تهدد تركيا بأن «صبرها سينفد»، وأنها قد تشن عملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد المدعومين من البنتاغون شمال سوريا، بعدما أعلن وزير الخارجية التركي وكذلك المتحدث باسم الرئاسة، إبراهيم كالن، عدم التوصل إلى اتفاق يلبي طموحات تركيا مع الولايات المتحدة بخصوص «المنطقة الآمنة»، وتهديد وزير الخارجية مجدداً بعمل عسكري، إذ ترى تركيا في إدارتهم لمنطقة شرق الفرات مساساً بأمنها القومي.
ويأتي هذا التهديد من تركيا بعد جولة مهمة من المحادثات في أنقرة حضرها جيمس جيفري، مبعوث ترامب إلى سوريا.
وكانت القضية المحورية، مناقشة طلب أنقرة إقامة منطقة آمنة شرق الفرات، تكون محظورة على القوات الكردية، وكما كان متوقعاً، فإن كل المفاوضات السابقة واللجان المنبثقة عنها حول هذه المسألة نفسها، لم تسفر عن أي نتيجة أو تقدم، وكان آخرها الاجتماع الذي أعلنت عنه وزارة الدفاع التركية مؤخراً، بين لجنتين عسكريتين أمريكية وتركية، بعد محادثات وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، والمبعوث الأمريكي جيفري.
الجانبان، كما يبدو، سيظلان يراوحان في «مرحلة الحديث»، فواشنطن تسترضي أنقرة بالمحادثات والجولات، وفي الوقت نفسه، لا تتوقف عن بعث رسائل طمأنة إلى «قوات سوريا الديمقراطية»، ذات الغالبية الكردية، تستفز بها تركيا، إذ اقترنت لقاءات جيفري في أنقرة بزيارة قائد القيادة الأمريكية الوسطى، كينيث ماكينزي، إلى شمال شرق سوريا، ولقائه القائد العام لقوات «قسد»، مظلوم عبدي، في بلدة عين العرب (كوباني) الحدودية، وذلك بعد أن حشدت تركيا الآلاف من قواتها بالقرب من حدودها مع شمال شرق سوريا في محاولة للضغط على واشنطن لتسريع فرض هذه المنطقة الآمنة، في وقت تتحدث فيه إدارة ترامب عن نشر قوات متعددة الجنسيات في مناطق سيطرة «قسد».
كما تسربت في لقاءات سابقة أنباء عن وضع الترتيبات السياسية لإدارة المنطقة، وتنصيب إدارة جديدة مقربة أي على الأقل غير متضاربة مع قوات سوريا الديمقراطية، كما يجري الحديث عن مفاوضات تبحث آليات بناء الثقة بين المكونات وعملية إعادة أعمار شرق الفرات.
الكاتب «نيكولاس هيراس»، الباحث في مركز الأمن الأمريكي الجديد، قال لموقع «كردستان 24»، إن هذه الزيارة تهدف إلى طمأنة «قوات سوريا الديمقراطية» بأن الولايات المتحدة «لا تزال تقدر شراكتها»، وأن «سياستها لا تزال ثابتة في دعم قوات سوريا الديمقراطية». وربما الهدف من الزيارة هو أيضاً إرسال «إشارة إلى تركيا ليست خفية جداً، للتراجع عن تهديدات اردوغان ضد قوات سوريا الديمقراطية»، وفقاً لما أفاد به «هيراس» لـ«كردستان 24».
ولا يبدو، وفقا لمراقبين، أن كلا الطرفين مستعد للتنازل الجادَ السياسي أو العسكري، فلا تنازل لأنقرة لأي كيان يحكمه الأكراد في الشمال الشرقي، وفي المقابل، ترى واشنطن في منطقة التنازع هذه، على الأقل في الوقت الحاليَ، قوة ضغط وكبح. ولا يعني أن أي اتفاق، إن حصل، هو أقرب إلى التجسيد والتطبيق الميداني. وتبدو أنقرة مُصمَمة على حرمان «قوات سوريا الديمقراطية»، ذات الغالبية الكردية، من الملاذ الآمن (في شرق الفرات)، وهذه إحدى أولوياتها الكبرى الآن في سوريا، مع عودة اللاجئين السوريين إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها في الشمال السوري.
وقصة تدهور العلاقات الأمريكية التركية أكبر من الخلاف حول سيطرة المقاتلين الأكراد على شرق الفرات، لكن هذه القضية، تحديداً، تؤرق تركيا كثيراً ولعلها أكبر ملفات الخلاف مع واشنطن في سوريا، وتستفزها أكثر من أي قضية أخرى، تقريباً، في الشمال السوري. وهنا، يرى مراقبون أن واشنطن ليست مستعدة للتخلي عن هذه الورقة الآن، بل ربما زاد اهتمامها في الفترة الأخيرة رداً على صفقة صواريخ «إس –400» الروسية مع الأتراك، إذ إن أنقرة لا يفزعها الوجود الأمريكي شرق الفرات، وربما ترى أنه يمكن تحدي أمريكا هناك، لكن من باب الضغط والدفع للتنازل، لا المنازعة على الأرض.
وقد أظهرت واشنطن، في الفترة الأخيرة، تمسكاً بهذه المنطقة، ربما لاعتبارات النفوذ والرد على «التمرد» التركي في توثيق التعاون العسكري مع الروس، وربما منع السيطرة الإيرانية على المنطقة حال انسحابها، لأنها تدرك أن السيطرة ستؤول، في نهاية المطاف، إلى نظام الأسد وحلفائه.
وفي هذا السياق، رأى عمر أبو ليلى، الناشط الإعلامي من دير الزور، عبر حسابه على «تويتر»، أن الأمريكيين، فيما يبدو، «جادون هذه المرة في إنشاء نموذج حكم إداري مستقر في شرق سوريا، وهذا من شأنه إحباط الطموحات التركية». وأضاف أن «الولايات المتحدة تبحث عن نماذج واقتراحات جادة لإدارة المنطقة، وهذا واضح من خلال الاجتماعات المكثفة التي عقدتها مع ممثلي المجتمع القبلي المحلي، والذين تعتقد الولايات المتحدة أن لهم نفوذاً في المنطقة، بالإضافة إلى الاجتماعات التي قد تُعقد مع سكان المنطقة الذين يعيشون في الخارج». وربما «أرادت الولايات المتحدة، بهذا، إيصال رسالة إلى الأتراك، الذين يطمحون للسيطرة على المنطقة بأكملها أو جزء منها، بأنهم لا يستطيعون دخول المنطقة عسكرياً».
وأما روسيا، فتراقب الوضع عن قرب، والورقة الكردية جزء من لعبتها الكبرى في سوريا، وكما لاحظ «آرون شتاين»، مدير «برنامج الشرق الأوسط» في «معهد أبحاث السياسية الخارجية»، ودوَن هذا في حسابه على موقعه في «تويتر»، أن روسيا لا تزال قادرة على اللعب بـ»وحدات حماية الشعب» ضد أنقرة والعكس بالعكس. وحال انسحاب الولايات المتحدة يمكن لروسيا رعاية عودة النظام إلى أراضي القوات الكردية ومنح ضمانات لقوات النظام.
المصدر: القدس العربي