حسن الشاغل
تعتبر منطقة شرق المتوسط تاريخيًا ساحة للصراعات الجيوسياسية الإقليمية والدولية المستمرة، وقد شهدت السنوات الأخيرة اكتشافات كبيرة للغاز في المنطقة، وبينما تزداد أهمية المنطقة من جهة، تتكون اتفاقات وتحالفات جديدة بين الدول الشاطئية من جهة أخرى. وتاريخيًا كانت منطقة شرق المتوسط خارج حسابات الدول وشركات البترول والغاز وكانت منطقة الخليج العربي هي الأهم. بعد اكتشاف الغاز والبترول في المنطقة أصبحت لها أهمية اقتصادية كبيرة مما خلق توترات بين الدول الشاطئية.
تطل على شرق البحر المتوسط كل من (تركيا، اليونان، مصر، سورية، لبنان، جزيرة قبرص الشمالية، جزيرة قبرص الجنوبية، فلسطين المحتلة) والمشكلة في هذه المنطقة أن الدول الشاطئية لم تتفق على ترسيم الحدود المائية من قبل، فإسرائيل تتهرب من ترسيم الحدود المائية مع لبنان، ومصر، وبين تركيا واليونان، وبين تركيا وقبرص الجنوبية. في حين وقعت كل من اليونان ومصر وقبرص على اتفاقيات ترسيم الحدود المائية، ووقعت إسرائيل مع جزيرة قبرص الجنوبية اتفاقية ترسيم الحدود المائية. كما تم التوقيع بين مصر وقبرص واليونان على ترسيم الحدود. لكن هناك إطارًا قانونيًا حددته الأمم المتحدة، ضمن قوانين البحار، والتي تم توقيعها في 10 ديسمبر 1982، ودخلت حيز النفاذ في 16 نوفمبر 1994 بعد أن صادقت عليها 60 دولة. وتضمنت هذه الاتفاقية العامة تقسيم البحار إلى 4 مناطق رئيسية، وهي البحر الإقليمي، ويُحدد بحد أقصى 12 ميلًا بحريّاً من خط الأساس، وللدولة سيادة كاملة عليه، ثم المنطقة الاقتصادية الخالصة التي حددتها بـ 200 ميل بحري تقاس أيضًا من خط الأساس، ثم منطقة الجرف القاري، وأخيرًا أعالي البحار. وكل الدول الشاطئية لشرق المتوسط وقعت إلا تركيا بسبب وجود مشاكل حدودية بينها وبين اليونان ومع قبرص الجنوبية.
وقد قسمت المنطقة التي تتواجد فيها حقول الغاز والنفط الى 12 بلوك متوزعة في منطقة شرق المتوسط. وأبرز الاكتشافات كانت لحقول الغاز التي اكتشفت قرب السواحل المصرية وأهمها حقل ” ظهر”، وقبالة سواحل قبرص، وفلسطين المحتلة التي يستثمر كافة احتياطاتها الاحتلال الإسرائيلي وخاصة في حقل ” لمار” النفطي، بالإضافة إلى وجود عدة حقول نفطية أمام البلوك 9 التي يتنافس عليه الاحتلال الإسرائيلي ولبنان. تقول الحكومة اللبنانية أن كامل الحقل يقع ضمن المياه الإقليمية الخالصة للبنان، في حين تقول إسرائيل إن أجزاء من بلوك 9 يقع ضمن المياه الإقليمية الخالصة لإسرائيل. في الوقت الذي وقعت فيه إسرائيل مع قبرص اتفاقية ترسيم الحدود واعترفت فيها قبرص بأحقية الاحتلال الإسرائيلي بمنطقة البلوك 9. ولكن حتى الآن لم ينته الصراع عليه بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي.
أما الصراع الأشد فكان بين تركيا وجزيرة قبرص الجنوبية واليونان ومن خلفهم الاتحاد الأوروبي حول عمليات التنقيب التي يقوم بها الأطراف في المنطقة، خاصة أن تركيا لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بتحديد المنقطة الاقتصادية الخالصة، والسبب الأساسي لعدم توقيع تركيا على هذه الاتفاقية هو المشاكل الحدودية في بحر إيجة مع اليونان، وجزيرة قبرص الجنوبية. من وجهة نظر الحكومة التركية فإن عمليات البحث والحفر التي تقوم بها حكومة جنوب جزيرة قبرص بالتعاون مع شركات البترول العالمية غير قانونية، وتقف تركيا ضد كل أعمال البحث والتنقيب التي لا تأخذ بعين الاعتبار الحقوق القانونية للجمهورية التركية وللأتراك في الجزء الشمالي من جزيرة قبرص. وأن جميع مصادر الغاز التي تم اكتشافها مقابل الجزيرة هي لجميع سكان جزيرة قبرص ويجب تحديدها وتطويرها مع بعضهم البعض. وقد صرحت الحكومة التركية في عدة مرات أنها لن تترد في التدخل بكافة الوسائل ومنها العسكرية ضد سفن البحث والحفر في شرق البحر المتوسط إذا ما تعدت الدول المجاورة على المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا.
لقد أصبحت منطقة شرق المتوسط من أهم المناطق حيوية بسبب موقعها الاستراتيجي، وبسبب الاكتشافات الجديدة من موارد الطاقة، والأهم من ذلك قرب هذه الموارد من دول الاتحاد الأوروبي وتركيا، وهم من أكثر الدول استهلاكًا لموارد الطاقة. بالإضافة لعدم امتلاكهم لأي احتياطات من موارد الطاقة، لذلك نشهد صراعًا كبيرًا بين الدول الشاطئية للحصول على الحصة الأكبر من هذه الموارد.
المصدر: اشراق