ياسر الحسيني
تأخرت لأكتب عنك حين انتهى الآخرون، وراحوا يبحثون عن ضحيّة جديدة طازجة أكثر منك. تستوقفني كثيراً هذه اللقطة الحزينة والأخيرة لأملٍ لم يُكتب له الإنجاز. استوقفني إصرارك على العبور حتى وأنت ميت، فرأسك نحو البحر وحذاؤك نحو وجوهنا الغارقة بتفاصيل الغدر. دعني أخاطبك بلغة البحر، فأنت اليوم موجة عاتية تصفع ضمير العالم علّه يستفيق، وأنا مجرّد زبد.
نم يا صغيري على الرمال ودعِ الموجات تداعب وجهك الحالم. وتأكد بأنّ موجة ما ستأتي مع خيوط الفجر لتحملكَ شراعاً يعرف طريق الشمس.
قصة (إيلان السوري الكردي) عصيّة على النسيان، وتستحضر المأساة السورية في كل مناسبة، كلّما أراد العالم أن يتناساها. هذا العالم الذي يدّعي الإنسانية والتمدّن، نراه قد أدار ظهره بكلّ برود لأكبر مذبحة عرفتها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية ، ولا تزال فصولها تتجلّى بأشكالٍ في منتهى الوحشية والقساوة، وما يزيد بشاعتها هو هذا الصمت المخزي الذي يرتقي إلى حدّ “المشاركة” من قبل الهيئات الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة ، التي سمحت لوزير خارجية النظام السوري ” وليد المعلّم” أن يعتلي منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ليخاطب العالم بكلّ صلف وعنجهية المنتصر على شعبه الأعزل، ويطالب بخروج القوات الأميركية والقوات التركية بوصفهما قوات إحتلال، متجاهلاً أن سورية وبفضل نظامه قد أصبحت محتلّة من قبل إيران وروسيا، وأنّ نصف الشعب السوري قد بات نازحاً أو لاجئاً هرباً من القصف اليومي الهمجي الذي تشنّه الطائرات الروسية، ومازالت على الأرض تكمل الميليشيات الإيرانية المهمّة.
هناك محاولات حثيثة من قبل المتآمرين على قضية الشعب السوري، لفكّ العزلة الدولية عن النظام، وترميم صورته الدموية، تمهيداً لعودته إلى الأسرة الدولية ربما من بوابة الجامعة العربية، بعد أن شاهد الجميع ذلك العناق المخزي الذي حصل بين الأمين العام للجامعة (نبيل العربي) و(نبيل المعلم) في مبنى الأمم المتحدة، الذي لم يكن بالصدفة كما حاولوا إظهاره، فليس هناك شيء في السياسة إسمه ” صدفة”، لكن هل ينجح (العربي) بعناق عابر أن يطوي ملف الإجرام الأسدي الروسي الإيراني؟ أم أنّ هناك من يطاردهم في كل الميادين لفضح جرائمهم حتى في عالم السينما، فقد
ذكرت صحيفة AKŞAM التركية يوم الجمعة 21/06/2019 أنّ الممثل الأميركي (ستيفن سيغال) يستعدّ للذهاب إلى تركيا للمشاركة في فيلم عن قصة الطفل السوري (إيلان) الذي مات غرقاً في تركيا، وسيتم تصوير الفيلم في مدينة بودروم التركية حيث تمت فيها حادثة الغرق، كما ذكرت الصحيفة أنّ الفيلم سيشارك فيه ممثلون عرب وأميركيون وأتراك، منهم علي صبري بلعيد، ويلما أليس.
ما يهمّنا من الخبر هو فكرة إعادة إحياء قصة إيلان التي ربما طواها ليس النسيان، وإنّما آلاف القصص المشابهة التي حدثت بعد غرقه، حتى أصبحت الذاكرة متخمة بألوان المعاناة التي لا تحصى.
يعود (إيلان) إلى الواجهة من جديد، لكن هذه المرّة ليس في هوليوود، ولا غيرها من مؤسسات السينما أو الفن، بل على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء 24/09/2019 ، حين طالب الرئيس التركي ( رجب طيب أردوغان) العالم بأن يضع حدّاً لما يجري في سورية، وإيجاد حلّ دائم للمسألة السورية، وأشار إلى أنّ تركيا قامت بإنقاذ 32 ألف مهاجر من الغرق في البحار هذا العام، ثم رفع صورة (إيلان ) معلناً أسفه لأنّ العالم نسي سريعاً هذا الطفل السوري الذي توفي غرقاً أثناء محاولة عائلته عبور البحر إلى أوروبا، وقال :”لا تنسوا ، فقد تدور الأيام، وتواجهون نفس الموقف “.
المصدر: اشراق