مصعب عيسى
تعتبر الدراما أحد انواع الاعمال الادبية التصويرية والتي مزجت بين الادب وقضايا المجتمع كافة وبين الاعلام من جهة ثانية، ومع تطور وسائط التواصل الاعلامية والرقمية اصبحت كل اعمال الاعلام بما فيها الدراما تتجه باتجاه مسايرة التحديث الرقمي الذي عمّ جوانب الحياة كافة.
ولذلك كانت الدراما بشكل عام صورة الواقع او انطباعاته ثم نقله وترجمته الى الجمهور بطرائق مختلفة كالمسرح والفيلم والمسلسلات والتي تعبر عن قضايا الناس بالدرجة الاولى لأنها من المفترض ان تجسد واقعهم وحياتهم الاجتماعية ومناحي التفكير السياسي السائد او الايدولوجي بين اطياف المجتمع وايضا تجسيد مواقف الناس من القضايا الاجتماعية والسياسية المحيطة بهم
لكن في الدراما السورية كان الامر شديد الاختلاف واكاد ان اجزم ان الدراما اضاعت تعريفها الفني والاخلاقي والجمالي جراء الوصاية الامنية على نصوصها وادوات اخراجها
لن اسهب كثيرا في تفاصيل القبضة الامنية والعسكرية المقامة على سورية مند سبعينيات القرن المنصرم فهدا موضوع شائك وطويل ويحتاج الى مجلدات لشرح حالة الظلم التي مارستها سلطة الامر الواقع على كافة مناحي وجوانب الحياة السورية ومن بينها السلطة الرابعة والاعلام الذي من المفترض ان يكون مستقلا نوعا ما ويساهم في نقد الفساد الاداري والحزبي والمؤسساتي لنظام يدعي العلمانية والاشتراكية ويسترشد بالفكر البعثي القومي العروبي ولكن للاسف فقد مارس النظام حالة الطوارئ على الفن والاعلام مند توليه السلطة
قد يقول القارئ اين سلطة النظام على الاعلام والدراما وهدا الكم الهائل من المسلسلات التي أُنتجت بدعم سلطوي تناقش قضايا اجتماعية حساسة وأحيانا تاريخية وسياسية وما يهمنا هو القضايا السياسية في منظور الدراما السورية
الكل يعلم ان اغلب او كل النصوص الدرامية يجب ان تعرّج على فروع الامن ويتم مناقشتها في خلية ازمة كبيرة ربما اكبر من تلك التي تشكل لردع عدوان خارجي على البلد وبعد المناقشة والتفحيص والتمحيص يخرج النص كحالة المعتقل السوري من زنزانته مسلولا مصاب بفقر عضوي وتلف عصبي وفقدان للذاكرة وهستيريا
نعم هاهو حال النص حين يخرج من فرع الامن فامامه طريقان اما ان يُنتج بالصورة الممسوخة ويعرض على المشاهد باضافاته الامنية او يبقى وحيدا في مكتب السيناريست او الكاتب هذا ان بقي الكاتب حرا او على قيد العمل فالاختفاء وراء الشمس هو نتيجة الخيار الثاني وهذه معادلة حسابات النظام بالتالي فان كل الدراما التي تعرض على الجمهور هي من تعديل وحوار الجهات الامنية المختصة فتسارعت الاعمال الدرامية الموضوعة تحت الوصاية وازداد ريعها ونشاطها في الاونة الاخيرة نزولا عند الولاء للسلطان والفائدة المالية الكبيرة التي تحققه تلك الاعمال والتي لم تناقش يوما حقيقة الصراع البعثي الاسرائيلي بشكل جدي وواقعي
نعم لقد تم انتاج مئات الاعمال التي ناقشت الاحتلال التركي للوطن العربي والاحتلال الفرنسي لسوريا من باب الحارة لشباك الجارة ونصار ابن عريبي وخاتون وغيرها من مئات الاعمال التي صورت بشاعة الاحتلال الفرنسي ومجازره طوال فترة الاحتلال والتي تجاوز بعضها الجزء العاشروالعشرين حتى ان فرنسا يقال انها ندمت على احتلال سوريا من كثرة المسلسلات الشامية والتي اصلا صورت الحياة الدمشقية بطريقة سيئة وان دمشق كانت عبارات عن حارات وزعامات للقبضايات والانغلاق الديني المسرف والتقوقع على الموروث والعادات متناسية النخب الفكرية والاكاديمية الدمشقية والسورية في فترة الاحتلال الفرنسي لكن يبقى السؤال الاهم والادق في حياة الدراما البعثية هو لماذا سقط الجولان من مشاهد الدراما السورية ، نعم هو السؤال الاكثر جدلا في حياة السوريين عامة والنازحين من ابناء الجولان السوري خاصة .
من بين كل الاعمال التلفزيونية لاوجود لعمل درامي واحد يتحدث عن احتلال الجولان ونكسة حزيران التي تسببت بنزوح عشرات الالاف من ابناء الجولان باتجاه المدن السورية الاخرى لماذا لم يتم تسليط الضوء على التغريبة السورية للنازح السوري أسوة بالتغريبة الفلسطينية التي انتجها نظام البعث قبل سنوات طبعا هدا يقع رسميا على قاعدة االتبرير البعثية الغبية ان فلسطين قبل الجولان كما كان يروج حافظ الاسد الذي اسقط الجولان قبيل احتلاله بنص درامي مسرحي متقن الادوار بعنوان البلاغ رقم ٦٦ ليكتمل المشهد المسرحي لاحقا في منع العمليات العسكرية من ارض الجولان ومطاردة العمل الفدائي الدي كان ينطلق سرا من ريف درعا الغربي مرورا باسقاط الجولان من خطابات الحزب والسلطة بشكل تدريجي وومنهج الامر الذي فسره تآمر الاسد على المقاومة الفلسطينية التي كانت ستشكل رادفا لجبهة الجولان السوري لو كان النظام فعلا مقاوما قوميا لكن اللعبة الدرامية التي قادها الاسد واجهزته الامنية بالتعاون مع الغرب والمحتل فرضت عليه تمثيل دور البطل المقاوم الممانع في لعبة الصراع العربي الاسرائيلي التي استمرت حتى هذه اللحظة التي قوّد فيها ابنه على سورية وحولها الى مسرح بورنو سياسي تتناكح على ارضها كل بغايا الارض وملوك الطوائف وتجار الحرب حتى انتهت المسرحية البعثية بإعلان دونالد ترامب سيادة اسرائيل على هضبة الجولان السورية وانها ارض اسرائيلية طبعا وماخفي اعظم وللقصة بقية ان لم تتوقف اسرائيل عن التمدد السرطاني باتجاه دمشق تحت ترحيب وتهليل البعث ونظامه وجيشه الذي قام بالرد على قرار ترامب بمزيد من المجازر والانتهاكات بحق ابناء الشعي السوري طبعا النظام البعثي الموقاوم لم يكتفي بهدا الرد بل قام بالمسيرات السلمية الهادئة في مناطق سيطرته والتي تخللها وصلات للنشيد الوطني السوري( اه ياحنان) اضافة الى اسكتشات مسرحية ووصلات رقص ودبكة على انغام الديك علي ، سقط الجولان من حسابات البعث بقصد ممنهج ورويدا ثم سقط باعلامه واخيرا عمل على اسقاط وتغييب الجولان واهله وابناؤه من ادنى مقومات التعبير وهي الدراما لانه يدرك ان اي عمل درامي مسرحي او سينمائي او تلفزيوني يتطرق الى الجولان سوف ينتهي الى موضوع الخيانة الاسدية والى الغضب الدولي تجاه نظام الاسد اذا حاول ادخال الجولان في الذاكرة التلفزيونية ولان كل افرع الامن هي من يكتب النص ويخرج العمل ويختار الجمهور لدلك سقط القناع عن القناع فمن يسقط كرامة وسيادة ارضه وحقه من النص لا يمكن ان يكون قوميا عروبيا فالنص واضح بالمانشيت العريض الجولان سوري ولكن ادارة المسرح والممثلون والاخراج قد انهى الفيلم من الدقيقة الاولى طمعا بجائزة الرضى الدولية والبقاء.أليست هذه هي المؤامرة ؟