سمير صالحة
لعبت نتائج الانتخابات البلدية، في مارس الماضي، في تركيا، دورا أساسيا في تشجيع أحزاب المعارضة على قول ما عندها بشأن قضايا وأزمات داخلية وخارجية تعني تركيا، وتعاني السلطة السياسية من الانسداد في إيجاد المخارج المناسبة لها، وبصوت جهوري مرتفع هذه المرة. فكيف سيستغل حزب الشعب الجمهوري هذه الفرص؟ أعلن زعيم الحزب، كمال كيليشدار أوغلو، أن حزبه يعد لعقد مؤتمر دولي بشأن سورية في 28 سبتمبر/أيلول الحالي في إسطنبول، ويدعو فيه أطراف النزاع هناك إلى طاولة المفاوضات، بما في ذلك شخصيات محسوبة على النظام في دمشق. وتحت عنوان عريض، قدّمه الحزب اليساري الأتاتوركي، وهو في أساس مواقفه السياسية، عن حاجة تركيا إلى العيش بسلام مع جيرانها ومحيطها الإقليمي، ورفض منطق العزلة الثمينة، وضرورة بناء السياسات الخارجية على أساس أن تقيم سلاما مع كل الجيران، تتم الدعوة إلى هذا المؤتمر. ما الذي يبحث عنه “الشعب الجمهوري” من خلال ورشة العمل هذه؟ إنه يريد حتما محاصرة حزب العدالة والتنمية (الحاكم) في سياسته السورية، ومحاولة تسجيل هدف في مرمى هذا الحزب الذي يعاني من أزمة ملف اللجوء (السوري) بكامل تعقيداته، قبل أن يكون هدفه المساعدة في أن تتجاوز تركيا هذه المرحلة الصعبة. إنه قد يتطلع أيضا للمساهمة في إذابة الجليد بين أنقرة ودمشق، وأن تأخذ القيادة السياسية التركية بما سيصدر عن المؤتمر من قرارات وتوصيات، فهل أنقرة ذاهبة فعلا نحو “التطبيع الناعم” مع دمشق، وهي تحتاج إلى لقاء من هذا النوع، كما ترى أصوات تركية معارضة؟ هل قرار السلطات التركية منح تأشيرات الدخول للوفد القادم من دمشق يعني تحولا في الموقف التركي الرسمي، وبداية التطبيع، وظهور العلاقات التركية مع النظام السوري من تحت الطاولة إلى فوقها، كما يقول محللون محسوبون على المعارضة، أو يحمل هذا الأمر أي مؤشر بهذا الاتجاه؟
حاول حزب الشعب الجمهوري، في بداية الأحداث السورية، أن يقف على مسافة واحدة من الجميع. أرسل ممثلين له إلى دمشق مرات، لكنه عاد ووقف إلى جانب قرار إجراء عمليات عسكرية تركية في سورية لحماية الأمن القومي التركي، وإبعاد المخاطر عن الحدود. وقد دعا زعيم الحزب، كمال كيليشدار أوغلو، الرئيس التركي، أردوغان، مرارا، إلى تغيير سياسة تركيا السورية، وإلى عقد محادثاتٍ على المستوى الرسمي مع سورية بأسرع وقت ممكن، لكنه لم يصل إلى ما يريد. وهو يريد من لقاء من هذا النوع فتح الطريق أمام عودة الحزب إلى المشهد الإقليمي المحيط بتركيا.
إذا كنا نعرف أسماء محسوبين على النظام في دمشق، ستشارك في المؤتمر، ونعرف أن المقرّبين من “قوات سوريا الديمقراطية” و”حزب الاتحاد الديمقراطي” المرتبط بحزب العمال لن توجه إليهم الدعوات، فإننا لا نعرف من هي القيادات أو الجهات السورية التي تمثل المعارضة المعتدلة في لقاءٍ من هذا النوع، وعلى ماذا ستحاور المحسوبين على النظام، وما هو سقف التوقعات والاحتمالات بشأن النتائج والتوصيات وسبل تنفيذها؟
ما يستحق المتابعة لن يكون قاعة الاجتماعات وطاولات الحوار المعدّة لاستقبال السوريين، من أجنحة وتيارات سياسية وفكرية متنوعة، بل طريقة الحوار، وما سيقال هناك، وسبل ترجمته إلى تفاهماتٍ تسهل الانطلاق نحو مرحلة جديدة في النقاش. وقد قالت قيادات في حزب الشعب الجمهوري إن الاجتماع ليس بديلاً عن عملية أستانا أو تفاهمات سوتشي، وأن قائمة المدعوين لحضور المؤتمر ستشمل أصحاب المصلحة الذين سيساهمون إيجابيا، وبشكل بناء، وبنشاط، في جميع جوانب المشكلة السورية، باستثناء المنظمات الإرهابية التي تتحرّك هناك. وأنه سيناقش خمسة مواضيع، في مقدمتها قضية اللاجئين السوريين، والوضع الراهن، وتطورات الوضع في إدلب، والبحث في كيفية إنهاء سنوات الصراع في سورية. وتقول أصوات في المعارضة إن دعوة شريحة واسعة من المجتمع السوري هدفها أن تتمكن تركيا من رؤية الحقائق بكل تجرّد. وقد أكّدت وجوه سورية مقرّبة من النظام تلقيها الدعوة، وحضورها إذا ما كان في ذلك مصلحة لسورية وللشعب السوري. وقد فتح كيليشدار أوغلو الطريق أمام المؤتمر بأسئلته: لماذا لا يوجد لتركيا سفير في دمشق؟ ولماذا تعقد الحكومة محادثات غير مباشرة عبر روسيا؟ ولماذا لا نقيم محادثات مباشرة على المستوى الرسمي مع دمشق بأسرع ما يكون؟
ستأخذ أسماء تركية وسورية يسارية معروفة أمكنتها في الجلسات، إلى جانب ممثلي عواصم عربية وأوروبية ربما. هل سيكون الهدف التقاط الصور التذكارية، أم هو بداية تعاون وتنسيق بين هذه المجموعات ومن تمثل باتجاه فتح الطريق أمام مسار جديد في التعامل مع ملف الأزمة السورية؟ المشكلة الأساسية أن الداعين إلى المؤتمر يريدون أن تكون مؤتمرات جنيف مثالا يحتذى به في أهداف اللقاء وتطلعاته. استضافت جنيف بين العامي 2012 و2017 جلسات عديدة من الحوار السوري السوري، بإشراف الأمم المتحدة، بجداول أعمال لم تسفر عن أية نتيجة حقيقية.
وقد عارض حزب الشعب الجمهوري دائما سياسة حزب العدالة والتنمية، وطريقة تعامله مع موضوع الأزمة السورية، وحاول التواصل مع دمشق أكثر من مرة، لنقل وجهة نظره، والتفاعل مع النظام، وإعلان وجود أصوات لا تتفق مع ما يقوله الحكم، ويفعله في التعامل مع الملف السوري. ولذلك قد ترحب دمشق بخطوته وتدعمها، وتحاول استغلالها للوصول إلى القواعد الشعبية التركية. وقد خيّب حزب العدالة والتنمية توقعات بعضهم، وقرّر فتح الطريق أمام انعقاد مؤتمر سورية الدولي، وتسهيل وصول الشخصيات المدعوة من الخارج، بمن فيهم القادمون من دمشق والمحسوبون على النظام، فهل يساهم الشعب الجمهوري من خلال تنظيم هذا اللقاء في دفع سياسة تركيا السورية نحو الخيارات والبدائل التي تحمل الحلول والاقتراحات الجديدة، لتسريع إنهاء ملف الأزمة وتعقيداته؟
قد يحرّك احتمال نجاح المؤتمر المرتقب زعيم المعارضة التركية نحو مصر هذه المرة، فهو تساءل باستمرار عن الأسباب التي تدفع القيادة السياسية التركية للتورّط في خلافات وأزمات في الشرق الأوسط: “لم يكن لدينا مشكلة مع سورية. لم يكن لدينا مشكلة مع مصر. لماذا نزاعنا مع مصر؟ مصر أقوى دولة في الشرق الأوسط. لقد أصبحت تركيا وحيدة ومعزولة في شرق المتوسط”. يحاول “الشعب الجمهوري” حتما أن يفتح الطريق أمام عودته إلى المشهد السياسي التركي في الداخل والخارج، بعدما أمضى عقودا في مقعد المعارضة.
المصدر: العربي الجديد