سليم النحاس
بدأت دوريات تتبع لـ”الفرقة الرابعة” ولـ”مكتبها الأمني” بالتدخل العلني في أسواق دمشق، عبر فرض أتاوات و”ضرائب” على المحال التجارية والمستودعات، أو مصادرة البضائع بتهمة المنشأ غير السوري ودخولها خلسة إلى البلاد.
وقال أحد تجار العاصمة دمشق، لـ”المدن”، إن نشاط “الفرقة الرابعة” بات ملحوظاً مؤخراً، وأصبح التجار يترحمون على أيام الجمارك ومكتبها السري، بعد التعدي الواضح من قبل “الرابعة” على التجار وأصحاب المستودعات، وقد وصل الأمر إلى حد الضرب والتهديد بالتصفية في بعض الأحيان.
تاجر يعمل في مجال بيع البطاريات في سوق الكهرباء قال لـ”المدن”، إن دورية من “الرابعة” باتت تدخل متجره بشكل اسبوعي تقريباً، وتفرض عليه أتاوة بين 50 إلى 100 ألف ليرة سورية، مقابل عدم مصادرة بعض المعدات والبضائع التي دخلت السوق بشكل غير نظامي. التاجر أشار إلى أن عناصر وضباط الدورية يتغيرون في كل مرة.
ووجهت غرفة تجارة دمشق كتاباً الى وزير المالية مأمون حمدان، لم تجرؤ فيه على ذكر تصرفات دوريات “الرابعة”، بل ألصقت تلك التصرفات بالضابطة الجمركية، للتخفيف من حدة الاتهام المباشرة للفرقة التي يقودها شقيق الرئيس ماهر الأسد.
وطالبت غرفة التجارة بوضع حد للدوريات التي تدخل المحال التجارية وتمتنع عن إبراز مهماتها الرسمية أو تكليف المندوب الرسمي لمعاينة البضائع، والاعتماد على مبدأ “البلطجة” في التعامل مع التجار.
مصدر خاص، قال لـ”المدن”، إن وزير المالية لم يُعقب على شكوى التجار، خاصة بعد ورود كلام شفهي يؤكد له أن استباحة أرزاق الناس يتم من قبل ضباط “الفرقة الرابعة”. كما أن الضابطة الجمركية لا علاقة لها بالأمر، خاصة بعد التشديد الكبير عليها منذ شهور ومنعها من التدخل بعمل التجار في دمشق، واقتصار عملها على مراقبة حركة البضائع على الطرقات البرية بين المحافظات وإلى النقاط الحدودية.
مصادر “المدن” أشارت إلى أن وزير المالية طلب من نوابه ومستشاريه عدم التدخل بأمر تشبيح “الفرقة الرابعة” في أسواق دمشق. وأشارت المصادر إلى أن الموضوع بات بيد القيادة العسكرية ولا صلاحية لوزارة المالية فيه، مؤكدة أن عناصر “الرابعة” والعاملين فيها لا يمكن التعامل معهم إلا أمنياً أو عسكرياً بشكل رسمي.
ووجهت وزارة المالية، بحسب مصادر “المدن”، كتاباً إلى رئيس مكتب “الأمن الوطني” اللواء علي مملوك، شرحت فيه ما يجري في أسواق دمشق من تعدي “الرابعة” على الأسواق والتجار. بدوره، قام “الأمن الوطني” بتكليف قيادات أمنية وبعض الضباط والعناصر الموثوقين لديه، بالإضافة إلى بعض ضباط الفروع الأمنية، بمراقبة السوق والاستفسار عن أي مخالفات من التجار والتعامل الجدي مع عناصر ماهر الأسد، حتى لو وصل الأمر إلى الاعتقال أو التعامل بالقوة.
ويُبرر مصدر عسكري لـ”المدن”، تصرفات “الرابعة” في أسواق دمشق، بسبب انخفاض تمويلها، وكذلك تراجع دعمها اللوجستي والعتاد والطعام والذخائر. ويعود ذلك بشكل مباشر، إلى تراجع إيرادات الرابعة من اقتصاد الحرب، بعدما تراجعت قيمة الأتاوات التي تفرضها على الطرق بين المحافظات، والعمل بترفيق البضائع، خاصة بعد سيطرة الجمارك و”الأمن السياسي” ودوريات تتبع لوزارة الداخلية على تلك الطرق، وإزاحة “الرابعة” والقوات الاخرى عن تلك المهام.
وأشار مصدر “المدن” إلى أن أكثر من نصف متطوعي “الفرقة الرابعة” ضمن مليشيات التشكيلات الرديفة لها، لم يتلقوا رواتبهم منذ آذار/مارس، وذلك بعد تعليمات روسية بتسريح العناصر المتطوعين وضمّهم إلى الجيش، لتقليص قوام “الفرقة الرابعة” ووضع قيود على مصادر تمويلها، في محاولة لقطع صلتها بالجانب الإيراني.
ويتسلم “المكتب الأمني للرابعة” القضايا الاقتصادية واللوجستية للمليشيات الرديفة التابعة لـ”الفرقة”. كما أن المكتب هو المتعهد الحصري لترحيل الأنقاض من المناطق المدمرة، والإشراف على إبرام العقود مع التجار لبيعها، فضلاً عن العمل في الترفيق ومساندة تجار لتهريب بضائعهم عبر النقاط الحدودية ومطار دمشق الدولي.
وتنتشر “الفرقة الرابعة” على بعض الحواجز العسكرية في محيط دمشق، في مواقع لا تتطلب وجوداً لها، خاصة في الطرقات المؤدية إلى المحافظات الأخرى لفرض الأتاوات على حركة مرور الركاب والبضائع.
ويُعتبر حاجز يعفور، على طريق دمشق–بيروت، من أكثر الحواجز التي يجني القائمون عليه ثروات من السيارات العاملة على الخط. ويدفع أي راكب مبلغ ألف ليرة سورية، بشكل روتيني. ويمكن أن يصل المبلغ إلى قرابة 5 آلاف ليرة سورية على الراكب في حالة التدقيق بالحمولات الشخصية. هذا فضلاً عن التعامل المستمر مع سائقين على الخط، لإدخال بضائع أجنبية إلى سوريا، مقابل دفع ضريبة لـ”الرابعة” للحماية حتى الوصول إلى دمشق.
وتعمل روسيا مؤخراً على تحجيم “الفرقة الرابعة” ابتداءً من قائدها ماهر الأسد وصولاً الى أصغر ضباطه، عبر سلسلة من الإجراءات والتضييق على مقربين منه، وشخصيات اقتصادية تعمل لصالحه، حتى وصل الأمر إلى تجميد وتقليص صلاحية مدير مكتبه، واعتقال بعض ضباطه وتحجيم دور أبرز التجار التابعين له.
وكتبت “المدن” في وقت سابق، أن ماهر الأسد بات يُظهر انزعاجه من التحجيم الروسي لدوره، مشيرة إلى أن أوامر صدرت منه شخصياً في تموز/يوليو إلى الجهات “الاقتصادية” التي تعمل تحت أمرته، من شركات صرافة وشركات تحويل أموال، وشركات استيراد وتصدير والحديد، والاتصالات، بعدم إيداع أي مبالغ بالدولار في البنوك السورية.
المصدر: المدن