أمين العاصي
لا يزال المشهد السوري تحت تطورات متسارعة تنذر بتغيرات مرتقبة، ففيما كانت الولايات المتحدة تعلن أنها أتمت انسحابها العسكري من شمال شرق سورية، كانت روسيا تعزز تواجدها في عين عيسى في ريف الرقة الشمالي. بالتوازي مع ذلك، تضع قوات النظام السوري ثقلها في المعارك الدائرة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، بدعم من الطيران الحربي الروسي، وذلك في محاولة لإحداث اختراق كبير يمكّنها من التقدّم في عمق الشمال الغربي من البلاد، بينما تحاول فصائل المعارضة الحيلولة دون تقدّم هذه القوات والمليشيات التي تساندها باتجاه مدينة معرة النعمان، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي.
ولا تزال الاشتباكات محتدمة في الريف الجنوبي الشرقي لمدينة إدلب، بين فصائل المعارضة من جهة، وقوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة أخرى، مع ضغط كبير للنظام في الأيام الأخيرة على محوري أم جلال وأم التينة، وقصف جوي من قبل مقاتلات النظام الحربية والمروحية والطيران الروسي.
وذكر مصدر في فصائل المعارضة السورية أن قوات النظام سيطرت، أمس الخميس، على قرية أم التينة، بعد أن شنت الطائرات الحربية التابعة لروسيا وقوات النظام “مئات” الغارات على القرية، ومواقع الاشتباك مع الفصائل العسكرية. وذكرت مصادر محلية أن اشتباكات “عنيفة” دارت في أم التينة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، مشيرة إلى أن قوات النظام المتمركزة في مدينة خان شيخون تقصف بالمدفعية الثقيلة والصواريخ قرى التح وأم جلال والفرجة في ريف إدلب الجنوبي. وتسعى قوات النظام لإحداث اختراق كبير في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، من أجل فتح الطريق أمامها للتقدم باتجاه مدينة معرة النعمان، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي والواقعة على الطريق الدولي “ام 5” الذي يصل حلب كبرى مدن الشمال السوري بمدينة حماة وسط سورية.
من جهته، أفاد مصدر مطلع بأن الطائرات الحربية التابعة للنظام نفذت غارات استهدفت الطريق الواصل بين قريتي تل الطوقان ورأس العين في ريف إدلب الشرقي، بينما قصفت الطائرات الروسية الذهبية ومحاريم وأباد في ريف حلب الجنوبي، بالتزامن مع قصف مدفعي متواصل على محوري جزرايا وزمار بالريف الحلبي. وأكدت وسائل إعلام تتبع لـ”هيئة تحرير الشام” مقتل وجرح عناصر من قوات النظام باشتباكات في قرية أم جلال بإدلب. وأفاد مصدر عسكري في الهيئة، بمقتل ضابط برتبة نقيب و5 عناصر من قوات النظام، وجرح آخرين، خلال المعارك العنيفة على محور أم التينة جنوب شرق إدلب. كما أعلن سقوط 5 قتلى من قوات النظام، بينهم قائد ميداني، وجرح آخرين في قرية المشيرفة و”الكتيبة المهجورة”، جراء استهدافهم من قبل مدفعية “تحرير الشام”.
وكانت تركيا قد أعلنت، مساء الأربعاء، إرسال تعزيزات عسكرية جديدة إلى نقاط المراقبة في محافظة إدلب، تضم مدرعات وناقلات جنود وآليات بناء. وتحتفظ تركيا بـ12 نقطة مراقبة في محيط محافظة إدلب، وفق تفاهمات مع الجانب الروسي، ولكن وجود هذه النقاط لم يحُل دون تقدم قوات النظام التي تتجنب الاحتكاك مع الجنود الأتراك داخل هذه النقاط. في السياق، وثّق مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مقتل ألف شخص بين شهري إبريل/نيسان وأغسطس/آب الماضيين، ونزوح نحو 400 ألف مدني، شمال غربي سورية، على خلفية الأعمال العسكرية التي تقوم بها قوات النظام بمساندة نارية من الطيران الروسي.
على صعيد آخر، لا تزال تتوالى التطورات في شمال شرقي سورية، أو ما بات يُعرف بمنطقة شرقي الفرات. وذكرت مصادر محلية أن اشتباكات “متقطعة” جرت، الأربعاء، بين “الجيش الوطني” التابع للمعارضة و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) التي تقودها الوحدات الكردية، وذلك في قرية العريضة في ريف الرقة الشمالي. وفي السياق، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن “الأجواء غير الملائمة” منعت القوات التركية والروسية، أمس الخميس، من تسيير دورية مشتركة في ريف الدرباسية في ريف الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية.
إلى ذلك، أكدت مصادر متقاطعة أن القوات الروسية استقدمت تعزيزات لوجستية وعسكرية إلى قاعدة مطار عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، تتضمّن ما لا يقل عن 15 آلية تحمل على متنها معدات عسكرية ولوجستية وغرفا مسبقة الصنع، بالإضافة إلى صهاريج معبأة بالمازوت. وكان الجانبان التركي والروسي اتفقا على تسلّم موسكو لبلدات ومدن عين عيسى في ريف الرقة الشمالي وتل تمر وعامودا في ريف الحسكة، لتفادي الصدام بين “الجيش الوطني” التابع للمعارضة و”قسد”.
وفي حادث لا يمكن عزله عما يجري في شرقي نهر الفرات، أصيب عدد من عناصر القوات التركية بجروح، مساء الأربعاء، جراء انفجار سيارة مفخخة استهدف رتلا للجيش التركي قرب مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي الشرقي غربي نهر الفرات. وقالت مصادر محلية إن سيارة مفخخة من نوع فان انفجرت قرب رتل تركي في محيط قرية البلدق شمال بلدة عون الدادات التابعة لناحية جرابلس بريف حلب الشرقي، ما أسفر عن وقوع إصابات بالغة في صفوف القوات التركية، واحتراق مدرعة تحمل جنودا بداخلها.
في موازاة ذلك، أعلن وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، في مقابلة أجرتها معه وكالة “رويترز”، أن الولايات المتحدة أتمّت انسحابها العسكري من شمال شرق سورية، ليصبح عدد الجنود الأميركيين في بقية أنحاء سورية حوالي 600 جندي. وأكد إسبر احتفاظ واشنطن بالقدرة على إدخال أعداد صغيرة من القوات وإخراجها وفقا للضرورة في سورية، لكنه أشار إلى أن عدد القوات سيتأرجح عند مستوى 600 فرد في المستقبل المنظور. ومن المقرر أن يقوم الجنود المتبقون في سورية بحماية آبار النفط السوري في شرقي البلاد التي تسيطر عليها “قسد”. ولم يستبعد إسبر خفض مستوى القوات على نحو أكبر إذا ساهم الحلفاء الأوروبيون في المهمة في سورية. وقال من دون الإشارة إلى أي مساهمة جديدة وشيكة إن “التحالف يتحدث كثيرا مرة أخرى. ربما يرغب بعض الحلفاء في المساهمة بقوات”. وتابع “إذا قررت دولة حليفة عضو في حلف شمال الأطلسي تقديم 50 فردا لنا فقد يكون بمقدوري سحب 50 شخصا (من قواتنا)”.
لكن وكالة “الأناضول” ذكرت، أمس، أن الولايات المتحدة واصلت إرسال تعزيزات عسكرية ولوجستية إلى قواعدها في حقول النفط شرقي سورية. ونقلت الوكالة عن مصادر محلية أن قافلة أميركية مكونة من خمسين شاحنة دخلت، مساء الأربعاء، عبر معبر سيمالكا الحدودي مع العراق، ووصلت حقول جبسة قرب مدينة الشدادي جنوبي الحسكة.
سياسياً، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن القمة الرباعية الثانية حول سورية ستُعقد في مدينة إسطنبول، خلال شهر فبراير/شباط المقبل. وبحسب بيان للرئاسة التركية أمس الخميس، قال أردوغان خلال لقاء مع صحافيين في العاصمة البريطانية لندن، إن زعماء تركيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا قرروا عقد القمة الرباعية (حول سورية) مرة على الأقل كل عام، والقمة الثانية ستعقد في إسطنبول خلال فبراير المقبل.
وبخصوص إعمار “المنطقة الآمنة” في سورية، قال الرئيس التركي إن لامبالاة الدول بهذا الخصوص ما زالت مستمرة. وأشار إلى أن بلاده تفكر في البدء بالعمل بإمكاناتها الذاتية في منطقة تل أبيض ورأس العين، وإنشاء مدينة للاجئين، مؤكداً أنهم يملكون خططاً بهذا الخصوص، من أجل عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى ديارهم بشكل طوعي. وأضاف “نحن لدينا حدود مشتركة مع سورية بطول 911 كيلومتراً، ونتعرض لتحرشات واعتداءات من الإرهابيين، وقدمنا ضحايا”، مؤكداً “أننا لن نغادر الأماكن التي دخلناها من دون تأمين السلام، وسنواصل مكافحة داعش والتنظيمات الإرهابية”.
وأعرب أردوغان عن أسفه لوقوف الغرب إلى جانب “التنظيمات الإرهابية” (الوحدات الكردية/حزب العمال الكردستاني) بحجة محاربتها تنظيم “داعش”، مشيراً إلى أن تركيا هي من قامت بتحييد أكثر من 3 آلاف مقاتل من “داعش” في مدينة الباب السورية عبر عملية “درع الفرات”، ثم تحييد الآلاف منهم في عملية “غصن الزيتون” في مدينة عفرين، مؤكداً أنهم يواصلون مكافحة “داعش” وإرسالهم إلى بلدانهم التي أتوا منها.
في غضون ذلك، شن طيران حربي “مجهول الهوية”، مساء الأربعاء، غارات جوية على مطار الحمدان بريف مدينة البوكمال شرقي سورية، وفق مصادر محلية. وقالت شبكة “فرات بوست” المحلية إن الغارات التي يرجح أن يكون مصدرها التحالف الدولي، استهدفت مطار الحمدان الواقع غربي مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي، والذي يتخذه الحرس الثوري الإيراني قاعدة له في تلك المنطقة. وتسيطر مليشيات إيرانية على مساحات واسعة من ريف دير الشرقي جنوب نهر الفرات بدءاً من مدينة الميادين وصولاً إلى مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية. وخلال العام الحالي، شن طيران التحالف الدولي وطيران إسرائيلي غارات على قواعد عسكرية لهذه المليشيات، آخرها كان في 16 سبتمبر/أيلول الماضي.
المصدر: العربي الجديد