مصطفى العبيدي
وفرت تداعيات النزاع الأمريكي الإيراني في المنطقة، غطاء لتصاعد مشاريع التعاون والتكامل المشتركة بين إيران والعراق وسوريا بهدف الالتفاف على العقوبات الأمريكية الاقتصادية ولتقوية اقتصادها المنهك.
ومقابل تشديد الولايات المتحدة وحلفاءها، العقوبات على إيران وسوريا، في مسعى لضبط سلوكهما الخطير المثير للمشاكل في المنطقة العربية، فقد عقدت قيادات البلدين إضافة إلى الحكومة العراقية، العزم على ترتيب أوضاعها الاقتصادية وتبادل التعاون لإيجاد آليات ووسائل للتخفيف من خناق الحصار. ولتحقيق هذه الغاية، تتواصل بإصرار، خطوات لربط اقتصاديات هذه الدول ببعضها لبث الحياة في اقتصادها المنهار، من خلال إجراءات أبرزها إقامة مشاريع مشتركة في مختلف المجالات كالتجارة والنشاط المالي والمصرفي ومد سكك الحديد وتسويق النفط وتهريبه بمختلف الأغطية والوسائل.
أنبوب النفط المشترك
وضمن تداعيات النزاع الأمريكي الإيراني على المنطقة وخاصة تعرض الملاحة في الخليج العربي إلى المخاطر واحتمالات المواجهة جراء التهديدات الإيرانية للملاحة الدولية، فقد أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، في مؤتمر صحافي مؤخرا أن حكومته تدرس عدة خيارات لتصدير النفط العراقي عبر الأراضي السورية والأردنية، مبرراً ذلك، بالخوف من تصاعد التوترات في مضيق هرمز، وآثارها المحتملة على تصدير النفط العراقي.
إلا أن وزارةَ النفط العراقية أشارت إلى أسباب أخرى للمشروع، منها سعي العراق لزيادة منافذ التصدير، وهو ما يتنافى تماماً مع ما صرح به عبد المهدي حول التوترات في المنطقة.
وبهذا الصدد، قال المتحدّث باسم وزارة النفط العراقيّة عاصم جهاد إن “الوزارة تدرس مد أنبوب نفط عراقي عبر الأراضي السورية، وصولاً إلى البحر المتوسط، لزيادة منافذ التصدير” مشيراً إلى أنّ هذه الفكرة كانت موجودة منذ عام 2004.
والأنبوب المقترح في اتّجاه سوريا، هو الثاني من نوعه، حيث يوجد أنبوب سابق يمتد من كركوك إلى ميناء بانياس السوري على البحر المتوسط، ولكنه توقف عن العمل، في الثمانينات من القرن الماضي خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988) بعد انحياز دمشق إلى جانب إيران ضد العراق، وما زال متوقفا حتى الآن وقد لا يصلح للعمل ثانية.
إلا أن المراقبين أكدوا أن اقدام الحكومة العراقية على التفكير الآن بمشروع مد أنبوب نفطي جديد باتجاه سوريا، جاء بدفع من إيران لتعويضِ الحكومة السورية عن نقص امدادات النفط الإيراني في ظل العقوبات المفروضة على طهران وصعوبة ايصال النفط الإيراني إلى سوريا، وخاصة بعد احتجاز بريطانيا، للسفينة الإيرانية التي تنقل النفط إلى سوريا في جبل طارق. كما ان الهدف الآخر المهم وراء هذا المشروع هو إيجاد طريقة لتصدير النفط الإيراني عبر سوريا مرورا بالأراضي العراقية، بهدف التمويه والالتفاف على العقوبات الأمريكية.
خطوط السكك الحديد المشتركة
أما المشروع الاستراتيجي المشترك الآخر، فهو مد خط حديدي بين العراق وإيران والذي كانت طهران وبغداد أشارتا إليه في مناسبات مختلفة في السنوات الأخيرة، إلا أن الخطوة الأبرز لتنفيذ المشروع تمت خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق في اذار/مارس الماضي، حيث تم خلالها توقيع اتفاقية ربط سكك حديد مدينتي شلامجة الإيرانية والبصرة جنوب العراق.
وضمن خطوات متسارعة لتنفيذ هذا المشروع، فقد استقبل سعید رسولي، مدير شركة خطوط السكك الحديد الإيرانية، مديري السكك الحديدية في العراق وسوريا، حيث أعلن إنه “سيتم ربط ميناء الخميني الواقع على الجانب الإيراني من مياه الخليج مع ميناء اللاذقية السوري في البحر الأبيض المتوسط، بخط سكة حديد عبر الأراضي العراقية”.
وكشف رسولي خلال اجتماع في طهران مع مديري الشركتين السورية والعراقية لخطوط السكك الحديدية، أن مشروع ربط مدينتي الشلامجة الإيرانية والبصرة العراقية بطول 32 كيلومترا، سيبدأ خلال أشهر بتنفيذ وتمويل من إيران، منوها إلى أن “أهمية هذا المشروع ستكتمل بربط الشلامجة بميناء الخميني وربط البصرة بميناء اللاذقية السوري”.
وأكد مدير الشركة السورية لخطوط سكك الحديد، نجيب الفارس، خلال الاجتماع، على ضرورة القيام بخطوات حقيقية لربط مدينتي الشلامجة والبصرة، ومن ثم بميناء اللاذقية، واصفا المشروع بالكبير جدا الذي سيسهم في تعزيز العلاقات التجارية بين الدول الثلاث.
وكذلك ادعى جواد كاظم، مدير الشركة العراقية لخطوط سكك الحديد، على أن المشروع هام بالنسبة للعراق، إلا انه شكا من أن العراق كان في السابق قد وقع عقودا لتنفيذ مشاريع مع شركات إيرانية، ولكنها تأخرت في تنفيذ تعهداتها، مؤكدا أن بلاده تريد تنفيذ المشروع على أكمل وجه ومن دون تأخير. كما بحث مديرو شركات الخطوط الثلاث، تطوير الشحن عبر السكك الحديد وزيادة الترانزيت وتنمية الاستيراد والتصدير بينها.
وفي هذا السياق، أفادت المصادر أن وفدا إيرانيا زار موقع انشاء خط سكك الحديد بين منطقة الشلامجة (جنوب شرق إیران) والبصرة في العراق.
وأعلن المدير التنفيذي لشركة انشاء وتطوير البنى التحتية للشحن والنقل الحكومية الإيرانية، خير الله خادمي، في تصريح صحافي أوردته وكالة “أنباء فارس” واطلعت عليه “القدس العربي” إن “الوفد ضم مدراء من الشركة ومؤسسة المستضعفين الإيرانية التي تنفذ المشروع” مؤكدا أن “زيارة الوفد الإيراني تأتي بهدف بدء العمليات التنفيذية لمد خط سكك الحديد عبر الموقع المقرر”.
ولم تكن مجالات التعاون الاقتصادي المشترك الأخرى، بعيدة عن اهتمام الدول الثلاث، بل انها بدأت مبكرة في تفعيلها وتحقيق فوائد مهمة منها، وخاصة في مجالات توسيع حجم التجارة وتصدير السلع الإيرانية كالبضائع والخدمات والكهرباء والغاز إلى العراق التي تجاوزت نحو 12 مليار دولار سنويا مع مساع إيرانية حثيثة للوصول بها إلى 20 مليار دولار.
ومن جانب آخر، انشأت إيران خلال الـ 15 عاما الماضية، عبر أذرعها وأدواتها العديدة في العراق، المئات من الشركات المالية والبنوك لتحويل الملايين من الدولارات من العراق إليها يوميا، مستفيدة من التسهيلات المطلقة التي توفرها الحكومة العراقية لها وتفشي الفساد والثغرات الكثيرة التي يتميز بها النظام المالي العراقي الحالي، كمزاد بيع العملة الصعبة وعدم وضوح تعليمات التحويل الخارجي للأموال ووجود مجالات واسعة لغسيل الأموال إضافة إلى التهريب الواسع عبر المنافذ الحدودية. وقد اكتشفت الولايات المتحدة استغلال إيران للأوضاع السائدة في العراق لحصولها على موارد مالية هائلة، لذا قامت بتوجيه عقوبات إلى العديد من البنوك والشركات المالية والشخصيات العراقية المتورطة في الدعم المالي لإيران والحرس الثوري فيها، في محاولة للحد من النفوذ الإيراني.
الأردن والسعودية
وفي المقابل يقارن المراقبون بين الخطوات المتسارعة لتنفيذ المشاريع المشتركة بين الدول الثلاث وخاصة إيران والعراق، وبين بطء تحرك وتنفيذ مشاريع مماثلة مع بلدان مجاورة للعراق مثل الأردن والسعودية وتركيا.
وكان رئيس الوزراء الأردني، عمر الرزاز والوفد الاقتصادي المرافق له، قد زاروا بغداد والتقوا بالمسؤولين في حكومتها، ووقعوا اتفاقيات عديدة لتقوية العلاقات بين البلدين وتنفيذ العديد من المشاريع المشتركة، أبرزها قيام الأردن بتزويد العراق بالكهرباء ومشروع مد أنبوب نفطي من العراق إلى ميناء العقبة الأردني وإقامة مناطق حرة على حدود البلدين إضافة إلى تقديم تسهيلات واعفاءات من الرسوم للبضائع الأردنية للعراق.
إلا ان المتابعين لاحظوا ان تلك الاتفاقيات لم تنج من انتقادات كثيرة من القوى السياسية (الشيعية) التي طالبت الحكومة العراقية بفرض مواقف على الأردن مقابل تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بينهما، من أبرزها مطالبة الحكومة الأردنية بتسليم الآلاف من رجال النظام السابق بينهم بنات الرئيس الأسبق صدام حسين ومعارضين للعملية السياسية في عراق ما بعد 2003 إلى حكومة بغداد، كما طالبت ان تكون للأردن مواقف سياسية قريبة من نهج التحالف الثلاثي ازاء قضايا وأزمات المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية.
ورغم محاولة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، مقاومة ضغوط القوى السياسية والمضي بتنفيذ الاتفاقيات مع الأردن، ولكنه لا يستطيع الوقوف أمام تأثير القوى السياسية القادرة على إسقاط حكومته متى شاءت. ولذا فالمتوقع ان يكون تنفيذ الاتفاقيات بين بغداد وعمان محدودا ومرتبطا بالمواقف السياسية الأردنية، مع تجميد بعض المشاريع المشتركة بمبررات مختلفة.
النفط عبر السعودية
وأعاد تأزم الأوضاع في الخليج العربي والبحث عن منافذ أخرى، الحديث عن أنبوب النفط العراقي عبر السعودية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، الذي توقف العمل به منذ أن غزا صدام حسين الكويت في عام 1990.
وقد تجددت مطالبات بالاستفادة من الأنبوب عبر السعودية وإعادة تأهيله خصوصا مع تحسن العلاقات بين العراق والسعودية، كونه شبه جاهز للعمل وتم انشاءه بأموال عراقية خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات كمنفذ للنفط العراقي بعيد عن الخليج العربي وتأثيرات أحداثه. ويبلغ طول أنبوب النفط العراقي عبر السعودية 626 كلم والسعة التصديرية نحو 1.650 مليون برميل يوميا، وبلغت كلفة انشائه نحو ملياري دولار.
وسبق ان صرح وزير النفط السابق والنائب ابراهيم بحر العلوم، انه بحث مع السعودية موضوع أنبوب النفط العراقي عبر المملكة، متوقعا أن يكون هناك تفاعل إيجابي من قبلها بهذا الصدد كون الأجواء السياسية مناسبة وهناك تقارب كبير بين البلدين. كما أفادت صحيفة “الصباح” الحكومية العراقية “أن بغداد تسعى إلى إعادة فتح خط أنابيب تصدير النفط الخام عبر الأراضي السعودية الذي أغلق منذ عام 1990 وذلك ضمن مساعي الوزارة لتنويع منافذ التصدير”.
ورغم ان المشاريع المشتركة بين هذه البلدان قد بدأت قبل العقوبات الأمريكية ضمن استراتيجية ربط اقتصاد الدول الثلاث، إلا ان التحرك الجدي نحو تلك المشاريع تصاعد بوتيرة متسارعة في الآونة الأخيرة، وان الحكومة العراقية ماضية بقوة في تنفيذ دورها في المشاريع المشتركة، رغم تحذيرات محلية ودولية من احتمال شمول العراق بالعقوبات الأمريكية وفرض الحصار عليه أيضا أسوة بإيران، وفي الوقت نفسه لا يبدو ان اهتمام حكومة عبد المهدي بالحماسة نفسها تجاه مشاريع مشابهة أخرى مع السعودية والأردن ومصر وتركيا.
المصدر: القدس العربي