عبد الله البشير
بعض أهالي الغوطة الشرقية يعانون واقعاً أليماً يضاف إلى مأساة التهجير، في ظل مصادرة أملاكهم، ما يضطرهم إلى دفع مبالغ مالية لاستردادها
ليس التهجير المأساة الوحيدة أو الأخيرة التي واجهها أهالي الغوطة الشرقية في محافظة ريف دمشق. من غادر خوفاً من بطش النظام وجد نفسه أمام تهديد حقيقي يتمثل في خسارته كل ما يملك في تلك المنطقة من أراض أو منازل أو عقارات، تحت ذرائع عدة. عمار زياد (اسم مستعار) من مدينة دوما، هُجّر مع زوجته وابنته وأهله إلى الشمال السوري، ليقيم في مدينة الباب في ريف حلب الشمالي. بعدها، قرر الانتقال إلى تركيا وقد حصل على فرصة عمل هناك مع أقربائه. يتحدث الشاب الثلاثيني لـ “العربي الجديد” عن تجربة عائلته مع مصادرة محال تجارية يملكها والده في مدينة دوما. يقول: “بعد خروجنا من مدينة دوما، جعلنا عقاراتنا في تصرّف أقارب لنا في المدينة. وبعد وصولنا إلى الشمال السوري بفترة، فوجئنا بأنّ أشخاصاً يتعاملون مع النظام من مدينتنا تقدموا بشكوى ضدنا، مستغلين نشاطي السابق في قطاع الإعلام ضمن الغوطة الشرقية، ليطبق النظام حجزاً على كافة العقارات المسجلة باسم والدي وأعمامي. ولم نعد قادرين على بيعها أو التصرف فيها أبداً، وقد حدث الأمر حين كنا في مدينة الباب في ريف حلب، وبدأنا العمل على قضية رفع الحجز”.
يتابع زياد: “في تلك الفترة، قدم أحد أفراد أمن الدولة إلى أحد المحال التجارية التي تعود ملكيتها إلى والدي، وأبلغنا الحجز عليه وأنه بات مملوكاً للدولة. في بداية عملنا، قال لنا أحد الأشخاص إن رفع الحجز عن المحل يتطلب مبلغ مليون ليرة سورية (نحو ألف وتسعمائة وأربعين دولاراً)، وهو مبلغ ليس سهلاً. بدأنا السؤال والاستفسار عن القضية، حتى توصلنا إلى شخص يمكن حلّ المسألة بمبلغ وقدره 400 ألف ليرة سورية (نحو سبعمائة وستة وسبعين دولاراً). وبالفعل، رفع الحجز عن المحل وأزيل ختم الشمع الأحمر عنه. طبعاً، استغرقت العملية وقتاً وجهداً كبيراً. وبالنسبة لبقية العقارات المسجلة باسم والدي، ما زال قسم منها محجوزاً عليه ومصادراً من قبل النظام، ونعمل على إزالة الحجز عنه. طبعاً، سيكلفنا الأمر مبالغ ليست سهلة، لكن هذا أفضل من أن تضيع أملاكنا ونخسرها بالكامل”.
يوضح الشاب الثلاثيني أن “القضية حصلت بذريعة أنني كنت ناشطاً إعلامياً في الغوطة الشرقية، وقد عملت على نقل مجريات الحصار والقصف. وتمّ استغلال هذا الموضوع من قبل أشخاص في المدينة يتعاملون مع النظام للانتقام من والدي. طبعاً، النظام يسهّل هذه الأمور
لأنّها تعود عليه بمبالغ كبيرة، وتفيد شبيحته ومن يعمل على حل هذه الأمور العالقة”.
لا تقتصر عمليات الملاحقة والانتقام من أهالي الغوطة الشرقية على مصادرة الأملاك فحسب، بل تشمل جوانب أخرى كعقود البيع والشراء التي تمت خلال سنوات الحصار بين أهالي المدينة. في هذا الإطار، يقول عبد الرحمن ع. (38 عاماً) لـ”العربي الجديد”: “من المعروف أنه خلال أعوام الحصار وبعد عام 2013، ومع خروج عائلات كثيرة من المدينة إلى بلدان النزوح أو مناطق أخرى، باع الكثير من الأهالي عقاراتهم. ووجد النظام هذا الأمر باباً لاستغلالهم. وعند سيطرته على كامل الغوطة الشرقية ومدينة دوما، لم يعد يعترف بعقود البيع والشراء التي سبقت فترة الحصار”.
يوضح عبد الرحمن لـ”العربي الجديد”: “إلغاء عقود البيع والشراء لم يقتصر على العقود التي أبرمت في مدينة دوما، إنما تجاوز ذلك ليشمل العقود التي أبرمت في الدوائر الرسمية التابعة له في مدينة دمشق، والتي تحدث عبر وسطاء أو وكالات، ما تسبب في كارثة بعد التهجير الذي حصل في إبريل/نيسان عام 2018. إلغاء عقود البيع والشراء تسبب في مشاكل بين البائع والمشتري. كثيرون ممن باعوا أملاكهم وبقوا في المدينة طالبوا بها، ولم يعيدوا المبالغ المالية التي حصلوا عليها خلال عملية البيع. وقلة قليلة أعادوا المبالغ المالية لأصحابها، وكأن عملية البيع والشراء لم تحدث في الأصل، وهذا خلق مشاكل حتى الآن لم تحل بشكل كبير”.
يضيف عبد الرحمن: “أذكر عملية بيع تمت في عام 2015 ضمن مدينة دوما، وحصلت عملية نقل العقار من اسم البائع إلى المشتري في مدينة دمشق، ضمن أوراق الطابو النظامية في المدينة. لكن بعد التهجير، ألغيت عملية البيع، وأعيدت ملكية العقار إلى صاحبه الرئيسي. وما زالت الكثير من هذه المشاكل من دون حل، وكأن النظام تعمّد فعلاً الإضرار بالأهالي. كما ألغيت عقود البيع والشراء المبرمة بين عامي 2012 و2018”.
أما محمد المقيم في تركيا، وهو من مدينة دوما، وفضل عدم ذكر اسمه الكامل، فيقول لـ”العربي الجديد”: “في نهاية عام 2018، قدم عناصر من المليشيات التابعة لقوات النظام إلى منزلي الذي يقيم فيه قريبي في مدينة دوما، وأبلغوه أنه يتوجب عليه تسليم كافة ممتلكات المنزل لهم خلال مدة محددة، أو دفع مبلغ مالي يعادل قيمة ممتلكات المنزل. وبعد مدة أبلغوه أنه في حال لم يفعل ذلك، ستتم مصادرة المنزل من قبلهم. وبالفعل، سلمهم قسماً من الممتلكات ودفع لهم مبلغاً من المال لتركه في حال سبيله وعدم طرده من المنزل ومصادرته”. وكانت القوى الأمنية والعسكرية قد أبلغت عائلات كثيرة ضمن مناطق الغوطة الشرقية في ريف دمشق، أن المنازل التي صودرت لعائلات قتلاها تأتي استكمالاً لنهج التغيير الديموغرافي الذي يتبعه النظام، وانتقاماً من معارضيه حتى ممن رضخوا للتسوية وبقوا ضمن الغوطة الشرقية، بحسب ما أفادت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”. وتجاوز عدد العقارات المصادرة في بعض مدن الغوطة الشرقية مائة عقار.
المصدر: العربي الجديد