سعد الياس
عندما تمّ تكليف حسّان دياب بتشكيل الحكومة وأجرى مشاوراته النيابية في ساحة النجمة، ساد اعتقاد أن عملية التأليف لن تطول وأن مهلة الأسابيع الستة التي حدّدها الرئيس المكلف لتبصر حكومته النور أكثر من كافية، ولاسيما أن الأحزاب والقوى السياسية التي ستشارك في هذه الحكومة هي من لون واحد وتنتمي إلى فريق 8 آذار، أما 14 آذار فأعلنت صراحة عدم مشاركتها في مثل هذه الحكومة وهي تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب.
غير أن المفاجأة كانت في تأخر الحكومة تارة لعدم الاتفاق على شكلها بين حكومة تكنوقراط أو حكومة تكنو سياسية، وطوراً لعدم الاتفاق على عدد وزرائها بين 18 أو 20 أو 24 وزيراً، وفي كل الأحيان الاختلاف على نوعية الحقائب والمرشحين للتوزير وانتماءاتهم. والمفاجأة الأكبر جاءت عندما تمّ تحديد يوم الجمعة الفائت في 17 كانون الثاني/يناير الحالي لاعلان ولادة الحكومة قبل أن تبرز العقد في ربع الساعة الأخير، وتؤشر إلى شد الحبال بين الفريق الواحد أولاً حول موضوع الثلث المعطّل الذي يرفض أكثر من طرف أن يكون بيد رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، وثانياً حول الحصص وخصوصاً داخل الحصة المسيحية بين الحزبين المشاركين في الحكومة وهما التيار الوطني الحر و”تيار المردة” بزعامة سليمان فرنجية الذي يتهيأ لخوض معركة عدم فتح الباب واسعاً أمام انتخاب خصمه جبران باسيل رئيساً للجمهورية خلفاً لعمّه الرئيس ميشال عون، ويراهن على أن يكون هو لا باسيل الأوفر حظاً لرئاسة الجمهورية بدعم من حزب الله وكذلك من الرئيس سعد الحريري الذي نعى التسوية مع باسيل.
وهكذا فإن العراقيل حصلت بين الحلفاء أنفسهم تحت عنوان تثبيت النفوذ داخل الحكومة، في وقت لم تعد الأزمة الاقتصادية والمالية تتحمّل أي شكل من أشكال الترف والمزايدات. وقد سعى التيار الوطني الحر إلى نفي تهمة تعاطيه مع عملية التأليف بهذه العقلية لا من قريب ولا من بعيد حسب مصدر مسؤول في التيار أوضح “أن الذين يتعاطون مع الملف الحكومي بمنطق العدد والحصص معروفون وقد كشفوا عن أنفسهم بمطالبتهم بعدد محدّد من الوزراء” معتبراً “أن الوقائع تشهد أن الذين دعم التيار توزيرهم، هم من أهل الاختصاص ولا يمتّون إليه سياسياً بأي صلة بل أنهم مستقلون ويتمتعون بالجدارة والنزاهة التي دفعت بالتيار لتأييد وصولهم”.
وكانت الانتفاضة الشعبية وقوى 14 آذار طالبت بحكومة اختصاصيين مستقلّين لا قدرة للقوى الحزبية على التحكّم بهم انطلاقاً من أن الخروج من الأزمة والرهان على أي مساعدات خارجية يفترض التخلّي عن المكاسب والمنافع وسياسات الهدر المالي التي أوصلت الخزينة إلى ما وصلت إليه من انهيار.
وعليه، يتخوّف البعض من أن يكون تأليف الحكومة العتيدة بداية للانفجار بدلاً من أن تكون بداية للانفراج، ويرجّح مسؤولون في 14 آذار ألا يطول عمر هذه الحكومة، متوقعين أن تسقط من داخلها أو من خلال الشارع. واللافت أن الأطراف التي سمّت حسّان دياب غير متحمّسة للدفاع عنه وقد سبق لها أن حاولت دفعه إلى الاعتذار عن التأليف بعدما وجدته غير مطيع لمطالبها، لكن الرئيس المكلف قابلها برفض التخلّي عن التكليف وبالتمسك بالإطار العام الذي حدّده لتشكيل الحكومة، والمعايير التي وضعها لاختيار الوزراء، وأنه لن يتساهل في الالتزام بهذه الضوابط.
وبعد العقد التي تسبّبت بعرقلة ولادة الحكومة قبل أيام، عاد الرئيس دياب ليؤكد أنه يرفض اعتماد النهج القديم في تشكيل الحكومة، سواء كان واضحاً أو مستتراً، لأنه كرئيس مكلّف يصرّ على أن تكون الحكومة تتمتّع بمصداقية وتشكّل صدمة إيجابية، فتحظى بثقة اللبنانيين أولاً، وبترحيب عربي ودولي ثانياً ، معتبراً حسب مصادره “أن أي محاولة لتشويه صورة التشكيلة الحكومية إنما ستؤدي إلى إضعاف قدرتها على التصدّي للكارثة الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي يواجهها لبنان، مع ما يعني ذلك من تداعيات خطيرة على كل المستويات” ومشيراً إلى “أن القفز فوق انتفاضة اللبنانيين التي انطلقت في 17 تشرين الأول/اكتوبر 2019 هو تجاهل للوقائع وجهل للواقع، والرئيس المكلّف لن يقبل بإدارة الظهر لها أو تمييع مطالب اللبنانيين الذين يعبّرون عن غضب صادق ضد ما وصلت إليه أحوال وطنهم.”
المصدر: القدس العربي