نيكولاس مورغان
في ما يتعلق بإدلب، وجهت روسيا تحذيرا إلى تركيا بسبب فشلها في أداء مهمتها التي حددتها لنفسها، والمتمثلة في إخراج مقاتلي مجموعة “هيئة تحرير الشام” من المحافظة. وقبل عمليات إدلب السابقة، أثارت روسيا مخاوف بشأن الإرهاب القادم من إدلب. ويقول محللون أن تركيا لم تف بالتزاماتها بموجب الاتفاق، لا سيما في ما يتعلق بإخراج المقاتلين الإسلاميين المتشددين، الذين يسيطرون الآن على معظم إدلب. وفي خضم التهديدات التركية السابقة بتجديد هجومها ضد الأكراد، عمل التذكير بشأن إدلب كتحذير ضد تجاوز الحدود التي وضعتها روسا حول وجود تركيا داخل سورية.
منذ 15 كانون الأول (ديسمبر)، جددت قوات الحكومة السورية المدعومة من الطائرات الحربية الروسية هجومها على إدلب الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة من مواقع إلى الجنوب والشرق من المحافظة. وقد أسفرت الهجمات عن مقتل العشرات من الأشخاص من الجانبين. وأفاد مصدر بأن الأسبوع الماضي شهد مقتل 72 شخصاً فيما استعادت قوات النظام سيطرتها على الخريبة والربيعة.
وذكرت وسائل الإعلام التركية أن ما لا يقل عن 120 ألف مدني فروا من محافظة إدلب السورية التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة باتجاه الحدود التركية والمناطق التي تسيطر عليها تركيا في سورية في الأيام الأخيرة، بعد أن كثفت قوات الحكومة السورية المدعومة من روسيا هجومها.
وسارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تسليط الضوء على هذا التصعيد. وأثناء زيارة قام بها إلى كوالالمبور لحضور مؤتمر هناك، قال أردوغان أن آلاف السوريين من إدلب فروا إلى تركيا في الأسبوع السابق لنشر هذا التحليل، وأعرب عن قلقه من أن تكون هذه مجرد البداية فحسب.
وقال أردوغان: “الآن، هناك 50 ألف شخص يأتون إلى بلادنا من إدلب. ونحن نستضيف مسبقاً أربعة ملايين شخص، والآن، يأتي 50 ألفاً غيرهم. وربما يزيد هذا الرقم أكثر من ذلك”.
كثفت روسيا ضغوطها من حين لآخر في إدلب للسماح بعودة سلطة دمشق إلى المحافظة من خلال سلسلة من الهجمات التي شُنت في العام الماضي على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار مع تركيا. وتدرك موسكو تماماً الخوف في أنقرة من وصول لاجئين جدد، واستخدمت هذه المسألة كوسيلة للضغط عليها من أجل تقديم تنازلات.
وكان من المتوقع حدوث تطور في إدلب منذ تشرين الثاني (نوفمبر) على الأقل، عندما تبادل الدبلوماسيون الروس والأتراك الاتهامات بسبب فشلهم في الوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها.
وتتهم تركيا روسيا بالتقاعس عن إخراج مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة الآمنة التي اتفق عليها الجانبان في شهر تشرين الأول (أكتوبر) بعد عملية “نبع السلام” العسكرية التركية في شمال سورية.
لكن روسيا ردت على هذا الاتهام بتذكير شريكتها بتقاعسها عن إخراج المقاتلين الجهاديين المرتبطين بهيئة تحرير الشام من إدلب كشرط لوقف إطلاق النار الأخير.
ويقول خبراء في العلاقة بين روسيا وتركيا في سورية أن هذا النقد مرتبط بحدود التعاون في إطار الوضع القائم بين البلدين، ويستند إلى أولويات متنافسة في سورية. ولعل الأكثر وضوحاً هو الخلافات المتعلقة بوحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني، عدو تركيا المقيم منذ عشرات السنين.
يقول أليكسي خليمنيكوف من مجلس الشؤون الدولية الروسي في موسكو، أن الروس لا يشتركون في وجهة النظر هذه. وفي حديثه من باريس يوم الثاني عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن الأكراد بحاجة إلى موقع في الحوار السياسي، حتى في الوقت الذي أقر فيه بمعارضة تركيا لوحدات حماية الشعب الكردية.
وأردف خليمنيكوف قائلاً: “لا تعتبر روسيا وحدات حماية الشعب الكردية/ قوات سورية الديمقراطية جماعة إرهابية، وهي تدعوها باستمرار إلى إعادة التواصل مع دمشق”.
وقد سمح ذلك بوجود معاملات لروسيا مع وحدات حماية الشعب الكردية التي يوجد لجناحها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطي، مكتب في موسكو. وأكدت روسيا مراراً وتكراراً على دعمها للدور الكردي في العملية السياسية السورية ودعمت المصالحة بين الفصائل الكردية المتنافسة.
وكان وفد من المجلس الوطني الكردي قد زار موسكو في السادس عشر من كانون الأول (ديسمبر) لمناقشة الوضع في سورية، حيث تم تشجيعهم على إبرام اتفاق مع وحدات حماية الشعب الكردية.
وقال كاميران حاجو لشبكة رووداو الإعلامية الكردية: “عندما يتعلق الأمر بالمسألة الكردية، تقول روسيا (إنه يتعين على الأكراد إبرام صفقات وتوضيح مطالبهم. بوعد ذلك، يمكننا مساعدتكم في ضمان الحقوق في مستقبل سورية)”. وفي اليوم التالي، تم السماح للمجلس الوطني الكردي بفتح مكاتب له في الأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية وتم إسقاط جميع الدعاوى القانونية ضد أعضائه.
من جهتها، طمأنت تركيا روسيا بأنها ستحترم وحدة أراضي سورية عندما التقى أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي بعد أن عبرت موسكو عن اعتراضها على إطلاق عملية نبع السلام التركية. لكن أردوغان نكث، عندما وجه تهديدات ضد وحدات حماية الشعب الكردية، بهذا الوعد بالإصرار على حق أنقرة في أن تتواجد في سورية، وقال أن تركيا “… لن تغادر من هنا حتى تغادر الدول الأخرى”.
وفي السادس من كانون أول (ديسمبر)، وردت أنباء تفيد بأن تركيا قد عينت رئيسي بلدية في رأس العين (سري كانيه) وتل أبيض (كري سبي) وبدأت عملية تدريب لنحو 4.000 من ضباط الشرطة لتجنيدهم في هاتين المدينتين الشماليتين السوريتين اللتين استولت عليهما أثناء عملية نبع السلام. وأنشأت أنقرة بالمثل إدارات محلية في مناطق أخرى احتلتها في سورية، متجاهلة الاعتراضات الروسية بالإصرار على أن تركيا وحدها هي التي ستقرر شروط خروجها من هذه المناطق.
وفي ما يتعلق بإدلب، وجهت روسيا توبيخاً إلى تركيا بسبب فشلها في أداء مهمتها التي حددتها لنفسها، والمتمثلة في إخراج مقاتلي هيئة تحرير الشام من المحافظة. وقبل عمليات إدلب السابقة، أثارت روسيا مخاوف بشأن الإرهاب القادم من إدلب.
ونقلت صحيفة الشرق الأوسط عن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، قوله للقناة الأولى في التلفزيون الروسي في السادس عشر من كانون الأول (ديسمبر) أن “عملية الفصل بين الإرهابيين في إدلب (والمقاتلين المعتدلين) لم تُنفذ بعد.. ما يزال الإرهابيون ناشطين هناك ويشكلون تهديداً للجيش السوري ولجنودنا”.
وفي نفس المقابلة، قال بيسكوف أن الكرملين يتوقع تسوية الوضع في إدلب قريباً حيث سيتم تحرير المحافظة من الإرهابيين الذين يهددون القوات الروسية والسورية.
تعتبر إدلب المعقل الأخير للمعارضة السورية ضد بشار الأسد. وعلى الرغم من اتفاقي وقف إطلاق النار، فقد دعمت روسيا باستمرار هجمات النظام هناك. وقال كريم هاس، وهو خبير في موسكو يتابع شؤون البلدين: “إن الطريق المسدود في إدلب يمثل قضية معلقة فوق العلاقات التركية الروسية كسيف مسلط على الأعناق”.
ويقول هاس إن تركيا لم تف بالتزاماتها بموجب الاتفاق، لا سيما في ما يتعلق بإخراج مقاتلي هيئة تحرير الشام، الذين يسيطرون الآن على معظم إدلب. وفي خضم التهديدات التركية السابقة بتجديد هجومها ضد الأكراد، عمل التذكير بشأن إدلب كتحذير ضد تجاوز الحدود الروسية حول وجود تركيا داخل سورية.
وحتى إذا كانت تركيا غير راضية عن وجود عناصر وحدات حماية الشعب الكردية المتبقية بالقرب من منطقتها الآمنة، فإن الاتفاق بين دمشق والأكراد يقلل من قدرتها على التحرك. ويقول خليمنيكوف من مجلس الشؤون الدولية الروسي أن هذه التأكيدات التي قدمها أردوغان تخفي عجزاً فعلياً عن فعل الكثير من أجل تقويض الأولويات الروسية التي لا يتفق معها. وتابع خليمنيكوف بالقول: “ليست لدى أردوغان القدرة على مواصلة العمليات العسكرية خارج اتفاقه مع روسيا”.
تعمل القوات الروسية بصفة يومية إلى جانب المقاتلين الأكراد. وقد شرعت في إنشاء قواعد عبر المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، بما في ذلك أحدثها في تل تمر. وفي حين أن هذا لا يقضي على خطر شن أي هجوم تركي، فإنه يحول دون حدوث مواجهة أوسع نطاقاً ويجعل الأكراد أقرب إلى روسيا.
على الرغم من هذا الخطاب المحتدم، من غير المرجح أن ترغب موسكو أو أنقرة في إفشال شراكتهما بالنظر استفادة كل منهما منها.
وقد أبرز بوتين نفسه في قمة “بريكس” في البرازيل في تشرين الثاني (نوفمبر) علاقته القوية بأردوغان، ونبه تركيا إلى نقل مخاوفها إلى موسكو “للرد بسرعة” في حال اعتقدت بحدوث انتهاك داخل المنطقة الآمنة. وبعد الخطاب العدائي من الجانب التركي، قالت روسيا إنها تلقت تأكيدات بعدم شن عمليات عسكرية تركية جديدة وبأن الانتقادات السابقة كانت “مجرد سوء فهم”.
ومع ذلك، تظل أنقرة عازمة على القضاء على أي تهديد تراه من وحدات حماية الشعب الكردية. وتقول إن هذا قد يتسبب في احتكاك مع روسيا التي تعمل الآن كبوابة في شمال سورية وتتواجد على نطاق واسع في المناطق التي يقطنها الأكراد.
وقال خليمنيكوف: “بعد عملية نبع السلام، برزت روسيا كوسيط رئيسي جديد في القضية الكردية. سيكون الطريق شائكاً أمام أنقرة إلى حد كبير لتتكيف مع هذا الواقع الجديد”.
المصدر: (أحوال تركية) /الغد الأردنية