عبد الله البشير
على الرغم من كلّ الظروف الصعبة التي يعيشها أهالي محافظة إدلب شمال غرب سورية، والصعوبات الناتجة من فصل الشتاء، تحوّلت مشكلة المياه إلى أزمة كبيرة، لكونها قضية متجذرة وتعود إلى ما قبل عام 2011، أي العام الذي انطلقت فيه الثورة ضد نظام بشار الأسد.
وساهمت عوامل كثيرة في تفاقم مشكلة مياه الشرب وتأمينها، منها عوامل الطبيعة، فضلاً عن ظروف فرضتها المعارك وارتفاع الأسعار، ما أثر في عمليات ضخ المياه في بعض المدن، وفي بلدات عدة بريف إدلب الشمالي. كل هذا وتبقى الحلول بالنسبة إلى السكان والنازحين على حد سواء حلولاً مرهقة، وذات تكاليف عالية.
ويشكو المواطن عبد الكريم المصطفى، وهو من بلدة كفر تخاريم في ريف إدلب، من ارتفاع أسعار المياه في الوقت الحالي. ويوضح لـ”العربي الجديد”، قائلاً: “المياه تضخ عبر محطة مياه البلدة الرئيسية مرّة كل أسبوعين. خلال هذه المدة، نحاول ملء ما لدينا من خزانات وبراميل أو أي شيء يمكن من خلاله تخزين المياه، لنحاول قدر الإمكان الاستفادة منها بهدف ضخ المياه مرة أخرى، إذ إن مدة الانتظار طويلة جداً”. يضيف: “هنا، تعمل إحدى المنظمات التركية على تشغيل مضخات المياه في البلدة، بالتعاون مع المجلس المحلي. والظاهر أن ارتفاع أسعار الوقود هو أساس المشكلة، لكن يجب بذل جهود أكبر. في المقابل، نضطر إلى شراء صهاريج المياه خلال الفترة التي لا تتوافر المياه فيها. حالياً، نشتري نحو 12 برميلاً بسعر 2000 ليرة سورية (نحو دولارين)، وهذا منهك بالنسبة إلينا”.
وكان أهالي بلدات ومدن محافظة إدلب يتبعون وسائل قديمة لجمع الأمطار تعود إلى العصر الروماني، ويعتمدون على جمع مياه الأمطار في خزانات أرضية تسد حاجتهم من المياه لفترات جيدة، سواء في فصل الشتاء أو حتى في فصل الصيف. وهذه الفكرة القديمة يتحدث عنها كمال الأحمد، أحد النازحين من بلدة كفرنبل الذي يجد صعوبة في الحصول على المياه، حيث يقيم في بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب. ويوضح لـ”العربي الجديد” أن الطريقة تعتمد على جمع مياه الأمطار في خزان محفور في الأرض، حيث يعتمد الأهالي على هذه المياه طوال فصل الشتاء، وحتى خلال فصل الصيف.
من جهته، يتحدث الناشط الإعلامي خضر العبيد عن مشكلة المياه في مناطق ريف إدلب الشمالي بشكل عام. يقول لـ”العربي الجديد”: “ارتفاع أسعار المحروقات أدى إلى ارتفاع أسعار المياه. بالأمس، كان سعر صهريج المياه يبلغ 2000 ليرة سورية (دولارين). أما اليوم، فيصل سعر الصهريج إلى 4000 أو 5000 آلاف ليرة سورية (ما بين أربعة وخمسة دولارات). صاحب البئر عمل على رفع سعر المياه، كذلك فإن صاحب الصهريج زاد قيمة توصيلها، لأن سعر المحروقات ارتفع. ويوضح بعض رؤساء المجالس المحلية في بلدات ريف إدلب الشمالي أن شبكات المياه التي أسسها النظام متوقفة عن العمل بغالبيتها، ما سبّب ضرراً كبيراً في محطات الضخ والشبكات. أما القصف والغارات الجوية، فقد أتلفا قسماً كبيراً منها، وكل هذا سبّب أعباءً كبيرة للناس هنا.
ويقول العبيد: “هناك بعض المجالس المحلية في البلدات الواقعة على الشريط الحدودي مع تركيا تعمل على تشغيل خزانات المياه المرتفعة. الكثير منها هنا لم يتعرض للقصف أو الغارات الجوية من قبل النظام. أما في مناطق أخرى من إدلب، فقد دمرت غالبية هذه الخزانات. وفي مدينة الدانا قرب الحدود مع تركيا، هناك حركة توسع عمراني كبير بسبب أعداد السكان والنازحين فيها، الأمر الذي أفقد المناطق العمرانية الجديدة الخدمات، وفي مقدمتها شبكات المياه، إذ لا قدرة لدى المجالس المحلية على التعامل مع هذا الأمر. وبعض المجالس تحاول مدّ شبكات جديدة، لكنها في حاجة إلى وقت وجهد كبير، كذلك إن تشغيل مضخات المياه مكلف جداً”.
إلى ذلك، يقول مسؤول في إحدى المنظمات الإنسانية إن الحلول لمشكلة المياه في مناطق محافظة إدلب محدودة جداً. يضيف لـ “العربي الجديد”: “إنّ تشغيل المجالس المحلية لمضخات المياه والمحطات في المدن والبلدات حل مكلف بكل المقاييس، إذ إن غالبية المعدات استهلكت على مدار الأعوام الماضية، إضافة إلى شبكات المياه. أما ما يمكن فعله في الوقت الحالي، فهو العمل على تقديم دعم جزئي للمياه، من خلال دفع جزء من التكاليف لأصحاب الآبار وأصحاب الصهاريج المسؤولة عن توصيل المياه. لكن هذا الحل مكلف، وعلى المدى الطويل قد يكون من الصعب تطبيقه. في الوقت الحالي، يجب العمل على الاستفادة من مصادر طاقة بديلة يمكن أن تخفض تكاليف تشغيل محطات الضخ، منها الاعتماد على البطاريات وألواح الطاقة الشمسية.
أما أحمد السيد، أحد المهجرين من ريف حمص الشمالي، والمقيم في بلدة كفردريان شمالي إدلب، فيقول لـ”العربي الجديد”: “العام الماضي كان أفضل بكثير. فالأمطار كانت غزيرة كفاية لملء الخزان تحت المنزل الذي أقيم فيه. ومع بداية هطول الأمطار العام الماضي، أزلنا الأتربة والغبار عن سطح المنزل وغسلناه بالمياه، وحولتُ مزراب المياه إلى الخزان كما أخبرني مالك المنزل. وبالفعل، هذا الأمر ساعدني على تخطي فترة طويلة من دون شراء مياه للغسل والجلي. أما هذه الأيام، فالأمطار قليلة وغسل سطح المنزل غير مجدٍ. لذلك، أعتمد على شراء المياه على الدوام من الصهاريج”.
وفي بعض مناطق إدلب التي لا تستطيع المجالس المحلية تشغيل مضخات المياه فيها، نظراً لغياب دعم المنظمات، بلغ سعر صهريج المياه نحو 7 آلاف ليرة سورية (نحو سبعة دولارات أميركية)، كما هو الحال في بلدة زردنا شمالي إدلب، لكنّ مناشدات المجلس المحلي في البلدة للمنظمات من أجل التدخل لم تُجدِ نفعاً.
المصدر: العربي الجديد