أمين العاصي
لا تزال المواجهات بين قوات النظام ومليشيات تساندها من جهة، وبين فصائل المعارضة السورية من جهة ثانية، محتدمة في شمال غربي سورية، في ظلّ قصف جوي روسي لا يكاد يهدأ، ويسفر عن مقتل مدنيين بينهم أطفال بشكل يومي، في محاولة تمهيد الطريق لتقدم هذه القوات التي تتكبد خسائر كبيرة في صفوف مسلحيها، عدد كبير منهم من مناطق ما يعرف بـ”المصالحات”، حيث دأب النظام والجانب الروسي على دفع شباب من هذه المناطق إلى صفوف القتال الأولى.
المعارك “متواصلة بعنف” على محاور شمال غرب مدينة خان شيخون جنوب إدلب، بين الفصائل وقوات النظام والمليشيات الموالية لها بدعم من القوات الروسية، “وسط قصف جوي وبري هستيري، مكّن قوات النظام من قضم مزيد من المناطق، والسيطرة على تل استراتيجي، بالإضافة إلى مزارع ونقاط شمال غرب خان شيخون”. وأكد مصدرنا أنّ قوات النظام باتت على تخوم مدينة خان شيخون الغربية، بالتزامن مع اقترابها من أوتوستراد دمشق-حلب الدولي من المحاور الشمالية الغربية للمدينة التي دمرها الطيران الروسي بشكل شبه كامل خلال الشهر الحالي.
وأكدت مصادر إعلامية معارضة مقتل مدنيين اثنين وإصابة آخرين أمس الأحد، بقصف جوي مكثف ومتواصل استهدف قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي. وأشارت المصادر إلى أنّ الطائرات الحربية استهدفت بصواريخ شديدة الانفجار الأحياء السكنية في بلدة حاس بريف المحافظة الجنوبي، ما أسفر عن مقتل طفل وإصابة آخرين بجروح. كما قتل مدني بقصف مماثل استهدف قرية كفرسجنة بالريف ذاته.
وأوضحت المصادر أنّ عشرات الطائرات بمختلف أنواعها من المقاتلات الحربية الروسية ومثيلاتها في سلاح جو النظام والطائرات المروحية والحربية الرشاشة، شنّت نحو 150 غارة جوية تركز معظمها على مدينة خان شيخون وبلدات حيش وكفرسجنة وحاس وكفروما، بالإضافة إلى قرى حزارين وكرسعة والدير الشرقي والشيخ مصطفى والشيخ دامس والحامدية وبابولين وكفرمزدة والعامرية وموقا، بريف إدلب الجنوبي. وبحسب المصادر ذاتها فإنّ معظم المناطق آنفة الذكر تعرّضت أيضاً إلى قصف بقذائف المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، والصواريخ شديدة الانفجار والعنقودية.
ولا تزال قوات النظام والمليشيات الإيرانية تضغطان من شرقي جسر الشغور للسيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية كخطوة متقدمة في سياسة “تقطيع الأوصال” لمحاصرة فصائل المعارضة السورية في مدن وبلدات مورك واللطامنة وكفرزيتا ولطمين واللحايا والصياد بريف حماة الشمالي. وتسعى قوات النظام للتقدّم في عمق ريف إدلب، وخصوصاً نحو مدينة سراقب، حيث نقطة تلاقي الطريقين اللذين تسعى قوات الأسد للسيطرة عليهما، وهما طريق حلب-الساحل، وطريق حلب-حماة الذي يربط شمال البلاد بجنوبها، إذ من الواضح أنّ انتزاع السيطرة على الطريقين هو الهدف الأهم من وراء حملة النظام العسكرية المستمرة منذ أواخر إبريل/نيسان الماضي.
ووفق الوقائع الميدانية، ومصادر في فصائل المعارضة السورية، فإنّ التقدم الذي أحرزته قوات النظام والمليشيات التي تساندها في ريفي حماة وإدلب خلال الأشهر الثلاثة الفائتة، لا يتناسب وحجم التكلفة البشرية، إذ تكبّدت هذه القوات خسائر فادحة في صفوف مسلحيها، خصوصاً خلال الشهر الحالي الذي شهد اندفاعة لهذه القوات في عمق الريفين.
وفي إحصائية له أصدرها يوم الجمعة الماضي، أكّد “المركز الإعلامي العام” في محافظة إدلب، مقتل 887 مسلحاً من قوات النظام والمليشيات المساندة لها بينهم ضباط منذ تاريخ 1 أغسطس الحالي حتى الـ15 منه. وبحسب المصدر، خسرت قوات النظام خلال الفترة نفسها 18 دبابة، و5 عربات “بي أم بي”، و34 “بيك آب”، و3 راجمات صواريخ، و17 مدفع من عيار “130 – 23 – 57″، و15 سيارة عسكرية، و8 جرافات عسكرية، و9 قواعد “م د”، بالإضافة لعشرات الدشم.
من جانبه، أكد محمد رشيد، المتحدث الإعلامي باسم “جيش النصر”، أبرز فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” التي تضم فصائل المعارضة في شمال غربي سورية، أنّ قوات النظام خسرت المئات من عناصرها خلال الحملة الحالية. وأوضح في حديث مع “العربي الجديد” أنه خلال الأيام القليلة الفائتة قُتل نحو 100 عنصر من قوات النظام في محور تل الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي، ومثلهم في محور تل سكيك في ريف إدلب الشرقي، ونحو 75 عنصراً في ريف إدلب الجنوبي. وأشار إلى أنّ “حزب الله” اللبناني ومليشيات طائفية إيرانية تهاجم مدينة خان شيخون من الشرق، مؤكداً أنها تكبّدت خسائر فادحة في المعارك المحتدمة منذ أيام عدة.
وكانت وكالة “إباء” الناطقة باسم “هيئة تحرير الشام” أكّدت في التاسع من الشهر الحالي مقتل أكثر من 1500 عنصر لقوات النظام، وإصابة قرابة 3000 آخرين بجروح، وأسر 10 عناصر، في المعارك التي تدور رحاها في ريفي إدلب وحماة، شمال غرب البلاد، منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
ومن اللافت أنّ عدداً كبيراً من قتلى قوات النظام هم من مناطق ما بات يُعرف بـ”المصالحات”، حيث دأب النظام على تحويل الشباب في هذه المناطق التي كانت خارج سيطرته، إلى وقود لمعاركه للتخلص منهم كونه لا يضمن ولاءهم. ويدفع النظام بهؤلاء إلى صفوف المواجهة الأولى، والذي يتخلّف منهم أو لا يبدي حماسة في القتال، يُصفىّ على الفور من قبل قوات النظام، وفق عناصر انشقوا أخيراً ووصلوا إلى مناطق المعارضة المسلحة.
وفي السياق، ذكر موقع “عنب بلدي” السوري أنه “منذ بدء الحملة العسكرية للنظام على مناطق إدلب وريف حماة في فبراير/شباط الماضي، يستقبل ريف حمص الشمالي ما لا يقل عن عشرة قتلى كل أسبوعين، موزعين على قرى سهل الحولة وتلبيسة والرستن”. وأشار إلى أنّ النظام “يتبع سياسة عدم تسليم القتلى من منطقة ما دفعة واحدة”، موضحاً أنه “يتم تسليمهم تباعاً في توابيت مغلقة، كما يترك فترات زمنية بين تسليم الجثث لامتصاص الاحتقان بين الأهالي”.
في السياق، رأى المقدّم سامر الصالح، القيادي السابق في “الجيش السوري الحر”، أنه “ليس للنظام أي دور في العمليات القتالية الجارية الآن في ريفي حماة وإدلب”. وأشار في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ الروس “لا يهمهم الخسائر البشرية، فهؤلاء أدوات لتحقيق مصالهم. والروسي لا يهمه السوري من أي طرف كان”.
ومن الواضح أن فصائل المعارضة السورية تخوض حرب استنزاف ضدّ قوات النظام والمليشيات الإيرانية من خلال استهدافها بالصواريخ الموجهة والكمائن التي أوقفت إلى حدّ بعيد تقدمها خلال الأيام القليلة الفائتة. وتحوّل محور تل الكبانة إلى ثقب أسود ابتلع المئات من مسلحي النظام خلال أكثر من 100 يوم قتال ضار لم يهدأ. واستفادت الفصائل المقاتلة من الطبيعة الجغرافية للمنطقة في نصب الكمائن التي منعت قوات النظام والمليشيات من إحداث اختراق في هذا المحور الاستراتيجي. كما تلقّت مليشيات إيرانية تحاول التقدّم باتجاه مدينة خان شيخون من الجهة الشرقية، ضربات تصفها مصادر في فصائل المعارضة المسلحة بـ “الموجعة” منذ مطلع الشهر الحالي، إذ تخوض هذه الفصائل “حرب مصير” في شمال غربي سورية.
المصدر: الشرق الاوسط