أمين العاصي
مع مواصلة تركيا عمليتها العسكرية في شمال سورية، ورفضها أي تفاوض مع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) التي عقدت اتفاقاً مع النظام السوري، ارتفعت الضغوط على أنقرة لدفعها إلى وقف هجومها أكان عبر زيارة وفد أميركي أمس إلى تركيا، أو عبر المساعي الروسية لإطلاق حوار بين أنقرة والنظام، في وقت استمر فيه التناقض الأميركي على لسان الرئيس دونالد ترامب، الذي هوّن من الهجوم التركي معتبراً أن الأكراد “ليسوا ملائكة”، وذلك بعدما كان وزير خارجيته مايك بومبيو يشدد على ضرورة وقف الهجوم التركي. وفي الميدان، كانت الأنظار تتجه إلى منبج وعين العرب، وسط تسابق الأطراف المتقاتلة لفرض السيطرة عليهما.
واستبق أردوغان أمس وصول الوفد الأميركي إلى تركيا، مستبعداً إجراء أي محادثات مع القوات الكردية من أجل وقف الهجوم التركي، داعياً إياها إلى إلقاء السلاح والانسحاب من الحدود التركية. وقال في خطاب أمام كتلة حزب “العدالة والتنمية” البرلمانية “هناك بعض القادة الذين يحاولون القيام بوساطة. لم يحصل إطلاقاً في تاريخ الجمهورية التركية أن تجلس الدولة على الطاولة نفسها مع منظمة إرهابية”. وأضاف “نحن لا نبحث عن وسيط، لسنا بحاجة إليه”. وتابع أردوغان “اقتراحنا هو أن يقوم كل الارهابيين الآن، الليلة، بإلقاء سلاحهم ومعداتهم وكل شيء وأن يدمروا كل تحصيناتهم وينسحبوا من المنطقة الآمنة التي حددناها” مضيفاً أن هذا الأمر “سيكون أسرع طريقة لحل المشكلة في سورية”. وتابع “حين يتحقق ما وصفناه، من منبج إلى الحدود العراقية حينئذ تكون عمليتنا التي لا تستهدف سوى الإرهابيين، انتهت من تلقاء نفسها”.
وشدّد أردوغان على أن ما تريده تركيا هو تسليم منطقة منبج إلى أصحابها. وقال أردوغان: “لا أريد التفكير باحتمال وجود اتفاق بين النظام وقسد (حول منبج)، لأنه لدينا اتفاق سابق مع روسيا حول هذه المنطقة”. وأضاف: “لا همّ لنا أن نكون في منبج، همّنا الوحيد أن تُخرج روسيا أو النظام تنظيم الوحدات الكردية الإرهابية من هناك”. ورداً على سؤال حول زيارته المرتقبة إلى الولايات المتحدة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، قال إنها “موضوع سيتم تقييمه بعد المباحثات مع الوفود الأميركية”.
في سياق آخر، أعلن أردوغان أنه لم يعد قادراً على “تتبع” تصريحات ترامب المتبدلة على “تويتر”، وفق صحيفة “حرييت” التركية أمس. وندد بـ”الصفقة القذرة” التي تمت بين القوات الكردية والنظام السوري، معتبراً في الوقت نفسه أن دخول قوات النظام إلى منبج “ليس تطوّراً سلبياً جداً بالنسبة لنا”.
وكان أردوغان بحث مع بوتين في اتصال هاتفي النزاع في سورية وتلقى دعوة لزيارة روسيا “في الأيام المقبلة”. من جهته، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أمس لوكالة “ريا نوفوستي” إن زيارة أردوغان يمكن أن تحصل “قبل نهاية أكتوبر/تشرين الأول”.
في غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس، أن بلاده تدعم تطبيق الاتفاق الأخير بين النظام السوري والأكراد، وستعمل على تشجيع تعاون عملي أمني بين النظام وتركيا على الحدود المشتركة. وقال لافروف خلال المنتدى الاقتصادي الروسي الأفريقي المنعقد في سوتشي، إن روسيا ستشجع على تطبيق الاتفاق الأخير بين دمشق والأكراد لانتشار قوات النظام على طول الحدود بين سورية وتركيا. كما قال الكرملين إن العملية العسكرية التركية يجب ألا تضر بالعملية السياسية في سورية. وأضاف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في مؤتمر صحافي عبر الهاتف، أن موسكو تحترم في الوقت نفسه حق تركيا في الدفاع عن النفس.
وفي السياق، أعلنت المستشارة السياسية لرئيس النظام السوري، بثينة شعبان، في حديث لوسيلة إعلام روسية، أن الحليف الروسي يريد عقد اجتماع أمني “سوري-تركي” في مدينة سوتشي الروسية. وتعليقاً على إمكانية حدوث صدام بين قوات النظام والقوات التركية، قالت إن “كل شيء محتمل”. ولا يبتعد ذلك عما نقلته وكالة “رويترز” عن “مصدر إقليمي مؤيد لدمشق” من أن “محادثات تركية روسية تجري… لتحديد الإيقاع في شمال سورية لا سيما شرقي نهر الفرات. هم الذين يحركون كل هذه الخطط”.
في موازاة ذلك، استبق الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس وصول وفد من المسؤولين الأميركيين إلى تركيا بالقول إن الأكراد “ليسوا ملائكة”. وتابع إن “الأكراد محميون بشكل جيد”، مضيفاً “أساسا هم ليسوا ملائكة”. وهوّن من شأن الأزمة التي أثارها التوغل التركي في سورية، قائلا إن الصراع بين تركيا وسورية، وإنه “لا بأس” إذا قدّمت روسيا الدعم لدمشق. وأضاف للصحافيين في البيت الأبيض أن فرض عقوبات أميركية على تركيا سيكون أفضل من القتال في المنطقة وأن الأمر يرجع لدول المنطقة لحل الأزمة. وشدد على أنه “واثق من سلامة الأسلحة النووية الأميركية في تركيا”.
في غضون ذلك، أعلن السيناتور الجمهوري الأميركي ليندسي غراهام أن أردوغان وعد ترامب بأن الحملة التركية لن تشمل مدينة عين العرب. وقال غراهام على حسابه في “تويتر”: “شاركت في مكالمة هاتفية جرت أمس (الثلاثاء) بين الرئيسين أردوغان وترامب، وتلقى الرئيس ترامب التزاما من الرئيس التركي بالابتعاد عن منطقة عين العرب لتفادي مزيد من التصعيد في سورية”. وشدد على أنه إذا واصلت القوات التركية تحركاتها لإحكام سيطرتها على المناطق المحيطة بالمدينة، فإنه سيعتبر ذلك خرقا من قبل أردوغان لوعده وتصعيدا خطيرا. وجاء ذلك فيما كان الجمهوريون يعلنون أنهم يعتزمون طرح تشريع في مجلس النواب أمس لفرض عقوبات على تركيا ردا على توغلها في سورية.
هذه التطورات استبقت وصول وفد أميركي يرأسه نائب الرئيس مايك بنس إلى تركيا أمس ويضمّ وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين والمبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري. وقال البيت الأبيض في بيان إنّ الزيارة تهدف إلى تأمين “وقف فوري لإطلاق النار وتوفير الظروف لحل تفاوضي”.
وأكدت الرئاسة التركية أمس أن أردوغان سيلتقي اليوم الخميس بنس. وكانت “سكاي نيوز” نقلت عن أردوغان قوله إن بنس وبومبيو سيقابلان نظيريهما التركيين فقط، لكن مدير الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون عاد وأكد أن الرئيس التركي “يخطط للقاء الوفد الأميركي الذي يقوده نائب الرئيس الأميركي”.
وكان بومبيو قال قبل وصوله إن الوفد يعتزم منع تركيا من مواصلة هجومها في سورية. وقال في مقابلة مع شبكة “فوكس بيزنس” إن هدف الوفد الأميركي هو إيجاد حل للوضع في سورية وليس الإضرار بالعلاقات الأميركية التركية. وأضاف أن من المهم أن يجري مسؤولون كبار من إدارة ترامب محادثات مباشرة “وجهاً لوجه”. وتابع “يتعين وقف التوغل في سورية. نريد منهم التراجع. نريد وقفاً لإطلاق النار كي نتمكن من إعادة الأمور إلى نصابها مرة أخرى”. وردا على سؤال عما إذا كان يُحمّل أردوغان شخصياً مسؤولية الوضع في سورية قال بومبيو “علينا أن نتذكر أن هذا وضع معقد”. وأكد أن بلاده تعمل على ضمان عدم حدوث فراغ في سورية. واجتمع أوبراين، مع وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو قبيل المحادثات مساء. وكان جاووش أوغلو قال أمس إن بلاده سترد على العقوبات التي فرضتها واشنطن بسبب العملية العسكرية التركية.
ميدانياً، عرضت وسائل إعلام روسية أولى الصور لتمركز القوات الروسية وقوات النظام في منبج. وعرضت قناة “ار تي” بدورها مقاطع مصورة تظهر التقاء قافلة عسكرية أميركية بأخرى للنظام على طريق بين منبج وعين العرب. من جهته، أكد القيادي في “الجيش الوطني” مصطفى سيجري، “أن قوات النظام لم تدخل منبج، وأعلام النظام ترفع هناك بموجب الاتفاق الأخير بين الرئيس التنفيذي المشترك لمسد إلهام أحمد ومخابرات النظام في دمشق”. وأكد سيجري في حديث مع “العربي الجديد” أن المعارضة السورية المسلحة “تعمل مع الحلفاء الأتراك للسيطرة على مدينة منبج”، وفق قوله.
في موازاة كل ذلك، لا تزال العملية العسكرية التركية في شرقي نهر الفرات تواصل السيطرة على المزيد من القرى والمواقع في ريفي تل أبيض ورأس العين، فيما لا تزال الأخيرة مستعصية على القوات التركية و”الجيش الوطني” بعد نحو أسبوع من انطلاق العملية.
واندلعت اشتباكات عنيفة أمس الأربعاء شمال شرق عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، بين عناصر “قسد” وقوات النظام من جهة، وقوات “الجيش الوطني” من جهة أخرى. كما ذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن اشتباكات دارت في وسط مدينة رأس العين. فيما نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول تركي لم تسمه أن المرحلة الأولى ستكتمل بحلول 13 نوفمبر/تشرين الثاني موعد لقاء أردوغان مع ترامب.
ميدانياً أيضاً، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس إن قوات روسية عبرت نهر الفرات شمالي سورية ووصلت إلى مشارف مدينة عين العرب، متجهة شرقا مع “قسد”. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن القوات الروسية وصلت إلى منطقة على بعد يتراوح بين أربعة وخمسة كيلومترات تقريبا من عين العرب بعد أن عبرت الفرات.
في هذا الوقت، شكت واشنطن من إطلاق نيران مدفعية تركية قرب قواتها. وقال مسؤول أميركي إن طائرة مقاتلة أميركية قامت باستعراض للقوة فوق مدينة عين العرب بعد اقتراب مقاتلين مدعومين من تركيا من القوات الأميركية المتمركزة هناك.
المصدر: العربي الجديد