هبة محمد وإسماعيل جمال
تقدمت القوات الروسية والسورية التابعة للنظام خلال الساعات الماضية لتصل إلى الطريق الدولي- إم 5 الواقع في ريف محافظة إدلب الجنوبي، بعد نجاحها في التقدم البري وسط غارات جوية عنيفة، وسيطرت على قرى عدة ملاصقة لمدينة معرة النعمان، والتي اقتربت بدورها من الوقوع ضمن شبكة حصار كامل وتقترب من حصار نقطة مراقبة جديدة تابعة للجيش التركي في المحافظة، يجري ذلك في ظل عجز تركي غير مسبوق عن ممارسة أي ضغط سياسي أو عسكري لوقف هجوم النظام الذي هجر مئات آلاف السوريين من مناطق «خفض التصعيد» إلى الحدود التركية خلال الأسابيع الأخيرة وسط توقعات بمحاصرة المعرة والسيطرة عليها بشكل كامل خلال الساعات أو الأيام المقبلة.
قوات النظام تمكنت، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان (مركزه لندن) من التقدم جنوب مدينة معرة النعمان والسيطرة على قرى وبلدات «بسيدا وتقانة وبابولين وكفرباسين»، ليرتفع عدد المناطق التي تمكنت من السيطرة عليها منذ الجمعة إلى 18 وهي «تلمنس ومعرشمشة والدير الشرقي والدير الغربي ومعرشمارين ومعراتة والغدفة ومعرشورين الزعلانة والدانا وتل الشيخ والصوامع وخربة مزين ومعصران وبسيدا وتقانة وبابولين وكفرباسين».
التكتيك الروسي
كما نفذت طائرات روسية، غارات مكثفة على كل من أطراف أريحا وأطراف سراقب وجبل الأربعين ومعرة النعمان والبارة وخان السبل ورويحة والجرادة بالإضافة لمحاور القتال وريف سراقب في ريف إدلب.
ومع سيطرة النظام السوري على العديد من القرى والبلدات في ريف إدلب، سارعت قواته وفق المرصد السوري إلى سلب ونهب بيوت المدنيين الخالية من سكانها. من جانبه، أكد مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح لـ»القدس العربي»: أن قوات النظام السوري والميليشيات المساندة له، تقوم بإحراق المنازل في القرى التي تقدمت إليها مؤخراً، وهي «الدير الشرقي إلى معرشورين والغدفة وتل منس» حيث وثقت مصادر المعارضة، تصاعد الدخان الأسود من قرى واقعة شرقي مدينة معره النعمان.
وبحصار معرة النعمان والسيطرة عليها، سوف يحاصر النظام السوري ثالث نقطة مراقبة تركية من أصل 12 نشرها الجيش التركي في إدلب ومحيطها بموجب اتفاق مناطق خفض التصعيد الذي توصل إليه مع روسيا وإيران. وفي محاولة جديدة للضغط على روسيا، أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاوش اوغلو، مساء الاثنين، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وحسب صحيفة حرييت التركية فإن اللقاء تركز حول الملف السوري والأوضاع في إدلب بشكل خاص.
التكتيك الروسي المعمول به في معارك معرة النعمان المتواصلة، يعتمد وفق ما قاله خبراء لـ»القدس العربي»، على سياسة القضم البسيط، والسيطرة المتتالية، بالاعتماد على سلاح الجو بالدرجة الأولى الذي نفذ بدوره أكثر من 180 غارة خلال ساعات، وذلك بهدف إفشال مخطط المعارضة بسحب القوات البرية إلى حرب عصابات (قتال شوارع)، بغية تخفيف حجم الخسائر البرية للقوات المهاجمة، خاصة مع انتشار الأسلحة الصاروخية المضادة للدروع، والكمائن.
ووثقت عدسات ناشطين سوريين، نزوح آلاف العائلات من قرى وبلدات جبل الزاوية، وسراقب وأريحا في الشمال السوري نحو مناطق الحدود مع تركيا، وذلك بعد سيطرة النظام السوري وروسيا على الطريق الدولي «إم 5».
في حين وثق فريق «منسقو الاستجابة»، نزوح أكثر من 5 آلاف عائلة من أريحا وسراقب وخان السبل نحو الشريط الحدودي خلال الساعات الماضية فقط. إضافة إلى رفع حالة الطوارئ لدى الفريق، وسط مناشدات محلية وأخرى من منظمات إنسانية للتدخل وإيقاف الحملة العسكرية على الشمال السوري، وسط كارثة إنسانية تحاصر مئات آلاف السوريين. وأعربت اللجنة الدولية للصليب الاحمر عن قلقها إزاء التصعيد في حلب وإدلب. وكتبت في تغريدة على موقع تويتر «يجعل الهجوم (…) حياة الآلاف صعبة مما يضطرهم للنزوح في رحلات محفوفة بالمخاطر بلا مأوى، طعام شحيح ورعاية صحية محدودة. فكل ما يريدونه هو البقاء على قيد الحياة».
ورغم تقدم قوات دمشق وموسكو في ريف محافظة إدلب، إلا أن قوات المعارضة السورية تواصل صد الهجمات البرية، حيث أكدت المعرفات الرسمية للتشكيلات العسكرية تدمير آليات للقوات المهاجمة، إلا أنها رغم ما تبديه من مقاومة لا تزال عاجزة عن ايقاف التقدم البري، وسط موازين عسكرية وقدرات نارية غير متكافئة.
الموقف التركي
وترى تركيا أن تراجع الموقف الدولي أضعف موقفها أمام روسيا كثيراً، معتبرة أن الصمت الأوروبي والأمريكي تجاه ما تقوم فيه روسيا والنظام في إدلب شجع موسكو هذه المرة على تكثيف هجماتها دون إبداء أي اعتبار لموقف دولي يتعلق بتحرك في مجلس الأمن أو التلويح بفرض عقوبات على روسيا إذا ارتكبت مجازر في إدلب، وهي المواقف التي نجحت في السابق بمساعدة تركيا على الضغط على روسيا لوقف إطلاق النار في إدلب.
وعسكرياً، تبدو تركيا في موقف صعب على الأرض، حيث تقوم بتقديم الدعم العسكري المقيد لفصائل المعارضة التي توصف بـ»المعتدلة» وسط خشية من تقديم دعم نوعي قادر على قلب المعادلة خشية من رد الفعل الروسي، وصعوبة تقديم دعم لهيئة تحرير الشام المصنفة إرهابيةً في تركيا والعديد من دول العالم.
ويبدو أن النظام السوري مدعوماً بروسيا مصمم أكثر من أي وقت على استمرار هجومه البري هذه المرة حتى السيطرة على معرة النعمان ومناطق أخرى في محيطها حتى السيطرة بشكل كامل على مسار طرق التجارة الدولية. وأوضح مصدر محلي أن 16 كيلومتراً فقط تفصل الآن الجيش السوري عن مدينة سراقب و13 كيلومتراً عن مدينة أريحا. وأفاد مراسل لوكالة فرانس برس قرب معرة النعمان أن القصف الجوي يتركز على الطريق الدولي شمال المدينة باتجاه سراقب، كما على ريفها الغربي. وبالتوازي مع التقدم باتجاه معرة النعمان، تخوض قوات النظام اشتباكات عنيفة في مواجهة هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى غرب مدينة حلب.
تصعيد خطير
ما يجري في شمال سوريا من تصعيد روسي مع النظام السوري ضد المعارضة، صنفه الباحث والأكاديمي د. محمود الحمزة خلال تصريحات لـ «القدس العربي»: ضمن إطاره الشامل، على ضوء العلاقات الروسية – التركية، بشكل عام من سوريا وصولاً إلى ليبيا، فالجانبان لم يتوصلا إلى تفاهمات جيدة لهما حول ليبيا، بسبب أصدقاء الأتراك وكذلك الروس لم يستجيبوا ولم يتعاونوا مع رغبات أنقرة وموسكو.
وفي سوريا، لا يوجد تفاهم تركي – روسي كامل الجوانب، فموسكو وأنقرة كل منهما حريصة على العلاقات والتعاون بين البلدين، وهذا لا يمنع من وجود اختلافات، وهذه الأخيرة لا تظهر إلا في الميدان، فهناك عوامل أخرى تدخل على المشهد كالنظام السوري وإيران، إضافة إلى العامل الأمريكي.
فالموقف الروسي للمشهد في سوريا، وفق ما يراه الباحث «الحمزة»، أن موسكو أصيبت بحالة تململ من وجود هيئة تحرير الشام «جبهة النصرة»، ووجود مواقع هامة بيد التشكيلات العسكرية السورية المعارضة، إذ أن الروسي يريد فتح الطرقات الدولية، وإيصال رسالة للعالم بأن الحرب في سوريا انتهت، ويمكن البدء بإعادة الإعمار والبناء السلمي، فهذه الأشياء تقلق الروس، وكأن موقفهم يقول: بأنهم فعلوا كل شيء هنا، ولم يبق لهم سوى الاستثمار وجني الأرباح.
عدم التفاهم التركي- الروسي حول الشمال السوري، أرجع المصدر سببه، إلى أن الأمريكيين لهم ضلع في هذا الموقف. إذ أن واشنطن تعمل على توتير الأجواء بينهما دائما، بهدف تمهيد الطريق أمام الروس لاستخدام الحل العسكري، وبالتالي توريطهم أكثر في الحرب، أما الأتراك، فهم في موقف حرج، فإدلب فيها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وفي الشمال الشرقي قوات «قسد» ووحدات حماية الشعب الكردية، وبالتالي كل المنطقة تعيش حالة من الفوضى العارمة.
وهنا الروس اختاروا المضي في عملية تحجيم الفصائل غير المصنفة على قوائم الإرهاب كما يحصل في حلب، ولكن ما يهم موسكو اليوم هو تنظيف المنطقة من المعارضة وتسليم مواقعهم للنظام السوري بغية الانتقال إلى المرحلة الاقتصادية والتي تسعى موسكو إلى إقحام الشركات الروسية في هذه الأعمال، وبدء الحصاد.
أما السبب المباشر، فيقول الباحث لـ «القدس العربي»، فهو فتح روسيا للطرق الدولية، بهدف إنعاش الحالة الاقتصادية للنظام السوري ولها، حيث أن دمشق سوف تستفيد ماديًا بشكل كبير من قبل حركة القوافل، وهنا لا ننسى زيارة بوتين قبل يومين لإسرائيل وصفقة القرن والملف الإيراني، وكلها مرتبطة بملفات وتجاذبات إقليمية ودولية.
المصدر: القدس العربي