هبة محمد
يستمر الهجوم الوحشي على الأهالي في مدن إدلب وحماة شمال سوريا، في نسفٍ روسي واضح لمقومات الحل السياسي، وسط إدانات دولية لا تسمن ولا تغني من جوع، حيث شنت الطائرات الحربية السورية والروسية غارات مكثفة على مدن خان شيخون والمزارع المحيطة، ومعرة النعمان وأريحا وغيرها، موقعة قتلى وجرحى، في حين وثقت الأمم المتحدة مقتل أكثر من 400 مدني سوري، شمال غربي البلاد، منذ نهاية نيسان الماضي.
الدفاع المدني السوري قال إن غارات جوية للطيران الحربي استهدفت أطراف بلدة دير الشرقي بريف معرة النعمان الشرقي، ومنطقة جبل الأربعين بالقرب من مدينة أريحا، في حين تداول ناشطون صوراً وفيديوهات صادمة لأب يحاول إنقاذ طفليه العالقين بالجدران المترنحة على ارتفاع ثلاثة طوابق، بعد غارة جوية استهدفت منزلهم في مدينة أريحا، وعقّب شهود على الحادثة بالقول: «شاهد حجم الدمار والعجز والقهر، أطفال تحت الأنقاض، الأب يُحاول إنقاذ أطفاله الصغار من هذا الارتفاع العالي، بحرقة قلب يناديها «دقيقة يا عمري» الأطفال سقطوا أرضاً، وتم نقلهم للمشفى، فيما استشهدت أُم و طفلها الصغير».
وعقب آخر بالقول: «هذا مافعله طيران نظام بشار الأسد المجرم وروسيا الإرهابيين بالمدنيين الأبرياء اليوم في مدينة أريحا بريف إدلب».
وبالرغم من عدم إعلان أي من اللاعبين الدوليين انتهاء فاعلية الاتفاقات الروسية- التركية حول خفض التصعيد، إلا أن ما يحدث على الأرض التي تحولت إلى ركام بيوت ممزوجة بدماء ساكنيها، دليل على نسف العملية السياسية بين أطراف الصراع.
وفي ظل تعاظم التصعيد الروسي ضد المدنيين، يبدو أن مقاربة موسكو «صفرية» بحسب وصف الباحث السياسي أيمن الدسوقي، الذي أضاف لـ«القدس العربي» أنها «تتضمن تثبيت النظام والتصالح معه وفق نموذج المصالحات التي رعتها وسوقت لها موسكو في الجنوب وريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية وغيرها من الأماكن».
وبمعنى أدق، فإن موسكو تطالب -بحسب الدسوقي- من المعارضة الاستسلام والتسليم، وبالتالي نسف مقومات الحل السياسي في سورية.
وبحسب قراءة مراقبين، فإن روسيا أخذت على عاتقها مسؤولية الدور التركي المفترض، الذي حددته اتفاقات سوتشي وأستانا، حول محاربة التنظيمات المصنفة أمنياً (هيئة تحرير الشام وحلفاؤها) تمهيداً لفتح الطرقات الدولية التي تربط حلب بدمشق واللاذقية.
ولم يبد المعارض السوري سمير نشار، عن ثقته بالاتصالات بين الروس والأتراك، معتبرا أنها لن تسفر عن وقف إطلاق النار «لأن هجوم الروس والنظام يفترض أنه سيقضم مساحات وبلدات من المناطق المحررة، إضافة إلى عملية خنق الملايين في المناطق المتبقية خارج سلطة النظام، ما يجبر فصائل المعارضة على تقديم بعض التنازلات أو مصالحات».
المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن المقاتلات الحربية شنت 46 غارة جوية، بعد غيابها عن الأجواء لأكثر من 14 ساعة، حيث استأنفت طائرات النظام والضامن الروسي قصفها على منطقة «خفض التصعيد» مستهدفة مدن خان شيخون وأريحا ومعرة النعمان، وبلدات الكندة وبسامس وبسنقول وخان شيخون وحيش والشيخ مصطفى ومعرة النعمان وجبالا ودير سنبل وركاياسجنة، خلفت فضلاً عن القتلى والمصابين دماراً واسعاً في المنازل والممتلكات.
كما قصفت مدفعية النظام السوري بـ38 قذيفة كلاً من مزارع التمانعة وحرش عابدين وركايا سجنة والناجية ،ما خلف خراباً ودماراً في المنازل والممتلكات، في حين وثق المرصد مقتل سيدة وطفلها جراء قصف طائرات النظام الحربية على مدينة أريحا بالقطاع الجنوبي من الريف الإدلبي، كما خلف القصف إصابة 3 أشخاص على الأقل، بينهم طفل.
وألقى الطيران المروحي براميل متفجرة على بلدة مورك بريف حماة الشمالي، بينما ارتفع عدد الغارات التي نفذتها الطائرات الروسي والسورية، الأربعاء، إلى 35 غارة على كل من معرة النعمان وأريحا وخان شيخون وحرش مصيبين ودير سنبل بريف إدلب الجنوبي، والسرمانية ودوير الأكراد بسهل الغاب، بالإضافة إلى محور كبانة في ريف اللاذقية الشمالي، وكفرزيتا ومورك بريف حماة الشمالي.
إدانات دولية
وتتصاعد ردود الفعل الدولية على المجازر «الوحشية» التي يرتكبها نظام الأسد وروسيا، في إدلب، كان آخرها في مدينة «معرة النعمان» بريف إدلب، التي راح فيها ما يقارب 40 قتيلاً وإصابة العشرات بجروح متفاوتة.
وأدانت واشنطن الغارات الجوية التي تعرضت إليها مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، وقالت إنها تمثل انتهاكاً للقانون الدولي، واتهمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نظام الأسد وروسيا بالاستهداف المتعمد للبنى التحتية المدنية، وهو ما يعد خرقاً للقانون الدولي.
وأدان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الضربات الجوية المستمرة التي تشنها قوات الأسد وروسيا، مؤكداً أن هذه الضربات «تدمر البنى التحتية وتقتل المدنيين»، ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية وإنهاء هذه المأساة الإنسانية، بحسب تعبيره.
وذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مورغان أورتاغوس، في بيان لها، أن الولايات المتحدة تدين بشدة الهجمات التي نفذت على المدنيين في إدلب، داعية روسيا ونظام الأسد إلى التوقف عن الهجمات التي تفاقم الأزمة الإنسانية.
ونوّه بيان الخارجية إلى أن روسيا ونظام الأسد استمرا على مدى ثلاثة أشهر في زعزعة استقرار المنطقة، حيث تسبّبا بنزوح أكثر من 330000 مدني، لافتاً إلى أن هذه الضربات الجوية المتكررة، مثل إصرار الأسد وحلفائه على الحل العسكري للنزاع. وأكدت نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، في مؤتمر صحافي عقد أمس الثلاثاء بنيويورك، أن الهجمات التي وقعت أول أمس الإثنين بإدلب كانت أكثر الهجمات دموية على المناطق المدنية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، داعية إلى إنهاء الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية.
و أشار وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، إلى أن مسؤولية وقف هجمات النظام ضد إدلب يقع على عاتق روسيا، وذكرت وكالة «الأناضول» التركية أن الوزير التركي بحث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، الملف السوري وتطورات مدينة إدلب.
وكان رئيس الهيئة السورية للتفاوض، نصر الحريري، قد طالب في مؤتمر صحافي بالعاصمة السعودية، الرياض، يوم الإثنين، المجتمع الدولي بتشكيل تحالف خارج مجلس الأمن لحماية المدنيين في سورية، لافتاً إلى أن «حماية السكان في سورية لا تقضى بالبيانات.
400 ضحية
و أعلنت الأمم المتحدة أنها وثقت مقتل أكثر من 400 من المدنيين السوريين، شمال غربي البلاد، منذ نهاية نيسان الماضي.
وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة «فرحان حق» للصحافيين: «قُتل ما لا يقل عن 66 مدنياً وجُرح أكثر من 100 امرأة وطفل ورجل في عشرات الغارات الجوية وحوادث القصف على مواقع متعددة في الشمال الغربي السوري، الإثنين». وأشار إلى أن «أسوأ» هجوم كان غارة جوية على سوق شعبي في مدينة معرة النعمان، التي خلفت 39 قتيلاً على الأقل، بينهم 8 نساء و5 أطفال، وجدد دعوة الأمم المتحدة إلى إنهاء الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية، وإلى إتاحة المناطق للمساعدة الإنسانية.
ومنتصف أيلول 2017، أعلنت الدول الضامنة لمسار أستانة (تركيا وروسيا وإيران)، التوصل إلى اتفاق ينص على إنشاء منطقة خفض تصعيد بمحافظة إدلب ومحيطها، ويقطن المنطقة حالياً نحو 4 ملايين مدني، بينهم مئات آلاف ممن هجرهم النظام من مدنهم وبلداتهم على مدار السنوات الماضية، في عموم البلاد.
المصدر: القدس العربي