أحمد قاسم
كل من يَفْصل المسألة في سوريا عن محيطها الجغرافي والجيوسياسي يحاول أن يُبَسِّطْ القضية وكأنها بين النظام والمعارضة، وبالتالي، يذهبون في قراءاتهم وتحليلاتهم ” يعتقدون أن الحل يكمن في التوافق بين المعارضة والنظام “. لو كان ذلك ممكنا لكان تم تطبيق القرار الأممي ٢٢٥٤ منذ فترة إقراره والبدء بتنفيذ مراحله لطالما أن القرار تم اتخاذه بإجماع دولي وبقبول النظام والمعارضة معا.
أعتقد أن النظر على هذا النحو من السذاجة و تبسيط الأزمة يُضَيِّعُ القارئ والشارع معاً ويخدم الفاعلين في الأزمة على إطالتها واستخدامها كورقة فاعلة لقلب الموازين في اللعبة الدولية التي تهدف إلى تغيير المنظومة الدولية في العلاقات حول مصير المنطقة لطالما أن المنظومة القديمة التي تم اعتمادها بعد الحرب العالمية الثانية وفي مراحل الحرب الباردة بين القطبين ( الإشتراكية والرأسمالية ) باتت عاجزة لإدارة المصالح الدولية بشكل متوازن وكذلك هي عاجزة لحل أية أزمة إقليمية كون أحد القطبين قد انهار لكنه يحافظ على حقه في استعمال ( الفيتو ) داخل مجلس الأمن تجاه أي قرار يتخذه هذا المجلس.
وبالتالي، مع فقدان المنظومة الدولية أحد قياداتها وكأنها تبدو عرجاءة عاجزة عن المسير في وقت أن الطرف المنهار يحاول بشكل جاد استعادة قوته واستئناف قيادته للمنظومة بشراكة ندية مع الولايات المتحدة الأمريكية.. ( إنها روسيا اليوم ).
روسيا، ومن خلال ترتيب أوراقها واستعادة عافيتها بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، حافظت على علاقاتها مع الأنظمة التي كانت تدور في فلكها إدبان الحرب الباردة، إضافة إلى إيران لطالما أن العلاقة بين إيران وأمريكا علاقة عدائية فهي أرادت أن تستثمر تلك العداوة وتقرب إيران إلى جانبها، وخاصة أن إيران تمتلك القوة التي تضرب إستقرار المنطقة وتُعَقِّدُ أزماتها من خلال أذرعها في لبنان وفلسطين والعراق إضافة إلى النظام السوري الذي يدار من قبلها… امتدادا الى نفوذها القوي في اليمن وخلاياها النشطة على امتداد العالم الإسلامي إضافة إلى علاقاتها العميقة مع الإرهاب على مستوى العالم….
كل ذلك يشكل تهديدا حقيقيا لأمن واستقرار المنطقة أولا، وكذلك على المصالح والعلاقات الدولية ومنظومتها التي في حقيقة الأمر تسير على قاعدة الموت السريري إلى أن ينتج البديل بتوافق دولي بقواعد جديدة من خلال تجديد المنظومة المتبعة لمجمل العلاقات الدولية في الأمم المتحدة ودستورها على أن تكون الحريات العامة للأشخاص والشعوب من اولى أولوياتها.
من حيث أن سوريا تشكل البداية والبوابة التي يجب البدء بها للدخول إلى معترك الأزمات المستفحلة ومنذ العقود كان يجب أن تكون ذلك لطالما أن النظام في دمشق أحد أهم المعيقات التي وقفت أمام التغيير الجوهري في المنظومة الدولية من خلال التمسك بالماضي والعيش في مرحلة الحرب الباردة حفاظا على السلطة.. ومن أجل ذلك تعمقت علاقات النظام مع إيران ” كعلاقة الظفر مع اللحم “!
من هنا، امتدت نفوذ إيران وربطت كل من العراق وسوريا ولبنان وحتى فلسطين بطهران… ومن يستطيع أن يَعْزِلَ سوريا عن هذه الشبكة المعقدة من العلاقات وحل أزمتها بمعزل عن بحر من الأزمات في المنطقة يكون قد خلق معجزة!
انطلاقا من كل ذلك، أعتقد أن الأزمة في سوريا أزمة عميقة بعلاقاتها العضوية مع مجمل الأزمات في المنطقة، وأن الحديث عن الحلول السياسية وصياغة دستور جديد هو نوع من كسب المزيد من الوقت، وأن القرار الأممي ٢٢٥٤ كتلك الشماعة التي تُعَلِقُ عليها الآمال، بينما الحل يكمن إن أردنا عزل سوريا من محيطها الإقليمي وأزماتها في:
اولا، وبقرار دولي، وضع سوريا تحت وصاية دولية بمناطق نفوذها الحالية…ولمدة لا تقلُّ عن خمسة أعوام..
ثانيا، آ- تشكيل قوة دولية لحفظ الأمن وسلامة المواطن بما يتيح المجال لعودة المهجرين الى مناطقهم آمنين مع تأمين ضرورات العيش وتأمين السكن لهم…… ب- انتزاع كامل الأسلحة المختلفة من الفصائل المسلحة التي تتنشط باسم المعارضة المسلحة من خارج دائرة الشرعية وملاحقة الإرهابيين وتنظيماتها أياً كانت توجهاتها الإيديولوجية والسياسية… ج- عودة الجيش السوري الى ثكناتها و تجميد أنشطة المخابرات بكل أفرعها وعدم مسائلة العائدين الى الوطن… د- اعلان عن عفوعام والكف عن ملاحقة المطلوبين وفق تقارير وتُهَمْ الأجهزة الأمنية الجاهزة .. ح- البدء بتبيض المعتقلات والسجون من الموقوفين والمساجين السياسيين والأبرياء الذين لم تتلطخ أياديهم بدماء الشعب السوري بشكل…..
ثالثاً, الإبقاء على مؤسسات الدولة للحفاظ على هيكليتها ومنع إنهيارها مع محاصرة النظام في دائرة وجوده كمؤسسة شرعية يتحرك وفق ما تملي عليه شروط الوصاية الدولية إلى حين تتم التسوية النهائية للأزمة.
رابعاً، تشغيل كل مراكز تأمين ضرورات الحياة وترميم المشافي والمدارس للعودة الى الحياة تحت اشراف دولي.. مع تأمين فرص العمل.
خامساً, إخراج كل من لا يتمتع بالجنسية السورية قبل عام 2011 -باستثناء المجردين من الجنسية السورية من الكورد على خلفية الإحصاء الإستثنائي الذي جرى عام 1962 وتبعاتها من المكتومين- وذلك مهما كانت صفتهم وجنسيتهم ومرجعيتهم العقائدية والدولية الغير شرعيين.
خامساً, عقد مؤتمر وطني شامل في ظل بيئة آمنة ليكون السوري حراً في إختيار ممثليه. يتم فيه انتخاب هيئة تأسيسية لتولي إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية، وكذلك لجنة متخصصة لصياغة دستور جديد بالتوافق مع كل المكونات من الشعب السوري ثم وطرحه للاستفتاء العام، ليتم بموجبه انتخاب برلمان وكذلك رئيساً للدولة تحت إشراف ومراقبة دولية.
وهنا يكمن السؤال الأهم: هل كل ذلك ممكناً في ظل هذه الظروف الدولية المعقدة؟
إذا كان ممكناً، عندها أقول بالإمكان انتشال سوريا من مستنقع الموت إلى الحياة من دون إيجاد حلول للأزمات العميقة في المنطقة!