أمين العاصي
تتواصل جرائم النظام وروسيا في محافظة إدلب شمال غربي سورية، ويتسع نطاقها، وسط سعي من قبل فصائل المعارضة لسدّ الخرق الذي أحدثته قوات النظام أخيراً في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، والذي جعلها على مقربة من مدينة معرة النعمان، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي ومعقل المعارضة والثورة البارز، والذي يمهّد لولوج النظام إلى عمق محافظة إدلب. ويأتي ذلك فيما كانت تدور مباحثات روسية تركية حول الأزمة السورية في موسكو أمس، انتهت بإعلان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن أنه تم إبلاغ الوفد التركي الذي كان يجري محادثات في موسكو، “بأنهم (الروس) سيبذلون جهدهم لوقف هجمات النظام (السوري) خلال 24 ساعة”. وأضاف أن تركيا “تتوقع إنهاء الهجمات على إدلب فوراً، من خلال اتفاق جديد لوقف إطلاق النار”. من جهتها أوضحت مصادر في الخارجية التركية لـ”العربي الجديد” أن الجانب الروسي وعد بوقف إطلاق النار فوراً مقابل عدم انسحاب النظام من أي نقطة تقدم إليها.
وكان الروس يواصلون أمس سياسة الأرض المحروقة التي يتبعونها في محافظة إدلب والتي تحصد يومياً أرواح مدنيين جلهم أطفال ونساء، حيث قتل ثمانية مدنيين في حصيلة أولية، بينهم طفلان وامرأة وأصيب آخرون، أمس الثلاثاء، جراء قصف من طيران حربي روسي على مدرسة ومخيم للنازحين بمحيطها في قرية جوباس في ناحية سراقب بريف إدلب الشرقي. وعلى صعيد الأعمال القتالية، بدأت فصائل المعارضة السورية أمس هجوماً معاكساً على قوات النظام المتقدمة، إذ أكدت مصادر من المعارضة المسلحة تجدّد الاشتباكات بشكل عنيف مع قوات النظام ومليشيات تساندها على محاور عدة في ريف إدلب، في محاولة من قبل فصائل المعارضة لاستعادة زمام المبادرة بعد أيام تراجع خسرت خلالها أكثر من 30 بلدة وقرية وموقع.
وأضافت المصادر أنّ المعارضة دمّرت مدفعاً وآلية مدرعة لقوات لنظام وقتلت مجموعة من عناصرها في هجوم معاكس، بهدف استعادة السيطرة على قرية البرسة بالريف الشرقي لإدلب، كما قتلت مجموعة أخرى للنظام في اشتباكات عنيفة جرت على محور قرية الغدقة. وأكدت المصادر استعادة فصائل المعارضة السيطرة على قريتي تلمنس والغدقة، فيما تحتدم المواجهات على جبهات قرى وبلدات البرسة ومعرشمارين ومعرشمشة ومعرشورين، مشيرةً إلى مقتل وإصابة العشرات من قوات النظام والمليشيات على جبهات البرسة وفروان بريف إدلب الشرقي.
وكانت قوات النظام أحدثت مساء الاثنين اختراقاً كبيراً في محور ريف معرة النعمان بسيطرتها على بلدة جرجناز وقرى عدة في محيطها، ما جعلها على بعد أقلّ من 4 كيلومترات من مدينة معرة النعمان على الطريق الدولي.
وبعد تقدّم النظام في عمق محافظة إدلب، أعلنت “الجبهة الوطنية للتحرير” أكبر تجمّع لفصائل المعارضة في شمال غربي سورية، في بيان لها أخيراً، “النفير العام” لمواجهة قوات النظام السوري والمليشيات المساندة لها في ريف إدلب. ودعت الجبهة مقاتلي الفصائل إلى التوجه من أجل قتال النظام وصدّ الهجوم الذي يشنه على “الأهل والعرض والأرض، والذي دمّر البيوت وشرد الأهالي وقتل الأبرياء”، وفق البيان.
على الصعيد ذاته، دعا قادة في الفصائل المعارضة عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، إلى التصدي لقوات نظام الأسد وروسيا جنوب إدلب، و”ركن النزاعات جانباً، وتحكيم الضمير في حماية المدنيين”. وسيطرت قوات النظام ومليشيات تساندها خلال أيام قليلة أخيراً، على أكثر من 30 بلدة وقرية وموقع، أبرزها: جرجناز، فروان، الحراكي، أبومكي، القراطي، المعيصرونة، التح، تحتايا، بابولين، كفرباسين، الصالحية، معراته، الصقيعة، كرسنتي، البرج، السرج، أبو شرجي، الهلبة، أم جلال، الكتيبة المهجورة، تل دم، أم تينة، أم توينة، شعرة العجايز، الصيادي، الربيعة، البريصة، سحال، الفرجة، تل الشيح، أبو حبة، قطرة، ضهرة بيت أيوب، الرفة، وحران. كما حاصرت القوات نفسها نقطة المراقبة التركية الثامنة المتمركزة في بلدة الصرمان والتي بات مصيرها كمصير نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك بريف حماة الشمالي.
وينشر الجيش التركي 12 نقطة مراقبة في محيط محافظة إدلب شمال غربي البلاد، تتوزع في أرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية، لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار وفق تفاهمات أستانة بين الثلاثي الضامن؛ تركيا، روسيا، وإيران.
في غضون ذلك، أكّدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أنّ طيران النظام استهدف صباح أمس الثلاثاء، الطريق الواصل بين معرة النعمان وسراقب بالصواريخ، على الرغم من إعلان هدنة من قبل الأمم المتحدة لتحييد الطرقات حتى الساعة السادسة من مساء أمس الثلاثاء، وذلك لإجلاء من تبقى من المدنيين في معرة النعمان.
وفي السياق ذاته، أكّد مصدر مطلع” قيام ما يعرف بـ”الفرقة 25″ ضمن قوات النظام و”لواء القدس” الفلسطيني، بنهب وسرقة وتعفيش المنازل والمحال التجارية في بلدة جرجناز، وذلك بعد أقلّ من 16 ساعة فقط من السيطرة على البلدة. وأشار إلى أنه لم تسلَم مناطق أخرى سيطرت عليها قوات النظام خلال الساعات والأيام القليلة الفائتة بريف معرة النعمان من عمليات التعفيش.
وأوضح أنّ معرة النعمان وريفها ومدينة سراقب، تلقت منذ الثلاثاء الفائت، ما لا يقل عن 313 برميلا متفجرا. كما شنّت مقاتلات النظام الحربية أكثر من 309 غارات جوية، فيما استهدفت طائرات روسية المنطقة بـ 287 غارة على الأقل. كذلك، أطلقت قوات النظام ما لا يقل عن 2550 قذيفة وصاروخا، وفق المرصد، مشيراً إلى أنّ الضربات الجوية والبرية قتلت 78 مدنياً بينهم 17 امرأة، و13 طفلاً.
من جانبها، نقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام عمن وصفتهم بـ”الخبراء العسكريين”، قولهم إنّ قوات الأخير تعتزم الوصول إلى طريق حماة- حلب من الطرف الجنوبي لمعرة النعمان، لتنفيذ بند اتفاق “سوتشي” الروسي التركي الخاص بوضع الطريق في الخدمة أمام حركة المرور والترانزيت. وتوقع هؤلاء “الخبراء” أن تمدّ قوات النظام نفوذها على الطريق من الجهة الجنوبية لمعرة النعمان لمحاصرتها قبل اقتحامها، واستكمال تقدمها إلى سراقب على الطريق ذاته، وصولاً إلى مدينة حلب.
سياسياً، وفي ظلّ هذا التصعيد المتواصل من قبل النظام وموسكو، بحث المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، ونائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، أمس الثلاثاء، مع وفد تركي حكومي برئاسة نائب وزير الخارجية التركي، سيدات أونال، تسوية الأزمة السورية وتطور الأحداث على الأرض، وفق ما جاء في بيان للخارجية الروسية.
وقال البيان إنه “جرى تبادل مفصل لوجهات النظر حول مجموعة كاملة من القضايا المتعلقة بتسوية الأزمة السورية. تم بحث تطور الأحداث على الأرض، مع التركيز على الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب وما حولها، وكذلك الوضع على الضفة الشرقية لنهر الفرات”. وفي سياق اللقاء، تم بحث “مهمة تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة لجميع المحتاجين في جميع أنحاء سورية من دون تسييس وشروط مسبقة”، وفق البيان. وأكدت الخارجية الروسية أنه “تم التأكيد من جديد على الالتزام بالعملية السياسية لحلّ الأزمة، بقيادة السوريين أنفسهم، وتنفيذها بمساعدة الأمم المتحدة”.
غير أنّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، طالب أمس، بوقف فوري للتصعيد العسكري شمال غربي سورية، مشيراً إلى أنّ العمليات الأخيرة أدّت إلى مقتل عشرات المدنيين وتشريد نحو 80 ألف شخص بينهم 30 ألفا في الأسبوع الماضي وحده. وجاء ذلك في بيان أصدره المتحدث الرسمي باسم الأمين العام استيفان دوغريك، فجر الثلاثاء.
وأعرب الأمين العام عن “القلق إزاء المدى الذي ذهبت إليه العملية العسكرية، وإزاء ما يرد من تقارير بشأن الهجمات على طرق الإجلاء بينما يحاول المدنيون الفرار شمالاً إلى بر الأمان”. وذكّر غوتيريس في بيانه “جميع الأطراف، بالتزاماتها بحماية المدنيين وضمان حرية التنقل”.
من جانبه، قال رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، إنّ مجزرة كبيرة تنفذ في إدلب حالياً، وإنّ النظام السوري وحلفاءه يستهدفون المدنيين. وأكد مصطفى في تصريحات لوكالة “الأناضول” أمس، أنّ “المنطقة تشهد مأساة إنسانية كبيرة”، مشدداً على “ضرورة أن يتدخل المجتمع الدولي لوقف هذه المأساة”.
في موازاة ذلك، يسود استياء كبير الشارع السوري المعارض الذي يرقب تطورات المعارك عن كثب، متسائلاً عن أسباب هذا التقدم السريع في عمق محافظة إدلب من دون مقاومة كبرى من فصائل المعارضة السورية. كما يطرح هذا الشارع تساؤلات عن غياب أو تغييب “الجيش الوطني السوري” الذي يضمّ عدداً كبيراً من فصائل المعارضة السورية، إذ من الواضح أنّ الجانب التركي حصر نشاط هذا الجيش في منطقة شرق نهر الفرات.
في السياق، أوضح القيادي البارز في فصائل المعارضة السورية، العقيد الطيار مصطفى البكور، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “هناك أسباباً ظاهرية وأخرى غير ذلك وراء تقدّم قوات النظام السريع في محافظة إدلب”. وأضاف: “اتباع سياسة الأرض المحروقة والاستخدام الكثيف للوسائط النارية المتنوعة بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً من قبل الروس والنظام، تقف وراء تراجع فصائل المعارضة السورية منذ التاسع عشر من شهر ديسمبر الحال”. وأعرب البكور عن اعتقاده بأنّ الاتفاق الروسي التركي في سوتشي الموقّع في سبتمبر/ أيلول من عام 2018 يطبق الآن على الأرض.
ورداً على سؤال، قال البكور إنّ “الجانب التركي لم يطلب عدم مقاومة قوات النظام”، مضيفاً: “لديهم أساليب أخرى مثل تخفيف الدعم أو تأخير وصول شحنات الأسلحة والذخائر للفصائل المدعومة من أنقرة، ومن ثمّ تقلّ قدرة الفصائل على الصمود”. وأوضح البكور أنّ مدن سراقب ومعرة النعمان وأريحا وجسر الشغور، وهي كبريات المدن في محافظة إدلب، “وفق الاتفاق الروسي التركي ستؤول للنظام”.
وكان نصّ اتفاق سوتشي المبرم بين الجانبين الروسي والتركي على إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. كما نصّ على استعادة حركة المرور والترانزيت على الطريقين الدوليين “أم “5 و”أم 4″، اللذين يربطان مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري، بمدينة حماة في وسط البلاد، ومدينة اللاذقية على البحر المتوسط في غربها. وتسيّر دوريات روسية تركية في الشمال الغربي من سورية، ولكن الاتفاق لم ينفّذ بسبب تعقيدات الوضع في محافظة إدلب ومحيطها.
من جانبه، عزا القيادي السابق في “الجيش السوري الحر”، المقدّم سامر الصالح، أسباب تراجع فصائل المعارضة السورية أمام قوات النظام في محافظة إدلب إلى “عدم وجود قيادة مركزية موحدة واستراتيجية عسكرية عملياتية فاعلة”. وعن قدرة الفصائل على استعادة زمام المبادرة، أعرب الصالح عن اعتقاده في حديث مع “العربي الجديد”، بأنّ هذه الفصائل “قادرة على تغيير مجرى الصراع لصالحها بحال وجدت استراتيجية للقتال بقيادة واحدة، تغيّر محاور القتال وتغيّر الجبهات، وتغيّر التكتيك القتالي”، مضيفاً “والأهم العقيدة والهدف الموحد لدى قادة الفصائل”.
المصدر: العربي الجديد