أمين العاصي
لم يكد ينتهي تسيير أول دورية برية مشتركة بين الجيشين التركي والأميركي في شرق الفرات بسورية في إطار فعاليات المرحلة الأولى من إنشاء المنطقة الآمنة”، حتى خرج الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتصريحات دلت على استمرار الخلاف الأميركي التركي، حول طبيعة المنطقة الآمنة وحدودها، وذلك في وقت كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف يجريان مباحثات حول سورية، ركزت بشكل خاص على مناقشة اجتماعات أستانة، ومواضيع تتعلق بتشكيل اللجنة الدستوري، بحسب ما أفادت مصادر في الخارجية التركية لوكالة “الأناضول”. وقال أردوغان “نتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة لكننا نرى في كل خطوة أن ما نريده وما يفكرون فيه ليس هو نفس الشيء”. وأضاف “يبدو أن حليفتنا تبحث عن منطقة آمنة للمنظمة الإرهابية وليس لنا. نرفض مثل هذا الموقف”، وذلك في إشارة إلى قوات وحدات حماية الشعب الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، والتي تسيطر على معظم أنحاء المنطقة الآمنة. وأكد أنه “لا يمكن إنجاز المنطقة الآمنة عبر تحليق 3 – 5 مروحيات أو تسيير 5 – 10 دوريات أو نشر بضع مئات من الجنود في المنطقة بشكل صوري”. وبيّن أن “تركيا تجري مباحثات من واشنطن حول المنطقة الآمنة”، مستدركاً “لكن في كل خطوة تخطوها نشاهد أن ما نريده ليس نفس الشيء الذي يدور في عقولهم”. وقال أردوغان إنه ينبغي جعل المنطقة برمتها آمنة بشكل فعلي بمدنها وريفها حتى يتسنى إسكان مليون شخص في هذه المنطقة. وتابع “إذا لم نبدأ بتشكيل منطقة آمنة مع جنودنا في شرق الفرات قبل نهاية سبتمبر/أيلول الجاري فلن يكون لدينا خيار سوى تنفيذ خططنا الخاصة”. وجاء موقف أردوغان بعد ساعات فقط من تسيير أول دورية مشتركة تركية أميركية، وفقاً لاتفاقهما في 6 أغسطس/ آب الماضي، في وقت نددت فيه وزارة خارجية النظام السوري بالدورية المشتركة، معتبرة ما جرى “انتهاكاً سافراً لسيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية”، ومشيرة إلى ما تعتبره الحكومة محاولات تقوم بها وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة لتقسيم سورية.
وأوضحت “الأناضول” أن موكباً تركياً مكوناً من 6 عربات مصفحة، ترفع العلم التركي، اجتاز الحدود مع سورية على بعد 30 كيلومتراً شرق قضاء أقجة قلعة بولاية شانلي أورفة، ليجتمع بموكب أميركي، وأن قادة الموكبين التقيا على الشريط الحدودي، وتباحثا لفترة خطة تسيير الدورية. وذكرت وزارة الدفاع التركية في بيان أن الدورية التي انطلقت صباح أمس، جرت مثلما هو مخطط لها، إذ تحركت القافلة العسكرية المشتركة نحو مدينة تل أبيض، على بعد 25 كيلومتراً غربي نقطة الالتقاء، حيث أجرت عمليات مراقبة في المنطقة، ثم توجهت إلى الأجزاء الداخلية جنوباً. واستغرق عمل الدورية نحو 3 ساعات. وأضافت أن الدوريات المشتركة ستتواصل جواً وبراً، في الأيام المقبلة، بغية المضي قدماً في تأسيس المنطقة الآمنة وفق الجدول الزمني المحدد. وشددت وزارة الدفاع على أن “الأنشطة المشتركة مع الولايات المتحدة لتأسيس منطقة آمنة بسورية، متواصلة دون إتاحة المجال لأي تلكؤ”، مشيرة إلى أن الهدف من الدوريات مراقبة أنشطة تأسيس المنطقة الآمنة بكل دقة وعناية، ورؤية تنفيذها على الأرض، كما هو مخطط. من جهتها، أكدت مصادر محلية لـ “العربي الجديد” دخول قوات تركية إلى قرية حشيشة شرق مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، لبدء عمل الدوريات المشتركة الأميركية والتركية. وقال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في مقابلة مع قناة “سي أن أن ترك”، أمس: “موقعنا الجغرافي ميزة، لكن هناك عيوباً فيما يتعلق بالهجرة والإرهاب”. وتابع قائلاً إن “تمكن القوات الأميركية من تنفيذ دوريات في شرق الفرات مع قواتنا، وتمكنها من الدخول بقواتها، فضلاً عن وجود نقاط مراقبة تركية في إدلب، كله حصل بفضل الخطوات التي اتخذتها تركيا”.
من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان بدء القوات الأميركية والتركية بتسيير أولى دورياتها المشتركة في المنطقة الواقعة بين ريف مدينة تل أبيض وريف رأس العين على الحدود السورية – التركية. وأشار المرصد إلى أن “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) انسحبت خلال الأيام الخمسة الماضية من المنطقة الآمنة، مؤكداً أن هذه القوات “سلّمت المنطقة لقوات حرس الحدود التابعة للمجالس العسكرية المحلية في المنطقة”. ووفق المرصد “ينص اتفاق المنطقة الآمنة على سحب العتاد الثقيل على بعد 20 كيلومتراً من كلا الطرفين بالإضافة إلى انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية وقسد إلى أعماق متفاوتة ما بين 5 و14 و20 كيلومتراً بحسب جغرافية الأرض، وذلك بتنسيق كامل مع المجالس العسكرية على الشريط الحدودي مع تركيا”.
وكان عضو الهيئة الرئاسية، الرئيس المشترك لممثلية “مسد” (المجلس السياسي لقوات قسد) في واشنطن، بسام إسحق، قد أكد في وقت سابق لـ “العربي الجديد” أنه “بشكل عام لا توجد منطقة آمنة بل آلية حفظ أمن عبارة عن دوريات مشتركة على عمق متفاوت وامتداد 100 كيلومتر تقريباً، وتزداد مسافة تطبيق الآلية على مراحل”. وكشف أنه “ستكون هناك شرطة حدودية سورية من أبناء المناطق الحدودية المحليين”، مضيفاً: “سيدخل الجيش التركي مع الأميركي في دوريات مشتركة عابرة”. وأشار إلى أنه “لن تكون للجيش التركي أي مواقع ثابتة على الأرض في شرق نهر الفرات”، موضحاً أن الاتفاق لا يتضمّن دخول مقاتلي “الجيش الوطني” التابع للمعارضة السورية إلى منطقة شرقي نهر الفرات، وأن المدن الرئيسية في شرقي الفرات ستبقى تحت إدارة “الإدارة الذاتية” الكردية.
ولا تزال تفاصيل الاتفاق التركي الأميركي حول مصير منطقة شرقي نهر الفرات غير واضحة، مع تأكيد كل طرف أنه حقق أهدافه من الاتفاق، الذي يبدو أنه جنّب المنطقة مواجهة عسكرية بين الجيش التركي وقوات “قسد” كان من الممكن أن تضع شمالي شرق سورية على حافة الفوضى العارمة. ومن الواضح أن الجانب التركي لا يثق كثيراً بالوعود الأميركية، إذ سبق أن تملصت واشنطن من اتفاق يخص مدينة منبج في غرب الفرات، ولم تطبق ما اتفقت عليه مع أنقرة متذرعة بـ”الأسباب التقنية”. وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن مسألة إخراج ما وصفها بـ “التنظيمات الإرهابية من منطقة شرق الفرات هو من الأولويات التي تضعها تركيا على أجندتها”، مضيفاً في كلمة له يوم السبت الماضي: تطهير شرق الفرات من التنظيمات الإرهابية على أجندتنا حالياً، سنحل هذا الموضوع بشكل أو بآخر خلال بضعة أسابيع. وأبدى الرئيس التركي انزعاجه من إرسال الولايات المتحدة أكثر من 30 ألف شاحنة محملة بالأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية إلى حليفتها “قسد”، متسائلاً: ضد من سيقاتل هؤلاء، هناك بلد وحيد هو تركيا، ونحن لن نتهاون معهم.
كما دعا رئيس هيئة الأركان العامة التركية، يشار غولر، السبت، نظيره الأميركي جوزيف دانفورد، إلى إنشاء المنطقة الآمنة شمالي سورية من دون إضاعة الوقت، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الدفاع التركية. وبدأت المخاوف التركية من محاولات إقامة إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية، يعتبره الأتراك خطراً على أمنهم القومي، تتصاعد في منتصف عام 2015 مع سيطرة الوحدات الكردية على مدينة تل أبيض الحدودية بدعم من التحالف الدولي عقب طرد تنظيم “داعش” من المدينة. وفي أواخر ذاك العام أنشأ التحالف الدولي “قسد” التي تضم خليطاً من الفصائل تقودها الوحدات الكردية. وانتزعت هذه القوات على مدى نحو عامين المنطقة من “داعش” متحكمة بنحو ثلث مساحة سورية، ما تسبب بقلق تركي.
وأفادت مصادر محلية في رأس العين وتل أبيض أن “قسد” سلمت المدينتين لمجلسين عسكريين يتبعان لها، ما يعني بقاء المنطقة تحت مظلة الوحدات الكردية التي تقود “قسد”، وهو ما قد تعتبره أنقرة تحايلاً كما حدث في مدينة منبج غربي نهر الفرات، كما أن تركيا تضع في مقدمة الأولويات إعادة نحو مليون سوري لاجئين على أراضيها، جلهم من منطقة شرقي الفرات، وهو ما لا توافق عليه الوحدات الكردية، ما يفتح الباب مجدداً أمام احتمال المواجهة العسكرية التي يحاول كل الأطراف تجنبها، نظراً لخطورتها على مستقبل المنطقة التي يراقب النظام السوري ما يجري فيها عن كثب.
أما المعارضة السورية المسلحة فتبدو غائبة عن المشهد في منطقة شرقي نهر الفرات، في ظل رفض مطلق من “قسد” دخول أي فصيل تابع للمعارضة إلى المنطقة، تحديداً بعد التجاوزات والتعديات التي لا تزال مستمرة بحق أهالي منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية التي تمارس من بعض فصائل المعارضة.
من جهته، أشار القيادي في الجيش السوري الحر العميد فاتح حسون، أن الأخير “يعمل على عودة أهل المناطق شرقي الفرات إلى مساكنهم، مدنيين كانوا أم عسكريين”. ولفت في حديث مع “العربي الجديد” إلى “أن هناك فصائل منظمة ومنضبطة في صفوف الجيش الحر، مقاتلوها من أهالي شرقي الفرات، يمكن أن تؤدي دوراً مهماً”، مضيفاً: “تدربت هذه الفصائل بشكل وافٍ، وشاركت الجيش التركي في معارك درع الفرات وغصن الزيتون وأثبتت احترافيتها، وبالتالي هي الأجدر بأن تشارك القوات التركية الحفاظ على أمن وسلامة شرقي الفرات”. وختم حسون بالقول: “الدعاية المغرضة التي تشنها مليشيا “قسد” بغية التأثير على قرار الدول المعنية بشرقي الفرات لن تكون مجدية، فمن حق الأهالي المهجرين العودة لمساكنهم وحمايتها”.
المصدر: العربي الجديد