الأعمق عن روح التحدي والاصرار على متابعة مسيرة الثورة حتى منتهاه، بتحقيق أهداف الشعب السوري في الحياة الحرة والكريمة، وفي ظل نظام ديمقراطي، ودولة عدالة وقانون. الخطوة فاجأت الكثير من الأوساط والمتابعين باعتبارها وسيلة ضغط، غير مجربة من قبل الناشطين والثوار حتى الآن، وكثير من الوسائل التقليدية أصبحت مستهلكة، أو لا تجذب إليها أعدادًا كبيرة من أهل الثورة والمؤمنين بها أمام صمت العالم وتخاذله الرهيب وعدم التفاته لأنشطة احتجاجية باتت مكررة وفي سياق من الرتابة المملة. بريتا حسن شخصية قوية وثورية صادقة ونزيهة ونال عضوية مجلس مدينة حلب الحرة بين 2013_ 2017، وترأس المجلس بين نهايات 2015_ 2017 ورشح لمنصب عمدة مدن العالم ووصل لمراحل متقدمة في عمليات الاختيار والتصويت وبقراره هذا يكشف عن جانب مهم من شخصيته لجهة صلابته ونضاليته. الخطوة تكشف أن السوريين ما يزال لديهم الكثير من الامكانات والطاقات وطرق التعبير في المقاومة، ولا يعدمون الوسائل في استمرارية نهجهم، وتجديد عنفوان ثورتهم، وإعطائها زخمًا كبيرًا كلما ظن البعض أنها تراجعت أو خفت بريقها. الإضراب عن الطعام كفعل مقاومة جرب في حالات كثيرة، وأكثرها تحديًا وشجاعة هي التي تمت داخل المعتقلات سواء لدى قوى الاحتلال(الفلسطينيون في سجون الصهاينة) أو في مواجهة سلطات مستبدة غاشمة( إضرابات السجون التركية بعد انقلاب كنعان إفرين العسكري عام 1980، إضرابات معتقلي الجيش الجمهوري الإيرلندي التي بلغت زروتها عام 1981 ولم تنتهي إلا بوفاة 10 منهم) وهي وسيلة قديمة جدًا تعود إلى ما قبل المسيحية مهدها في إيرلندا، وفي القرن الأخير من عمر البشرية، بدأتها في بريطانيا ماريون دونلوب عام 1909 للمطالبة بإعطاء الإناث حق الانتخاب مساواة بالرجل، وللغرض ذاته وصلت الصيحة المدوية لأمريكا لتعطي نتائج إيجابية ومثمرة، بعد ذلك، لجهة الحقوق والمساواة والحريات عامة.، وأشهر من خاض غمار هذه التجربة الشجاعة المهاتما غاندي الذي ذاع صيته واشتهر بنهجه السلمي في مواجهة الاحتلال البريطاني، وعُد رمزًا عالميًا لهذا الشكل من المقاومة. الخطوة بدأها بريتا حاج حسن في باريس ومن ثم انتقل إلى جنيف أمام مقر الأمم المتحدة الذي يضم المجلس العالمي لحقوق الإنسان في خطوة ذات دلالة مهمة وبسيطة في الآن معًا، هي حث المنظمة العالمية للتحرك ولفت الأنظار للانتهاكات الخطيرة والجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب المرتكبة التي يعاقب عليها النظام الدولي، فيما لو أرادت أو رغبت الدول الفاعلة والمؤثرة فيه، وتمتعت بقليل من الحيادية والنزاهة وطبقت أبسط المعايير الأخلاقية والإنسانية. الشرعة الدولية لحقوق الانسان كفلت للشعوب، وبالطبع الجماعات والأفراد، الحق في المقاومة السلمية ومناهضة أي اعتداء على كرامات البشر أو الحط منها وهو أدنى بكثير جدًا مما يجري من قتل ممنهج واعتداءات صارخة تستدعي تحركات ومواقف أبلغ تعبيرًا وصراحة وصرامة. خطوة النشطاء التي بدأها بريتا رسالة واضحة عن طبيعة الثورة السلمية ومبتدئها عكس ما يريد النظام المجرم وحلفاؤه من قوله عن جماعات إرهابية وفصائل مسلحة خارجة عن القانون، أو أقله عن حرب أهلية ونزاع على السلطة. بريتا حاج حسن ورفاقه المضربون عن الطعام دشنوا صرحًا عظيمًا يجدد الثورة ويعطيها معنى فريدًا يعكس سموها ومشروعية مقاصدها ونبل أهدافها وعظمة المؤمنين بها. إنها ثورة حتى النصر.!
المصدر: صحيفة اشراق