عبد الرحيم خليفة
كشفت الانتخابات (البرلمانية والرئاسية) التونسية الأخيرة، وقبلها نجاح الثورة السودانية، وانتفاضة الشعب العراقي، والانفجار الشعبي الكبير في لبنان، عن حيوية عالية لدى الشعوب العربية، وفعالية حركية كبيرة في مسار التاريخ الإنساني، بالرغم من كل العوائق والمعضلات التي تواجه حركة الشعوب العربية باتجاه المستقبل.
كما كشفت الأحداث الأخيرة في عموم بلدان المنطقة عن “قابليتنا للديمقراطية” واستعدادات شعوبنا لتقديم كل التضحيات الواجبة للوصول إلى حياة ديمقراطية سليمة، أسوة بباقي شعوب المعمورة.
وبالرغم من كل ما واجهته تجارب بلدان الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي من انتكاسات، وإخفاقات، لاتزال الشعوب العربية بعناد وثبات مصرة على نيل حقوقها واستعادة ما ضيعه الاستبداد منها، خلال حقب مظلمة طويلة، ولم تثنها عن ذلك المخاوف من (فزاعة) المصير الذي هددت به في نماذج سورية، وليبيا واليمن.
“قابليتنا للديمقراطية” تجسدت في أكثر من مشهد وصورة، وتتعدى جولتي الانتخابات الأخيرة في تونس، لنراها في اتفاق السودان بين العسكر وقوى الحرية والتغيير، وفي كل حركة شعبية في العراق ولبنان والأردن والجزائر مطالبة بإسقاط الاستبداد والفئوية والطائفية والمذهبية، وبحياة حرة كريمة.
عرفت المنطقة تجارب عديدة سابقة للربيع العربي كشفت بوضوح عن قابليتنا للديمقراطية وبناء أوطاننا على أسس من الحرية والعدالة، تحترم فيها حقوق الانسان، وآدمية البشر، إلا أنها ووجهت بإخفاقات عديدة وانقطع تواصلها وتطورها، ليتجدد في الأعوام الأخيرة بشكل فاجأ كل المراقبين والمحللين، ما يدلل على معرفة عميقة لدى شعوبنا بعلاج مشاكلها إضافة لمسايرتها لحركة التاريخ وقيم العصر الراهن.
في حالتنا السورية بالرغم من كل منعرجات الثورة وتحولاتها، لايزال الإصرار واضحًا على الانتقال للديمقراطية علاجًا لكافة المشاكل التي أحدثها الاستبداد والطغيان، وقد تجلى ذلك مؤخرًا بالرفض القاطع لكل قوى الاستبداد سواء كان ممثلاً بنظام الأسد، أو بالقوى المتطرفة من داعش والنصرة الى الب ك ك أو قسد، أو غيرهما، وتحت أي مسمى جاؤوا وكانوا.
بالعودة للانتخابات التونسية ونموذجها الذي قدمته، وهو نموذج محكوم بظروفه وآلياته، هناك الكثير مما يمكن الوقوف عنده ورصده بما يفيد تطلعنا نحو المستقبل.
(الشعب يريد) هذا الشعار على بساطته الذي رفعه الرئيس التونسي (قيس سعيد) في حملته الرئاسية عميق جدًا في دلالاته ومضامينه التي تستحق الوقوف عندها وإدراكها، من الضرورة بمكان لكل مهتم ودارس أو منشغل بالشأن العام.
الشعب يريد آليات حكم ديمقراطية شفافة وعصرية متجاوزة لكل البنى التقليدية والارتدادات ما دون وطنية التي تعكس مشاريع هيمنة وتبعية لقوى إقليمية طامعة بالسيطرة والنفوذ.
في كل تلك الثورات والانتفاضات ما يقال لنا عن ضرورة تغيير خطابنا الوطني باتجاه التمسك بوحدة الشعب السوري بكافة مكوناته وفئاته، واعتبار كل تلك الأمراض الراهنة في حالتنا الوطنية من عرض الاستبداد والطغيان وحده ولا شيء آخر.
على قوانا الوطنية الديمقراطية أن تبدي مواقف أكثر وضوحًا من كل المخاطر التي تتهددنا، والمشاريع التي تستهدف لحمتنا الوطنية، تجسيدًا لمفاهيم وحدة أرضنا وشعبنا، والإعلاء من الوطنية السورية التي وحدها الكفيلة ببناء دولتنا الديمقراطية المنشودة.
لا تستقيم دعاوي الديمقراطية والوطنية مع حالات الارتهان للآخر، والانجرار لمشاريع الآخرين، ولا تستقيم رغباتنا الوطنية والديمقراطية مع ذهنية أقلاوية أو ما دون وطنية، تنظر للآخر بعداء وتشفٍ.
من تونس إلى لبنان مرورًا بالسودان والعراق والجزائر وسورية يرتفع شعار (الشعوب تريد) مقترنًا بحركية شعبية لن تتوقف ولن تهدأ، كما توحي المؤشرات العيانية. قد تتعثر هنا أو هناك أو قد تخمد في مكان، ولكنها سرعان ما تنفجر في مكان آخر، وتستمر في اتجاه المستقبل، وهو هنا ليس إلا بناء دولنا وأوطاننا على أسس وطنية وديمقراطية سليمة. الشعوب تريد، والقدر يستجيب إن شاء الله.
المصدر: اشراق