هبة محمد
تستمر المواجهات العنيفة على محاور ريف إدلب الجنوبي، في إطار الهجوم المتواصل الذي تشنه قوات النظامين الروسي والسوري على مدينة خان شيخون، وسط قصف عنيف نفذته طائراتهما، سجل خلالها نحو 11600 ضربة جوية وبرية مكنت قوات النظام من السيطرة على 18 بلدة وقرية في ريفي حماة وإدلب، وتسببت بمقتل نحو 430 شخصاً، خلال الأيام العشرة الأخيرة، منذ خرق الهدنة.
ويشير تعاظم القصف والتصعيد الروسي في إدلب ومحيطها، إلى أبعاد سياسية وعسكرية للمعركة، تتمثل بتوجيه رسائل حاسمة لأنقرة «بعدم تنفيذها اتفاق استانة»؛ وفيما يرتبط البعد العسكري بالحفاظ على « هيبة» موسكو التي تتبع سياسة التدمير الشامل. وقال المرصد السوري لحقوق الانسان، ان طيران النظام وروسيا، الحربي نفذ غارات عدة على مدينة معرة النعمان ومعرزيتا وكفرسجنة ومحاور القتال، كما ألقى الطيران المروحي المزيد من البراميل المتفجرة على كفرسجنة ومعرزيتا جنوب إدلب، فيما أكملت العمليات العسكرية للنظام السوري وحليفه الروسي عشرة أيام من الغارات.
3 أبعاد
تزامناً، تأكد خبر قبض «هيئة تحرير الشام» على الطيار الذي نفذ سقوطاً مظلياً بعد إسقاط طائرته على يد المعارضة بالمضادات الأرضية، الأربعاء، بالقرب من بلدة التمانعة في ريف إدلب الجنوبي، وقالت وكالة «إباء» التابعة لـ»هيئة تحرير الشام»، إن الهيئة ألقت القبض على الطيار المقدم محمد أحمد سلمان، قائد السوخوي 22. ونشرت الوكالة شريطاً مصوراً على قناتها في «تلغرام» يظهر فيه الطيار وهو يقول إنه من مرتبات اللواء 70، ويتبع مرتبات اللواء «70» التابع لمطار «تيفور» العسكري في حمص، حيث كان في مهمة قتالية في منطقة خان شيخون، وهو من دورة الـ»48» ويتحدر من بلدة الصور في ريف دير الزور.
وتنتفي الخيارات البديلة لصمود فصائل المعارضة في آخر معقل لهم شمال غربي سوريا، وحول المتاح أمامها يقول الباحث السياسي لدى مركز عمران للدراسات، معن طلاع، انه ينبغي إدراك ثلاثة أبعاد مهمة؛ عند تحليل الحركية العسكرية لفصائل المعارضة في إدلب خلال المعارك الأخيرة، فالبعد الأول يتعلق بانعدام الخيارات إلا المقاومة، كون معركة إدلب تعد معركة حاسمة، ولها تداعيات بالغة الأهمية على الملف السياسي؛ ويرتبط البعد الثاني مع تذبذبات مسار أستانة التي لا تزال تتعثر في الانتقال نحو حيز التنفيذ لاتفاقاتها بحكم الاختلاف في الرؤى السياسية بين فواعلها.
أما البعد الثالث فيرتبط بالمقاربة العسكرية لفصائل المعارضة والتي تقوم على مبدأ امتصاص الصدمة التي تحدثها القوة الجوية والمدفعية للنظام وحلفائه بحكم اختلاف موازين القوى العسكرية وعدم امتلاك المعارضة لأسلحة نوعية مضادة للطيران، ومن ثم إحداث خرق ضمن القوات المتقدمة والتعويل على المعرفة التفصيلية بجغرافية المنطقة؛ لذلك ووفقاً لهذه الأبعاد فإن الحركية العسكرية تلك ستبقى محصورة ضمن ثنائية (التقهقر، الاستعادة)؛ وضمن مبدأ الدفاع؛ وبمعنى آخر فإن المعارضة محكومة بتكتيكات محددة تعزز من خيار صمودها من جهة وتتعاطى مع التدمير الممنهج الذي تحدثه القوة الجوية والمدفعية للنظام وحلفائه.
وتعول فصائل المعارضة بالصمود على تحقيق أمور عدة ستجعل موقفها العسكري متزناً وتمنع حدوث وقائع عسكرية كبرى خاصة بعد إدراكها لأهداف هذه الحملة، وعلى رأس هذه الأمور التماسك النفسي وعدم التأثر بالبروباغندا الاعلامية للطرف الآخر، ثم امتلاك غرف عمليات المعارضة لخارطة خيارات وتكتيكات عسكرية تحافظ على قدرتها النوعية من جهة، وتمنع تدحرج تقدم النظام من جهة ثانية؛ ثم استمرار عمليات الامداد والتموين والتحصين والدعم السياسي – الذي لايزال غائباً – حسب المتحدث.
اما بالنسبة لأطماع روسيا من هذه الحملة فيقول طلاع لـ»القدس العربي» إنه مرتبط ببعدين سياسي وعسكري، ويتمثل البعد السياسي بتوجيه رسائل حاسمة لأنقرة والتي تحملها موسكو مسؤولية عدم تنفيذ اتفاق استانة؛ وما يقابل ذلك من اثبات قدرة موسكو على تحصيل مطالبها بآلياتها العسكرية؛ فضلاً عن المحاولة في استباق الأمور وتحصيل مناطق استراتيجية قبل اجتماع أستانة المقبل من مبدأ فرض أمر واقع يعلّي من شروط تفاوضها. أما البعد العسكري فهو مرتبط بـ» هيبة» موسكو العسكرية والتي لم تتحصل – قبل جولة استانة الأخيرة – عبر قوتها النوعية والكمية إلا على 60 كم2 وتعثرها الواضح في تل ملح؛ لذلك اتبعت سياسة التدمير الكلي بغية تحصيل مكاسب جديدة؛ إلا أن هذه المكاسب لا تزال قلقة على الأقل حتى الآن.
وقالت مصادر محلية إن قوات النظام تقدمت فجر أمس الخميس، على قرى عابدين، حرش عابدين، مدايا، حرش الهبيط، مغر الحنطة، المردم، تل لارجي، جنوب إدلب، ما نقل المعارك إلى قرى أخرى أهمها ركايا وكفرسجنة، وذلك في اعقاب تمدد سيطرتها الأربعاء على أربع قرى غرب خان شيخون وهي «كفرعين، أم زيتونة، المنطار، تل عاس» جنوب إدلب. بينما ذكر مركز إدلب الإعلامي على موقعه أن فصائل المعارضة استرجعت بعض المواقع في ريف إدلب الجنوبي حيث تدور معارك كر وفر في المنطقة.
ووفقاً لمصادر متطابقة فإن لميليشيا حزب الله اللبناني مشاركة قوية في المعارك الدائرة، حيث أكد الباحث السياسي معن طلاع مشاركة الحزب وبعض الميليشيات المدعومة إيرانياً، لافتاً إلى ان مشاركتها «باتت أكثر وضوحاً من ذي قبل؛ وتتمثل في قوات الرضا وبعض المجموعات التابعة لحزب الله وبميليشيا الإمام الحسين وتشكيلين عسكريين تابعين للدفاع المحلي»وهو ما فسره المتحدث بأنه تأكيد على وجود الفجوة المستدامة في بنية قوات النظام البشرية سواء تلك المستنزفة أو غير النوعية المتمثلة بفائض القوة البشرية التي تحصل عليها النظام من اتفاقيات المصالحة؛ لذلك اضطرت موسكو لتعزيز مشاركة هذه القوى في المعارك الاخيرة لتحسين الحركة العسكرية لقوات المشاة.
مطالب بالتدخل
ورداً على تراجع فصائل المعارضة عن بعض مواقعها، طالب ناشطون الجيش الوطني المقرب من أنقرة، بالتدخل مباشرة، حيث تداول النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ (#الجيش_الوطني_أثبتوا_وطنيتكم) مطالبين الجيش بإرسال ترسانته العسكرية للانخراط في المعارك الدائرة، ودعم باقي التشكيلات المنتشرة على جبهات القتال. وفي هذا الاطار قال قائد احرار الشرقية في الجيش الوطني السوري، أبو حاتم شقرا لـ»القدس العربي» إن جبهات إدلب وحماة التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر هي «خط الدفاع الأول للثورة السورية وقد عززنا من تواجد قوات الجيش الوطني السوري الذي يتبع له تجمع أحرار الشرقية بارسال الدفعة الثالثة إلى هناك، حيث ترابط قوات احرار الشرقية على جبهة الحويز في ريف حماة منذ شهور عدة بالتنسيق مع الجبهة الوطنية للتحرير».
ومع اشتداد المعارك ومحاولة تقدم قوات النظام، قال أبو شقرا «أرسلنا دفعة جديدة، ولم يقف دعمنا لجبهات حماة وإدلب عند هذا فقط، فقد تم جمع مبلغ مالي من فصائل الفيلق الأول في الجيش الوطني سيتم تسليمه لقيادة غرفة العمليات في حماة وإدلب فهذه المعركة لا تخص فصائل فصيل معين من فصائل الجيش السوري الحر بل هي تخص كل ابناء الثورة السورية فسقوط اي قرية بيد عصابات النظام وميليشياته الطائفية هو خسارة لكل الفصائل وتهديد لوجود الثورة». وكشف ان الدفعة الجديدة، تتبع لقوات المغاوير التي يخرجها أحرار الشرقية بشكل مستمر، وهي قوات مدربة في معسكرات خاصة لهذا الغرض.
المصدر: القدس العربي