ضياء الدين الشامي
ناجياً من فظائع مجزرة الكيماوي
أنا.. لا.. أرى
إلا حبالاً وكبالاً
وزنازن مجنزرة
وأناساً يُشيعون
ويدفنون مئاتاً
وألوفاً هناك..
هناك تلكَ المقبرة
أُسائلهم ماذا جرى؟
أيوم القيامة قام
يا ترى؟
أنبأوني ماذا جرى؟
أهو صدام حافلاتٍ
على طرق محفّرة
أخبروني ماذا جرى؟
أجاء أمرٌ لملك الموت؟
أن اقبض روح من ترى
فاستعدَّ وشدَّ مئزره
أعلموني ماذا جرى؟
فينزل عليَّ قولهم
كالصاعقات المبهرة
ألا تعلم؟
ماذا..؟
أنتَ وحدكَ
من نجا من المجزرة
لكن كيف؟
أمحي ما حصل لي
من الذاكرة؟
فرددته غصباً
وكتبت على أوراقٍ مسطّرة
كل تفاصيل المجزرة
فدعاني قاضي القضاة
وجاء وقت المحاكمة
هذا ما قالوه
يجلس القاضي
على كرسيه
ويطقطق بمطرقة مغبّرة
وتتعالى صرخة
محكمة
يا شاهد المجزرة
ينادونني
اسرد ما كتبت
في المذكّرة
يا سيدي القاضي
كانت البلاد
آنذاك محاصرة
وكنت نائماً مع عائلتي
وبعد نصف الليل
فزعنا من صوت
قذائف مسجّرة
لكن صوتها
ليس كعادتها
بل هذه المرة
كانت تقول
قد جئتُ أبيدكم
وورائي حِمامٌ مُجمّرة
تهبط بالمروج المشجرة
لترديها سوداء
جرداء قحلاء
صحراء مقفرة
في جوفي
سموم مجحرة
لن تبقي على الأرض
من ينادي
يا ربُّ منكَ المغفرة
يا سيدي القاضي
ثم تنفث الأشباح سمومها
وتسري في أبداننا
كالجاريات بالشؤم منذرة
فتسيل عيناي
كالغيوم بالدموع ممطرة
تعلو التمتمة القاعة
ومرة أخرى
يطرق القاضي بالمغبّرة
أكمل يا بني
هذي الحكاية الساحرة
بعدها…
يبدأ الناس بالسقوط
كأوراقٍ من خريف شجرة
وكأنه من يوم الحساب
نسخة مصغّرة
لتعييه تحتاج عين فاخرة
عدسة مكبرة..
يا سيدي القاضي
يا سيدي القاضي
كنت نائماً مع عائلتي
وكنا عائلةً
على الآلام مكابرة
في غياهب المحن مصابرة
فهل تكفي أن تكون
الأصوات آصرة
عن الجموع الثائرة
أم أن يلزمها تواقيعٌ
من العُلوج الأباطرة
يا سيدي القاضي
كنت نائماً مع عائلتي
وكنا عائلة
بالخبز والزيتون
أحوالها ساترة
عقولنا كسائر الناس
مشتتة.. ضائعة.. حائرة
كنا في سبات عميق
قوانا كانت خائرة
وعندما أوقِظنا
جاءتنا حقنة مخدرة
لتجعلني.. يا سيدي
وحدي..