هبة محمد
نفذت الشرطة العسكرية الروسية أولى دورياتها الأمنية شمالي سوريا، حيث دخلت إلى مدينة عين العرب في ريف حلب، عملاً بمذكرة التفاهم بين روسيا وتركيا التي توكل مهمة مراقبة انسحاب الميليشيات الكردية من المنطقة الحدودية، إلى الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود التابع للنظام السوري، وذلك تزامناً مع انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من مواقعها في ريف الحسكة عند الشريط الحدودي، وتعاظم القصف الجوي والبري على أرياف إدلب الجنوبية والجنوبية الشرقية، بأكثر من 350 غارة جوية وبرية وسط تحشيد نوعي لقوات النظام السوري، في محيط إدلب، ما ينذر بتلويح لاستئناف العمليات العسكرية في منطقة خفض التصعيد الأخيرة، وإنهاء التهدئة التي بذلت تركيا جهوداً دبلوماسية حثيثة للحفاظ عليها.
وأفاد بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية، الأربعاء، بأنه «وفقاً لمذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وروسيا، الثلاثاء، بسوتشي، نفذت الشرطة العسكرية الروسية، الأربعاء، دورية في المسارات المحددة شمال سوريا للمرة الأولى». من جهته، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، الخميس، بدء انسحاب عناصر الميليشيات الكردية من المناطق الحدودية المتاخمة لتركيا، وفق قناة «روسيا اليوم» لافتاً إلى أن «الانسحاب وفق اتفاق سوتشي بين الجانبين التركي والروسي».
وأمام هذه التطورات، اعتبرت أنقرة أنها وصلت إلى أهدافها الاستراتيجية، عبر الاتفاق الأخير في «سوتشي»، وذلك على لسان المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، عمر جليك، الذي وصف الاتفاق بأنه «يشكل المرحلة النهائية لوصول عملية نبع السلام إلى أهدافها الاستراتيجية، لإفشال تهديد التنظيمات الإرهابية ضد الأمن القومي التركي، ومحاولات إنشاء أجندات انفصالية في سوريا». وفي المقابل يعكس الميدان حالة التخبط الذي تمر به الوحدات الكردية، مع انسحاب قواتها من مواقعها على الشريط الحدودي، حيث نفذت الأخيرة محاولة تسلل من بلدة تل رفعت التي تنتشر عناصرها فيها، إلى مواقع الجيش الوطني في ريفي اعزاز وعفرين الواقعتين شمالي حلب، ما أدى إلى مواجهات بين الجانبين، حسب مصادر ميدانية أكدت لـ «القدس العربي» تدخل المدفعية التركية. وقال المرصد السوري لحقوق الانسان إن قوات سوريا الديمقراطية انسحبت من مواقع ونقاط عدة واقعة بين الدرباسية وعامودا في ريف الحسكة عند الشريط الحدودي مع تركيا، فيما من المرتقب أن يحاول بعض المدنيين العودة إلى مدينة رأس العين تزامناً مع عودة المدنيين إلى منازلهم في الدرباسية وعامودا.
ووسط الهدوء الحذر شرقاً، سجلت اشتباكات متقطعة، شرقي مدينة رأس العين، بين الجيش الوطني، وقوات سوريا الديمقراطية، وسط استهدافات متبادلة، تركزت حسب المرصد على محور «أم عشبة»، إضافة إلى مواجهات على محاور أخرى بريف مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، تترافق مع قصف متبادل بشكل متقطع، كما هز انفجار عنيف مدينة تل أبيض، ناجم عن انفجار سيارة مفخخة أمام مقر لفيلق المجد.
ومع ترسيم خريطة الشرق السوري وتقاسم الحصص بين الفاعلين الدوليين، يبقى ملف إدلب شمالاً، يغلي، إذ تتواصل عمليات القصف الجوي والبري بوتيرة متصاعدة على مواقع ضمن منطقة «خفض التصعيد» حيث سجل أكثر من 350 غارة جوية وبرية على المنطقة وسط تحشيد متواصل النظام السوري، غداة الزيارة التي قام بها رئيس النظام بشار الأسد، إلى ريف ادلب. وقال مدير الدفاع المدني السوري ان القصف الحربي والمدفعي مستمر على ريف إدلب، استهدف الطيران الحربي مدينة جسر الشغور الخميس، وقصف السوق الشعبية «سوق الخضار» مؤكداً «قتل وجرح أكثر من 20 مدنياً، بينهم 5 مدنيين استشهدوا، فيما أصيب 18 آخرون بجروح، بينهم 5 بحالة حرجة».
وأوضح مصطفى الحاج يوسف لـ «القدس العربي» أن الطائرات الحربية الروسية، استهدفت أمس مناطق ريف إدلب الجنوبي بالصواريخ، وأن فرق «الخوذ البيضاء» وثقت قصف 10 قرى وبلدة، عبر 28 غارة من الطيران الحربي الروسي، بالإضافة لـ86 قذيفة مدفعية من قبل قوات النظام. لافتاً إلى أن القصف استهدف مدينة كفرنبل بقذائف عدة كما شمل بلدات كفرسجنة والتح ومعرة حرمة وحزارين والشيخ مصطفى وبابولين وركايا سجنة، جنوب ادلب وقريتي الرفة وأم جلال بريف إدلب الشرقي. تزامناً وثق المرصد السوري لحقوق الانسان، تصاعد القصف الجوي والبري على منطقة «خفض التصعيد» بنحو 350 ضربة جوية وبرية، بينها 32 غارة جوية نفذتها طائرات حربية روسية، استهدفت أرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية الخميس، في كل من «ترملا وركايا وكفرسجنة» في ريف إدلب الجنوبي، ومحور «كبانة في ريف اللاذقية، والسرمانية» في ريف حماة الشمالي الغربي.
كما ارتفع عدد البراميل المتفجرة إلى 14 برميلا ألقتها طائرات النظام المروحية على محور كبانة في جبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي. وسط استمرار الاشتباكات بوتيرة عنيفة على محور كبانة، وذلك في هجوم لقوات النظام منذ ساعات الصباح، ترافق بقصف مدفعي مكثف استهدف ريف اللاذقية.
ووسط زيادة وتيرة القصف قالت وسائل إعلام روسية إن قوات النظام السوري استقدمت مزيداً من التعزيزات العسكرية النوعية على جبهات إدلب الجنوبية والجنوبية الشرقية، «مكونة من دبابات وناقلات جند ومدافع بعيدة المدى وقصيرة المدى، حيث تم توزيع هذه التعزيزات على كامل جبهة ريف إدلب الجنوبية والجنوبية الشرقية». وكانت وسائل إعلام النظام السوري قد أظهرت صوراً لبشار الأسد في محافظة إدلب وهي المرّة الأولى التي يزورها منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية قبل ثماني سنوات، حيث عرضت خارطة عسكرية خلف بشار الأسد مكتوباً عليها «تنفيذ عملية محدودة»، وهو ما قرأه خبراء ومراقبون على أنه تلويح بالجاهزية لاستئناف العمليات العسكرية في منطقة خفض التصعيد.
عبد الوهاب عاصي قال إن خريطة أخرى ظهرت أمام بشار الأسد، مع وجود مجموعة من الرموز العسكرية وهي عبارة عن «دوائر صغيرة لكتيبة، وكبيرة للواء، وأكبر منها لفرقة، ومع أنّ الخريطة تشير إلى ترتيبات قوات النظام السوري الدفاعية لكنها أيضاً تعكس وجود تجهيز للانتقال نحو الهجوم، والذي يُمكن أن يُستخدم به فرقة قتالية وحتى زج نسق ثانٍ للميليشيات التابعة لإيران».
وتمت زيارة بشار الأسد إلى إدلب بترتيب من أحد أو كلا حلفائه الدوليين، فهو غير قادر على التدخّل في هذا الملف، ولا يملك هو أو قادته العسكريون القدرة على اتخاذ قرار السلم والحرب. ومن الواضح أنه تم استخدام ظهور بشار الأسد في إدلب كورقة ضغط سياسية على تركيا من أجل الاستجابة إلى مصالح حلفائه خلال قمة «سوتشي»، حيث قال المتحدث بأنه في حال كانت إيران هي من تقف وراء الزيارة، فربّما أرادت أن تبعث برسالة احتجاج إلى تركيا وروسيا، حول قدرتها على التعطيل أو التأثير في التفاهمات الثنائية، بعد أن تم إقصاؤها عن قمة سوتشي وفي ظل اعتراضها على عملية نبع السلام. وربّما تخشى طهران من ألّا يتم أخذ مصالحها بعين الاعتبار على نحو مرضٍ لا سيما وأنّ تفاهم أنقرة وموسكو قائم في الأصل على أرضية الاتفاق الاستراتيجي الذي عقدته تركيا مع الولايات المتحدة والتي تضع في الحسبان تقويض أنشطة إيران في سوريا. وقد تكون زيارة بشار الأسد، حسب الباحث السياسي، رسالة روسية لا إيرانية، أي ممارسة ضغوط على تركيا من أجل أن ترفع الغطاء السياسي عن إدلب مقابل إبداء روسيا مزيداً من التعاون في ملف المنطقة الآمنة، خاصة فيما يتعلق بالمناطق التي انتقلت دائرة التأثير الروسي، أي كوباني ومنبج شمال شرقي حلب.
المصدر: القدس العربي