أمين العاصي
يترقب نحو 4 ملايين مدني في شمال غربي سورية مآل التطورات في الموقفين العسكري والسياسي، التي من الممكن أن تجنب محافظة إدلب ومحيطها استمرار الأعمال القتالية من قبل النظام السوري والجانب الروسي، في ظل مؤشرات على نيّة الطرفين استئناف الحملة العسكرية من خلال افتعال الأسباب، فيما يخشى الأتراك من السيناريو الأسوأ الذي طبّق في مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري، أواخر 2016.
وأعلنت “الجبهة الوطنية للتحرير”، التي تضم فصائل تابعة للجيش السوري الحر في محافظة إدلب، صباح أمس الأربعاء، صدّ هجوم لقوات النظام وروسيا، التي حاولت التقدم على محور قرية إعجاز شرق إدلب، مؤكدة سقوط قتلى وجرحى في صفوف القوات المهاجمة. وقال مصدر عسكري في فصائل المعارضة، لـ”العربي الجديد”، إن عناصر النظام وقعوا في كمين أعدته فصائل المعارضة في وقت سابق، ما أدى إلى مقتل تسعة منهم، فيما قتل اثنان وجرح ثلاثة من عناصر المعارضة. ويعد هذا الهجوم خرقاً للهدنة التي أعلنها الجانب الروسي، ودخلت حيز التطبيق صباح السبت الماضي. ويعتبر هجوم أمس الأربعاء، الخرق الأكبر لوقف إطلاق النار الذي لا يزال صامداً حتى اللحظة، حيث لا يزال الهدوء الحذر يسود شمال غربي سورية في ظل غياب الطيران عن أجواء المنطقة. وفي ما قد يكون عملية استطلاع، قال المتحدث باسم “جيش النصر” محمد رشيد، لوكالة “الأناضول”، أمس الأربعاء، إن “قوات خاصة روسية نفذت عملية تسلل فجراً في ريف إدلب الجنوبي”. وأوضح أن “هذه القوات تسللت قبل يومين على محور الحاكورة بريف حماة الشمالي”، مشيراً إلى “أن عمليات التسلل سبقها تحليق لطائرات استطلاع فوق المنطقة”.
وفي حدث لافت ومفاجئ، أعلن النظام السوري، مساء الثلاثاء الماضي، أن دفاعاته الجوية تصدّت لطائرات مسيرة كانت في طريقها إلى قاعدة حميميم العسكرية الروسية في ريف محافظة اللاذقية. وذكرت وكالة “سانا”، التابعة للنظام السوري، أن “الأصوات التي سمعت في أجواء مدينة اللاذقية ناجمة عن تصدي المضادات الأرضية لطائرات مسيرة أطلقها الإرهابيون في منطقة خفض التصعيد باتجاه قاعدة حميميم”. وقالت وزارة الدفاع الروسية، من جهتها، إن طائرتين مسيرتين تم تدميرهما بالقرب من قاعدة حميميم الروسية في سورية، مؤكدة عدم وقوع إصابات أو أضرار مادية.
وبحسب ما ذكرته وسائل إعلام موالية، فإن انفجارات ضخمة سُمع دويّها في قاعدة حميميم الروسية ومدينة جبلة بريف اللاذقية. ووفق المصادر، فإن الدفاعات الجوية في حميميم تصدت لطائرات مسيرة في سماء القاعدة، التي تتخذها روسيا مركزاً لها ومنطلقاً لطائراتها الحربية لقصف المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، وقتل المدنيين. ولم تعلن أية جهة من الفصائل المسلحة مسؤوليتها عن إطلاق طائرات مسيرة باتجاه قاعدة حميميم، ما يرجح فرضية الاختلاق من قبل النظام وحلفائه الروس لاستئناف الأعمال القتالية في محافظة إدلب. ومن المرجح أن يكون النظام استغل الهدنة من أجل تثبيت مواقع قواته في المناطق التي استحوذت عليها في ريفي حماة وإدلب خلال الحملة التي استمرت قرابة 4 أشهر، ومن ثم الدخول في حملة جديدة، حيث إنه من الواضح أن النظام يتبع سياسة القضم التدريجي للمناطق التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) في شمال غربي البلاد.
وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة “الوطن”، التابعة للنظام، أمس الأربعاء، أن الهدنة التي أعلن عنها الروس محددة بـ8 أيام لانسحاب “هيئة تحرير الشام” من مناطق ريف إدلب الجنوبي، الواقعة على الطريق الدولي الذي يربط حلب بحماة. وأشارت إلى أن قوات النظام مستنفرة “استعداداً، على ما يبدو، لعملية مرتقبة لاستكمال تطهير المدن والبلدات الواقعة على الطريق الدولي وفي محاذاته، وصولاً إلى حلب، بغية وضعه في الخدمة، بموجب اتفاق سوتشي بين الرئيسين الروسي والتركي”. ورجحت “استمرار وقف إطلاق النار إلى حين انعقاد القمة الثلاثية التي ستجمع رؤساء روسيا فلاديمير بوتين، وإيران حسن روحاني، وتركيا رجب طيب أردوغان في أنقرة في 16 الشهر الحالي في إطار مسار أستانة”.
إلى ذلك، يبدو أن الجانب التركي يتخوف من استئناف القتال في شمال غربي سورية، من قبل النظام والروس، وهو ما تحاول أنقرة الحيلولة دونه حتى لا يتسبب بكوارث إنسانية تتحمل وحدها تبعاتها. وفي هذا الصدد، قال أردوغان، أول من أمس الثلاثاء، إن إدلب تتعرض لسيناريو مشابه لما تعرضت له مدينة حلب نهاية 2016. وأضاف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء التشيكي أندري بابيس في أنقرة: “إدلب تتعرض للتدمير رويداً رويداً. فكما دمرت حلب وسويت بالأرض فإن إدلب تتعرض لسيناريو مشابه وبنفس الطريقة”. وأضاف: “لسنا بصدد طرد اللاجئين عبر إغلاق أبوابنا، لكن كم سنكون سعداء لو نستطيع المساعدة في إحداث منطقة آمنة (في سورية) وننجح في ذلك”.
يشار إلى أن قوات النظام السوري فرضت سيطرتها الكاملة على أحياء حلب القديمة، التي كانت خاضعة لسيطرة قوات المعارضة، حتى ديسمبر/كانون الأول 2016، عقب قصف عنيف استمر أشهراً، انتهى بخروج فصائل المعارضة وعشرات آلاف المدنيين، والشروع بمسار أستانة، الذي كان بوابة واسعة لسيطرة النظام على كامل مناطق المعارضة باستثناء محافظة إدلب ومحيطها. وفي السياق، تؤكد الأرقام أن أغسطس/آب الماضي كان من أكثر الشهور دموية خلال الحملة التي بدأت أواخر إبريل/نيسان الماضي، حيث وثق فريق الإحصاء في “المركز الإعلامي العام” في مدينة معرة النعمان، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي، استهداف قوات النظام وروسيا مناطق في محافظات إدلب وحماة وحلب واللاذقية بـ 5456 غارة جوية. وأوضح، في إحصائية، أن طائرات سلاح الجو الروسي نفّذت وحدها 1564 غارة، تسبّبت في مقتل ما لا يقل عن 188 مدنياً، بينهم 55 طفلاً و29 امرأة، إضافةً إلى إصابة 807 مدنيين، معظمهم نساء وأطفال. وبيّنت الإحصائية، التي تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الغارات الجوية والقذائف المدفعية دمرت 17 مسجداً، و14 مدرسة، وثلاث مستشفيات، وثلاث نقاط طبية، ومخبزاً واحداً. وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، في جنيف أمس الأربعاء، إن مكتبها أحصى أكثر من ألف قتيل مدني في سورية خلال الأشهر الأربعة الماضية. وأشارت إلى أن 1089 مدنياً قتلوا في الفترة بين 29 إبريل/نيسان حتى 29 أغسطس/آب، من بينهم 304 أطفال. وأضافت أن جميع القتلى تقريباً (1031) سقطوا بسبب هجمات قوات النظام وحلفائها في محافظتي إدلب وحماة. أما الآخرون، وعددهم 58، فقتلوا بسبب هجمات “جهات غير حكومية”.
في غضون ذلك، يسود الاستياء من “هيئة تحرير الشام” عموم مدن وبلدات الشمال الغربي من سورية، والتي شهد بعضها تظاهرات أخيراً، تدعو إلى تفكيك “الهيئة” لتجنيب محافظة إدلب عملاً عسكرياً جديداً. وذكر موقع “بلدي نيوز” الإخباري المعارض أن مستشفى باب الهوى الحدودي علّق، أمس الأربعاء، أنشطته نتيجة الاعتداء الجسدي واللفظي الذي تعرض له طبيب الجراحة العظمية عثمان الحسن، وانتهاك حرمة المستشفى من قبل أمنيين تابعين إلى “هيئة تحرير الشام”، وتوجيه الإهانات والتهديد بالاعتقال لكوادر المستشفى أثناء قيامها بواجباتها الطبية. وكان عناصر تابعون إلى “الهيئة” أطلقوا النار على طبيب جراح في محافظة إدلب أثناء توجهه لإجراء عمل جراحي، وداهموا المستشفى الذي أسعف إليه واعتقلوه. وذكرت الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، التي تموّل المستشفى الذي يعمل فيه الحسن في مدينة معرتمصرين، أن عناصر ملثمين أوقفوه أثناء توجهه لعمله وضربوه ثم أطلقوا النار على قدمه، من دون سبب. وأضافت أن العناصر أسعفوا الطبيب إلى مستشفى باب الهوى الحدودي، وبعد خروجه من غرفة العمليات، داهموا المستشفى رغم التحذيرات واعتقلوه عدة ساعات.
بدورها، دانت مديرية صحة إدلب التابعة للمعارضة ما وصفته بـ”التصرف الغوغائي غير المسؤول” ونادت بوقف أي شكل من أشكال الاعتداءات على حرمة المنشآت الطبية، والكوادر الإنسانية العاملة في المناطق المحررة، ومحاكمة العناصر التي قامت بهذا الاعتداء. كما طالبت، في بيان، بالاعتذار من الطبيب. وأعلنت أنها تحتفظ بحق التصعيد في هذه الحادثة، وفي أي حادثة اعتداء ممكن أن تحصل بحق القطاع الصحي. من جهته، أصدر الجهاز الأمني لـ”هيئة تحرير الشام”، بياناً، قال فيه إن إحدى الدوريات التابعة له كانت تتابع عملية رصد لخلية خاطفة في المنطقة، وتطابقت المواصفات من ناحية الشكل واللون والمكان لسيارة الخاطفين مع سيارة الطبيب عثمان الحسن. وقدمت “الهيئة” اعتذاراً للطبيب وأهله، مؤكدة إحالة جميع العناصر إلى التحقيق لمعرفة ملابسات ما حدث ومحاسبة من أخطأ، واستعدادها لتنفيذ كل ما يصدر بحق أفراد الدورية لدى القضاء الشرعي.
المصدر: العربي الجديد