سامي خليفة
مرت نحو سبع سنوات على انخراط حزب الله في الحرب السورية، عمل فيها رافعاً لمبدأ “سنكون حيث يجب أن نكون”، وخاض صولاتٍ وجولات لتحقيق مآرب جيوسياسية، بقيت إسرائيل تراقبها عن كثب، مركزةً جل اهتمامها على تطويره لمنظومة عسكرية متماسكة في الجنوب السوري المحاذي لحدودها، يعمل عليها بطريقة معقدة للغاية، وماكرة، استعداداً لتصفية الحسابات. وقد وصلت الأمور الآن، حسب إسرائيل، لمرحلة بالغة التعقيد، فرض فيها الحزب عليها خيارين لا ثالث لهما، إما اللجوء لتصعيد دموي يرتب نتائج لا تحمد عقاباها، أو الرضوخ والاكتفاء بالضربات الجوية المتفرقة، التي يبدو أنها باتت تعتبرها لن تحقق الأهداف المرجوة.
طرد السكان وإقامة الثكنات
للوقوف على مدى جدية التهديد الوجودي الذي يشكله الحزب في المنطقة، كشفت صحيفة “إسرائيل هيوم” الإسرائيلية عن إنشاء الجماعة اللبنانية لأربع قواعد عسكرية في الجنوب السوري، وهي كما يلي:
– قاعدة درعا: تم إنشاء هذه القاعدة الكبيرة للحزب في درعا بداية عام 2019 ، ويشرف عليها ضابطان لبنانيان، اكتفت الصحيفة بذكر اسميهما الأول عادل وراشد. بالإضافة إلى ذلك، يحمل عدد من المدربين الجنسية اللبنانية. وهناك ثمانية مدربين، يتعاونون مع ضباط من الجيش السوري ومع ضباط من قسم الأمن القومي، الذين يضمنون طرق النقل والإمداد.
– قاعدة اللجاة: أُنشئت مطلع أيلول 2018 بعد أن طردت ميليشيات “النمر”، بقيادة العميد السوري سهيل الحسن، السكان من عدد من القرى في منطقة اللجاة في ريف درعا الشمالي. وعمد الحزب إلى تفريغ هذه القرى من سكانها بحجة أنها تضم عناصر من داعش، ثم قام بتحويل المنازل المدنية إلى ثكنات عسكرية.
– اللواء 52: تم تأسيس هذا اللواء في كانون الثاني 2019، بعد انسحاب قوات الحزب من مزارع الزبداني ومزارع ريما المحيطة بها. وتحولت القوات المنسحبة إلى مركز اللواء بالقرب من بلدة الحراك، شمال شرق درعا، بقيادة أياد قاسم، وهو مواطن لبناني يعيش في بلدة الكرك الشرقي بريف درعا.
– قاعدة صابر: أُنشئت هذه القاعدة في أواخر عام 2018 تحت الإشراف المباشر لمصطفى مغنية، الضابط المسؤول عن مجموعة هضبة الجولان التابعة للحزب، وتقع تحت قيادة وحدة الجولان التابعة للواء 90 للجيش السوري بين قريتي حدر وحرفا شمال القنيطرة.
قلق أردني-إسرائيلي
من ناحيةٍ ثانية، نقلت صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” الأميركية أجواء القلق السائدة بين إسرائيل والأردن والمحللين الإقليميين، خوفاً من تصعيد مدمر غير مقصود قد يكون قاب قوسين أو أدنى في جنوب سوريا.
وتعهدت روسيا العام الماضي، لكل من إسرائيل والأردن، بأن الترتيبات الأمنية لجنوب سوريا سوف تُبقي القوات الإيرانية على بعد 70 إلى 80 كيلومتراً من حدودها. ولكن بعد مرور عام، تتعزز الأدلة على أن حزب الله أصبح راسخاً بشكل متزايد في المنطقة، ويبدو أن روسيا الآن إما غير قادرة أو غير راغبة في الوفاء بتعهدها.
تحويل القرى إلى حصون
تؤكد مصادر أمنية للصحيفة الأميركية، إن وجود الحزب في جنوب سوريا نما بشكل كبير، حيث يوجد ألف مقاتل في منطقة درعا بالقرب من الأردن وفي القنيطرة، بمواجهة القوات الإسرائيلية في الجولان. كما شدد عناصر “الجيش السوري الحر”، الذين عادوا إلى مسقط رأسهم بعد اتفاق العفو مع النظام، إن حزب الله “يحكم” فعلياً العديد من البلدات والقرى.
الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل، حسب الصحيفة، هو حقيقة أن الحزب قد اكتسب خبرة في الحرب الحضرية من المعارك السورية، وحصّل معرفة بالتخطيط التكتيكي من التنسيق مع الروس والإيرانيين. وبهذا الخصوص تنقل الصحيفة ما ذكرته “هآرتس” قبل أيام عن تحويل القرى في جنوب سوريا إلى “حصون”، مشيرةً أنه منذ اتفاق روسيا، كان الحزب أكثر نشاطاً في المنطقة، وأعاد تأسيس شبكاته في جنوب سوريا.
مخاوف التصعيد
مع تصعيد الولايات المتحدة لضغطها الاقتصادي والعسكري على إيران، تتزايد المخاوف في عمّان وبين المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من قيام طهران بدفع الحزب للانتقام. من جهتها، تتطلع موسكو إلى تقليص وجودها الفعلي في سوريا مع ضمان العائد الاقتصادي لتورطها في شكل احتياطيات الغاز الطبيعي وعقود إعادة الإعمار في سوريا، وقد أعطت “الضوء الأخضر” لطرد الحزب والميليشيات الإيرانية ببطء بعيداً عن الحدود من دون إشعال نزاع مفتوح.
ويصف خبراء الأمن الإقليميون، للصحيفة، هذا الترتيب بأنه يظهر لا مبالاة موسكو، ويشبهونه بـ”لعب الروليت”. فالأردن يخشى من حدوث نزاع آخر على حدوده، يضرب الاقتصاد الذي بدأ للتو في التعافي من تداعيات الحرب السورية. لذلك فإن وجود الحزب المستمر على الحدود الأردنية هو أمرٌ “غير مقبول”، وذلك اعتقاداً بأن الجماعة اللبنانية ستكون عقبة أمام العلاقات والتجارة بين الأردن وسوريا، وقد تحاول تهريب الأسلحة والمخدرات إلى المملكة الهاشمية.
لعبة حافة الهاوية
وفقاً للدبلوماسيين الإقليميين، تفتقر الدبلوماسية الأميركية في سوريا لرؤية واضحة، وهي عاجزة عن منع إشعال فتنة إقليمية. وقد لفت الباحث البارز في “المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في هرتسيليا” إيلي كارمون، في حديث مع الصحيفة، بأن القضية المركزية تتمحور حول عدم إدراك الولايات المتحدة، وإسرائيل، وإيران وحزب الله لما سيحدث إذا كان هناك استفزاز غير مقصود من حيث العواقب والنتائج. واستطرد قائلاً “إنها لعبة حافة الهاوية حيث يمكنك أن تفقد السيطرة”.
هذا، وسيسمح الانسحاب العسكري الأميركي من سوريا لإيران بالسيطرة على ممر بري مباشر يمر عبر العراق وإلى سوريا باتجاه الجولان، ما يزيد من احتمال نشوب الصراع. وبهذا الخصوص يقول أحد الدبلوماسيين العرب، الذي كان غير مصرح له بالتحدث إلى الصحافة، أن المطلوب من الولايات المتحدة أن تحافظ على وجودها في سوريا، وأن توفر الدبلوماسية لمنع الوقوع في المنحدر. مضيفاً بتحسر “إذا لم تقم الولايات المتحدة بهذا الدور، فلا نعرف من يمكنه ذلك”.
المصدر: المدن